غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

كيف تواجه المقاومة الفلسطينية القوة الناعمة الصهيونية؟

مناورة.jpg
بقلم/ عرفات عبد الله أبو زايد

برز مفهوم القوة الناعمة قديماً خلال تجارب عالمية على مستوى الشعوب والمسؤولين، حتى تمكن جوزيف ناي رئيس مجلس المخابرات الوطني ومساعد وزير الدفاع الأميركي في حكومة بيل كلينتون من صياغة المفهوم والإطار النظري للقوة الناعمة، وجاء في كتابه "القوة الناعمة: السبيل إلى النجاح في عالم السياسة الصادر عام 2004"، وتبناه العديد من قادة العالم، ووصف ناي القوة الناعمة بأنها القدرة على جذب، واستمالة، وإقناع الآخر؛ قد يصل الأسلوب إلى منحة مالية أو مقابل مصلحة ما، وفي إطار ورشة عمل أقامتها جامعة تل ابيب في العام 2005 تم تعريف القوة الناعمة بأنها القدرة على استخدام العصا والجزرة الاقتصادية والعسكرية لجعل الآخرين يتأثرون بإرادتك، وخلصت ورشة العمل بأن استخدام القوة الصلبة مهم في الحرب على (الإرهاب)، ولكن العمل بالقوة الناعمة هو أرخص بكثير من الإكراه.
بمعزل عن التأصيل النظري لمصطلح القوة الناعمة الذي من المهم أن نقرأه ونحلل أبعاده وتداعياته وأساليبه بهدف اختصار الأزمان والاوقات والتجارب التي قد تكلفنا الوقوع في عثرات وسقطات نحن بغنى عنها.

استخدم الكيان الصهيوني منذ احتلال فلسطين في العام 1948 كافة أدواته في خِضم مواجهة أعداءه وذلك لطمس وقتل أي نفس مقاوم في الأمة، وهذه الأدوات تنوعت بين سياسة الترغيب والترهيب، ونستطيع القول بأن الاحتلال لم يألوا جهداً في استخدام أدوات القوة الصلبة في بدايات نشأته وما تلاها من حروب مع الجيوش العربية بشكل عام والمقاومة الفلسطينية بشكل خاص، وواصل سياسة القوة الصلبة حتى في مواجهة انتفاضة الحجارة 1987 ومما تلاها خلال انتفاضة الأقصى عبر عمليات القتل والاستهداف بالطيران واسقاط أطنان المواد المتفجرة من طائرات الـ F16 على رؤوس الآمنين من الأطفال والنساء والشيوخ في بيوتهم، واستمر هذا النهج خلال عملية (السور الواقي) بالضفة المحتلة عام 2002 وخلال عدوان 2008-2012-2014-2020 وما بينهم من جولات عسكرية ضد غزة، بالإضافة لتنفيذه سياسة الإعدام بكل دم بارد للأطفال والنساء على الحواجز العسكرية والطرقات في الضفة المحتلة.

أدرك الكيان الصهيوني حجم التكلفة الباهظة التي يدفعها على حساب بيئته الأمنية والاقتصادية في حال استمراراه في سياسة المواجهة العسكرية (القوة الصلبة) ضد المقاومة الفلسطينية، وهو ما أدى إلى فشل الكيان بالوصول للأهداف المرجوة لاستخدام القوة الصلبة ضد المقاومة الفلسطينية، خاصة وأن استمرار حالة الاستنزاف والمشاغلة من المقاومة ضد الكيان الصهيوني ساهمت في رفع مستوى هشاشة الأمن القومي الصهيوني، وهنا بات قادة الكيان في مأزق, وأصبح مطلوب منهم أن يعملوا على تدوير الزوايا وخرق القواعد السائدة، وفي إطار تدوير الزوايا استطاعوا الوصول إلى مبدأ "الأمن مقابل الاقتصاد"، ولاشك أن هذا المبدأ تم استخدامه من عدة بلدان ضد بلدان أخرى ولكن بأشكال أخرى، مثل برنامج "النفط مقابل الغذاء"، الصادر بموجب قرار مجلس الأمن برقم 986، لعام 1995؛ المسمى برنامج النفط مقابل الغذاء، وهو برنامج سمح للعراق بتصدير جزء محدد من نفطه، ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات الإنسانية لشعبه، وقد شكل ذلك مرحلة التمهيد لانهيار العراق قبل احتلاله بشكل كامل في ربيع العام 2003م.

سياسة القوة الناعمة التي اتبعها الاحتلال مؤخراً بدأت تثمر بشكل مخيف بالنسبة إلينا كفلسطينيين، وذلك عبر استخدام الاحتلال لسياسة الابتزاز واستغلال حالة الفقر والبطالة والبيئة الاجتماعية والاقتصادية المترهلة في الأراضي الفلسطينية ليمارس مبدأ الأمن مقابل الاقتصاد، وبالتالي تصبح المشاغلة والاستنزاف معقدة جداً في الشكل والتنفيذ، وتتولد حالة من الضبابية والخِلاف لدى بعض المكونات الفلسطينية إزاء ذلك، ولذلك نحن أمام مشهد في غاية الحساسية بسبب استخدام سياسة العصا والجزرة ضدنا، ففي حال قامت بالمقاومة بالرد على خروقات الاحتلال حتى بأدنى أدوات المقاومة الشعبية كإطلاق البلالين الحارقة من غزة يقوم الاحتلال بوقف كافة "الامتيازات" المقدمة للمواطنين بغزة، وكذلك في حال قيام المقاومة بعملية اطلاق نار على حاجز للاحتلال في الضفة يقوم الاحتلال بفرض إجراءات عقابية ضد المواطنين، والهدف من ذلك هو تشكيل ضغط على المقاومة بمسألة الأمور الحياتية للمواطنين، ويأمل الاحتلال على إثر استخدام هذه السياسية إلى أن يصل إلى مجتمع يستهجن العمل المقاوم، وإبقاءه مجتمع يبحث عن لقمة عيشه فقط، والكيان غير متعجل في الوصول لهذا النتيجة.

