كتب: خالد صادق
تداعيات اعلان الرئيس الأمريكي جوبايدن زيارته للمنطقة العربية ولقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان, تلقي بظلالها على المشهد الأمريكي, فجو بايدن الذي تعهد بمحاسبة المتورطين في جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي, والذي قال ابان حملته الانتخابية إنه يريد أن بجعل السعودية "منبوذة", بدأ يتراجع امام الضغوطات الإسرائيلية التي تمارس عليه, لتمكين ولي العهد محمد بن سلمان من الجلوس على العرش بدلا من ابيه سلمان بن عبد العزيز, فهذا هو الشرط الوحيد للملكة العربية السعودية لتطبيع علاقاتها مع "إسرائيل", ويبدو ان "إسرائيل" تضع التطبيع العربي كله في كفة, والتطبيع مع السعودية في كفة أخرى, نظرا لمكانتها الدينية والسياسية والاقتصادية, وقدرتها على التأثير في محيطها العربي وخاصة الخليجي, وحالة العداء المتنامية بينها وبين ايران, التي تعتبرها "إسرائيل" الخطر الأكبر على وجودها, والتي يمكن ان تستفيد منها "إسرائيل" بإقامة تحالف كبير في المنطقة يشمل دول عربية عدة من بينها السعودية, لمواجهة ما اسموه "بالخطر الإيراني" وفي محاولة منه لتخفيف حدة انتقادات زيارته المقررة للسعودية، ذكر الرئيس الأمريكي أنه لن يجتمع مع ولي العهد السعودي بصورة ثنائية، بل سيراه في "اجتماع دولي وهو سيكون جزءا منه"، وذلك خلال جولته بالمنطقة في يوليو القادم, ويبدو ان ما قبل الحرب الروسية الأوكرانية, ليس كما بعدها, فأمريكا باتت اليوم اكثر حاجة للبترول الخليجي والغاز العربي, تعويضا عن الغاز الروسي الذي توقف عن التصدير للدول الأوروبية, وباتت أمريكا في حاجة الى تحاف إقليمي تقوده "إسرائيل" بعد فشال التوصل الى اتفاق في الملف النووي الايراني.
وتستعد المملكة العربية السعودية بشكل غير مسبوق لاستقبال الرئيس الأمريكي جو بايدن, وقال الديوان الملكي السعودي ووفق بيان له فإن بايدن سيزور البلاد يومي 15 و16 يوليو المقبل، وأن بايدن سيلتقي خلال الزيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وسيبحث في اللقاءين أوجه التعاون بين السعودية والولايات المتحدة، وسبل مواجهة التحديات التي تواجه المنطقة والعالم, كما يتضمّن جدول زيارة الرئيس الأميركي في يومه الثاني حضوره قمة مشتركة دعا إليها الملك سلمان، وتضم قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي, فالمملكة العربية السعودية تقايض الإدارة الامريكية في مواقفها من ولي العهد السعودي, وتضغط بكل قوة لإجبار بايدن على التراجع عن تصريحاته بحق ولي العهد السعودي, وقد جرت لقاءات عديدة بين ولي العهد محمد بن سلمان وعدد من قادة "إسرائيل" في مدينة نيوم السعودية بهدف تغيير الموقف الأمريكي من بن سلمان, والتعامل معه كوريث شرعي للعرش الملكي, وفي سبيل ذلك تقوم المملكة بدفع الدول العربية للتطبيع مع "إسرائيل" واليوم بتنا نسمع عن تحول في الموقف التونسي من التطبيع مع "إسرائيل" وبات الحديث عن إمكانية قبول ذلك, وبتنا نسمع عن إقامة تحالف في المنطقة تقوده "إسرائيل", وبتنا نسمع عن استعداد خليجي وعربي لمد العالم بالنفط, وتمكين "إسرائيل" من تصدير الغاز العربي للدول الأوروبية, فالأردن تستقبل الغاز المسروق من "إسرائيل" ومصر تقوم بتسييل الغاز, وإسرائيل تصدره لأوروبا.
اليوم العالم العربي يتزين لاستقبال الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يمنح الشرعيات، ويعزز الديكتاتوريات، ويحفظ استقرار البلاد، فبدأ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان زيارته إلى مصر في إطار جولة تشمل الأردن وتركيا. والأخيرة تلك ستكون الزيارة الرسمية الأولى بعد الأزمة العاصفة في العلاقات السعودية التركية في أعقاب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول، وهي رشوة تقدمها المملكة العربية السعودية للإدارة الامريكية، ان هذا البلد الذي نفذت فيه جريمة قتل خاشقجي يتعامل مع ولي العهد السعودي المتهم الأول في قضية قتل المغدور جمال خاشقجي، وان محمد بن سلمان رجل المرحلة القادمة، وعلى الإدارة الامريكية تقبله, لكن لا يخفى على احد ان الإدارة الأميركية في غاية القلق من تأثير ذلك على شعبيتها وعلى فرصها "الضئيلة" للاحتفاظ بالأغلبية في مجلس النواب وعدد نوابها بالشيوخ في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل, وبالتأكيد فان الإدارة الامريكية تتطلع إلى توسيع دائرة الدول المنضمة إلى الاتفاقيات الإبراهيمية وعلى رأسها السعودية, وهذا بحد ذاته هدف تسعى اليه الإدارة الامريكية بشدة وتعمل على انجاحة بكل السبل الممكنة, فعربون التقرب لأمريكا هو مدي التضحية بالقضية الفلسطينية لصالح "إسرائيل", ومدى العلاقة التي تربط هذه الدول العربية والشرق أوسطية "بإسرائيل", ومدى التعاون معها وقبولها "كشريك" حتى وان كان ذلك على غير رغبة الشعوب, فمبادئ أمريكا وقوانينها تتغير وتتبدل وفق مصالحها, ووفق مصلحة "إسرائيل" حليفها الأكبر في المنطقة, وضامنة مشروع الهيمنة والسيطرة الامريكية على منطقة الشرق الأوسط.