"كنا أربع استشهاديين اقتحمنا الموقع العسكري بواسطة جيب عسكري مصفح عن طريق اختراق البوابات الفولاذية والجدران الإسمنتية.. توزع الاستشهاديين كل حسب مهمته المكلف بها.. ومن ثم أخذنا بإطلاق النار بعد التمركز في عدة مواضع".
هكذا بدأ الاستشهادي الحي "أبو حفص" أحد منفذي العملية حديثه لـموقع السرايا كاشفاً تفاصيل عن عملية الصيف الساخن البطولية بموقع كيسوفيم العسكري التي وقعت بتاريخ 9/6/2007 والتي يصادف ذكراها الخامسة عشر اليوم.
بعد تدريب شاق ومستمر لأكثر من ثلاثة أشهر تدرب فيها الاستشهاديون الأربعة على الاقتحام والمناورة والانسحاب أيضاً, قرر الشهيد القائد العام لسرايا القدس "ماجد الحرازين" والشهيد القائد "عمر الخطيب" المشرف المباشر عليها ساعة الصفر لتنفيذ العملية.
دقة وعناية
تم اختيار الاستشهاديين بدقة وعناية تامة, وتدربوا على العديد من الأسلحة والمعدات العسكرية بما فيها قيادة الجيبات العسكرية الصهيونية, وتم اختبار جهوزيتهم للتنفيذ أكثر من مرة, وأشرف على تدريبهم وتجهيزهم الشهداء القادة (ماجد الحرازين، وعمر الخطيب، وخليل الضعيفي ).
وفي نفس الوقت, كان جهاز الرصد والاستطلاع التابع للسرايا ينشر جنوده على طول الشريط الفاصل لرصد تحركات الآليات والجنود داخل موقع كيسوفيم العسكري الذي يعتبر أكبر وأكثر المواقع تحصيناً على حدود قطاع غزة.
وفي حادثة غير مخطط لها, قرر أحد الوزراء الصهاينة زيارة الموقع المستهدف, فقررت سرايا القدس أن يكون لها الكلمة الفصل وان ترسل رسالة للاحتلال بأن المقاومة بغزة لهم بالمرصاد في كل زمان ومكان.
يقول الاستشهادي الحي "أبو حفص": "استمرت فترة التدريب بسرية تامة حيث أننا لم نكن نعلم أين مكان العملية ومتى توقيت تنفيذها, في كل يوم كنا نشعر بأننا سننفذ العملية في صباح اليوم التالي, وكنا على جهوزية تامة للخروج بأي وقت للتنفيذ".
ساعة الصفر
وأضاف المجاهد "أبو حفص": "في مساء يوم 8/6/2007 تلقينا اتصال من القيادة بضرورة الالتقاء في مكان معين الساعة الثامنة صباحاً, فذهبت ووجدت الاستشهادي محمد الجعبري، بالإضافة إلى استشهاديان آخران من كتائب الأقصى, تناولنا معا وجبة الإفطار وعانقنا بعضنا العناق الأخير لعلنا نكون جميعنا شهداء في العملية".
وتابع الاستشهادي الحي حديثه لـموقع السرايا وهو يسرد تفاصيل ومجريات العملية البطولية: "انطلقنا من مكان الانطلاق وتوجهنا إلى مكان العملية, أصر الشهيد القائد عمر الخطيب أن يدخل معنا إلى الموقع العسكري، ولكن لظروف معينة انسحب قبل الموقع بمائتي متر, وظل يراقب العملية من الخارج لكنه أوصانا وللمرة الأخيرة بعدم ادخار أي جهد في أسر جنود صهاينة إن أتيحت الفرصة".
الاقتحام والالتحام
ومضى المجاهد يقول:" اقتحمنا البوابات الثلاث للموقع في تمام الساعة الواحدة إلا ربع ظهراً, وتمركزنا داخل الموقع كل حسب نقطته وكانت كلمة السر في البدء بإطلاق النار هي تكبيرات أذان الظهر, ومع صرخات "الله أكبر" بدأ المجاهدون الالتحام المباشر مع جنود الاحتلال على بعد 150 متراً, وتسلل الشهيد محمد الجعبري وبرفقته استشهادي آخر نحو برج المراقبة, وبدءا بإطلاق النيران نحو الجنود هناك, فقتل أحد الجنود على الفور, ومن ثم صعد الاستشهادي محمد الجعبري إلى داخل برج المراقبة واحتجز الجندي الموجود فيه لمدة تزيد عن 6 ساعات, حاول فيها الانسحاب به إلى خارج الموقع لكنه لم يستطع".