التخوفات من هذه الحالة لا يمكن اختزالها بمسألة استمرار حالة الهدوء بين الاحتلال والمقاومة، فقد استشهد 77 مواطناً منذ بداية العام 2022  إما برصاص الاحتلال أو في اعتداءات نفذها المستوطنون أو نتيجة للإهمال الطبي في سجون الاحتلال، بمعنى أن الاحتلال يتجاوز قاعدة الهدوء مقابل الهدوء، بل يريد تكريس قاعدة هدوء مقابل تسهيلات اقتصادية، فالاحتلال أعلن في أكثر من مناسبة أو عبر الوسطاء بأن حالة الهدوء المتواصلة تؤسس لمرحلة تعزيز الامتيازات والتسهيلات المقدمة للضفة وغزة، وهذا هدف معلن، ولكن التخوف الرئيس يتمثل في الأهداف المخفية للاحتلال والتي من المهم على المقاومة أن تناقشها بجدية وتعمل على تحليل التهديدات والتحديات التي تواجه القضية الفلسطينية في ظل الواقع الحالي، وبالتالي وضع السيناريوهات والمعالجات للمرحلة الحالية، فالأهداف المخفية للاحتلال تتمركز حول فرض سياسة كي الوعي لشعبنا، بالإضافة الى الوصول لمجتمع فلسطيني على الأقل لا ينزعج من خروقات الاحتلال في القدس أو الضفة أو غزة، وبالتالي لا يتأثر بالهموم القومية والوطنية وسلخه عن قضية القدس وما يحدث للأسرى .. إلخ.

الأخطر في هذه القضية هي محاولة دمج المقاومة في هذا المخطط بشكل أو بآخر، وبالتالي تصبح مسألة مشاغلة الكيان الصهيوني أو الرد على جرائمه أكثر صعوبة وتعقيداً في ظل الظروف الحالية، ويسودها حالة من التردد في اتخاذ القرار خوفاً من سحب الاحتلال "للامتيازات والتسهيلات الاقتصادية" التي تحدث عنها مؤخراً منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية غسان عليان عن موافقة وزير الجيش الصهيوني بني غانتس على سلسلة من الإجراءات تشمل: المصادقة على 6 خرائط هيكلية للفلسطينيين في مناطق الضفة، وزيادة حصة العمال من قطاع غزة بـ 1500 عامل، ليصبح العدد الإجمالي 15،50، وفتح معبر جديد شمال الضفة لدخول الفلسطينيين من الداخل إلى مدينة جنين، والسؤال هنا لماذا جنين؟ لماذا الضخ الاقتصادي سيوجه الى جنين في هذا التوقيت؟ جنين التي شكلت رافعة ونهضة للعمل المقاوم وشعاع أمل على مستوى الضفة المحتلة بداية من أبطال سجن جلبوع وحتى تأسيس كتيبة جنين وما تلاها من تأسيس كتيبة نابلس والخليل.. إلخ إسوة بكتيبة جنين، بمعنى القوة الناعمة حاضرة لدى قادة الكيان في مواجهة المقاومة الفلسطينية، وفي ذات السياق جاءت خطة صهيونية مقترحة لتفعيل مطار رامون لكي يستخدمه الفلسطينيين، وسينتقل الفلسطينيون من خلال "ممر آمن" من مناطق السلطة إلى وادي عربة نحو مطار رامون، في المقابل تتوقف السلطة عن الإجراءات ضد "إسرائيل" في المحكمة الدولية، ويكثف نشاط قوات السلطة ضد منفذي العمليات الفدائية, لذا توجد ثمة تخوفات حقيقية على مستقبل المقاومة والقضية بشكل عميق في ظل تنفيذ صفقة القرن ولكن بطريقة وشكل ومسمى جديد، حيث أن صفقة القرن كانت قائمة على منح تسهيلات اقتصادية وتنموية ودمج الأنظمة القائمة في هذا المشروع بطرق شتى.

نحن نؤمن ونثق لأبعد الحدود بقدرة المقاومة على إفشال مخططات الاحتلال، كما نثق بصدق قيادة المقاومة في احساسها القومي بالقضايا الوطنية وفي ذات الوقت انتمائها للحاضنة الشعبية التي تعاني أوضاع اقتصادية شديدة الصعوبة، ولهذا كله أصبح من المهم على قيادة المقاومة أن تناقش المرحلة الحالية بعين ناقدة حتى لا نقع كما وقع غيرنا من حيث ندري أو لا ندري، وقراءة حالة الهدوء التي يعيشها الكيان مقابل فتات باعتبارها نصر استراتيجي للكيان استطاع من خلاله بناء تحالفات إقليمية ضخمة، ولذلك قوى المقاومة مطالبة بأن تضع كافة الملفات والقضايا أمامها وتناقشها بعمق بعيداً عن القشور أو المؤثرات الداخلية أو الخارجية، مع أهمية أن نضع في الاعتبار التحديات التي تواجهنا، والفرص التي أمامنا، وكيفية تحويل التهديد والتحدي إلى فرصة.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".