وتابع "أبو حفص" روايته قائلاً: "توجهت أنا والمجاهد الآخر، وهو الشهيد "حمزة نصر" من كتائب الأقصى والذي ارتقى لاحقاً للعلا شهيداً في عملية موقع ميغن العسكري بتاريخ 6/9/2007 شرق المحافظة الوسطى, إلى داخل محول الكهرباء الذي يغذي الموقع, وتحصنا فيه لبعض الوقت حتى جاءت دوريتين للجنود الصهاينة, وباغتناهم بالقنابل اليدوية وإطلاق زخات من الرصاص فقتلنا أحدهم وأصبنا اثنين آخرين ولقد شاهدناهم يسقطون أرضا، ولكن اقتربت ذخيرتنا من النفاذ بسبب شدة الالتحام المباشر وكثافة إطلاق النار فقررنا الانسحاب تفادياً من وقوعنا في الأسر, فأرسلنا إشارة للمشرفين بأننا في طريق الانسحاب من الموقع, وهنا باشرت وحدات الإسناد بإطلاق النار وقذائف الهاون لإرباك العدو وتغطية عملية الانسحاب, وأخذنا طريقا مختلفة للانسحاب بحيث يؤّمن كل منا الطريق للآخر, وعندما خرجنا فوجئنا بوجود ما يقارب من سبعة جنود يتفقدون البوابات الثلاثة للموقع فأطلقنا عليهم النار بكثافة فأردينا أحدهم قتيلاً ورأيناهم يسحبونه أرضاً لمكان آمن".
أسر وقتل جنود
وأكمل الاستشهادي حديثه: "لشدة المعركة أرسل العدو الصهيوني تعزيزات عسكرية ضخمة للموقع وتم محاصرته من جميع الاتجاهات, بالإضافة لمشاركة الطائرات المروحية في البحث عن منفذي العملية وكذلك الجندي المحتجز، وفي نفس الوقت كان الشهيد محمد الجعبري يحتجز الجندي وينسحب به تدريجيا نحو حدود الموقع التي كانت عبارة عن أحراش, وحين أدرك الشهيد محمد الجعبري انه لا مجال للخروج من الموقع ومعه الجندي الصهيوني أجهز عليه وقتله, وبعدها بدأ إطلاق النار من الطائرات المروحية, ليصاب الشهيد محمد الجعبري إصابة خطيرة أدت لاستشهاده بعد لحظات. وباستشهاد محمد الجعبري وانسحاب المجاهدون الثلاثة أعلن العدو عن انتهاء العملية العسكرية التي وصفها بالخطيرة جداً والمعقدة، مخلفة أربعة قتلى من الجنود الصهاينة وإصابة عدد آخر".
الاستشهادي الحي "أبو حفص" أكد لـموقع السرايا في نهاية حديثه أنه شاهد تخبط وجبن جنود الاحتلال وهم يفرون من صرخات التكبير وطلقات المجاهدين, وأن نجاح هذه العملية يعود لله تعالى في المقام الأول, ومن ثم للشهيدين القائدين "ماجد الحرازين وعمر الخطيب", وكذلك الشهداء "خليل الضعيفي ومحمد عابد وعادل جندية", لما بذلوه من تخطيط محكم وتدريب متواصل للاستشهاديين ومتابعة ومراقبة حتى اللحظة الأخيرة من العملية البطولية.
وفي مساء يوم 9/6/2007 زفت سرايا القدس شهيدها المجاهد محمد خليل الجعبري الذي نال شرف الشهادة أثناء تنفيذ عملية الصيف الساخن البطولية المشتركة مع كتائب الأقصى, لينضم إلى سجلات الشرف والمجد وليسطر اسمه في أسطر الخالدين مع الشهداء والأنبياء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. نقلاً عن الإعلام الحربي لسرايا القدس.