اصطفى الله تعالى منذ الزمن الأول لبعث الرسالة السمحاء رجالاً عمالقة ذادوا عن حماه، انتخبهم ربهم من بين الكثيرين، ورباهم على عينه، فطهرت قلوبهم من رجس الدنيا وقويت عزائمهم برضى الله، وبنور منه شقوا دروب الحياة، ووهبهم من فيض عطاياه، أحبهم وأحبوه وإلى أن حان اللقاء بذلوا الغالي والنفيس لنيل رضاه، فنقشت أسماؤهم على صفحات التاريخ، واستحقوا عن جدارة وصف خالقهم والعالم بحالهم (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا). كلمات يصحبها الحياء، تصحبك في مدرسة المجد، مدرسة الشهيد القائد صلاح الدين أبو حسنين، حياته الزاخرة بالعطاء تحني القلم إجلالاً، وتكسب الكلمات هيبة، وتنأى بالعين ملامسة قمة جبل أشم.
تصادف اليوم الاثنين الموافق 25 - 7 الذكرى السنوية الثامنة لرحيل الشهيد القائد صلاح الدين أحمد أبو حسنين، عضو المجلس العسكري لسرايا القدس وقائد الإعلام الحربي، والذي ارتقى للعلا في قصف صهيوني غادر استهدف منزله برفح وارتقى برفقته نجليه الطفلين عبد العزيز وهادي.
ميلاد قائد
ولد الشهيد القائد صلاح الدين أحمد أبو حسنين (أبو أحمد) في 12 فبراير (شباط) 1967م بمخيم يبنا بمحافظة رفح، تعود أصول عائلته إلى بلدة «يبنا» التي هجروا منها قسراً على أيدي عصابات الإجرام الصهيوني في العام 1948م، تربى في أكناف أسرة ميسورة الحال مكونة من 14 فرداً ويقع ترتيب شهيدنا القائد صلاح الرابع بالنسبة لأفراد أسرته.
درس شهيدنا القائد صلاح الدين المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين برفح، ومن ثم انتقل ليكمل تعليمه في مدرسة بئر السبع الثانوية، وتمكن من تحصيل معدل يمكنه من إكمال تعليمه الجامعي، وقام بدراسة سنة جامعية إلا أن ظروف قاهرة حالت بينه وبين التعليم، وأهمها الوضع المادي الصعب الذي تعيشه أسرته، بالإضافة إلى عمله المتواصل في صفوف حركة الجهاد الإسلامي وكذلك فترات الاعتقال الكثيرة التي تعرض لها.
عـاش الشهيد القائد صلاح الدين أبو حسنين حياة اليتم حيـث فقد أمه وهو لا يتجاوز العاشرة من عمره، فجد واجتهد حتى أكرمه الله تعالى ونمت شخصيته الثائرة صاحبة الفكر المتقد الممتزجة بحب الدين والوطن.
تزوج من رفيقة حياته وأنجب منها 8 من الأبناء هم: أحمد، روان، عبد العزيز، هادي، زكية، يسرى، مرفت ومحمد، وقد اصطفى الله الشهيدين الطفلين عبد العزيز وهادي؛ فارتقيا مع والدهما في معركة البنيان المرصوص في العام 2014م.
الزاهد المتواضع
عرف الشهيد القائد صلاح الدين أبو حسنين بطبعه المتواضع وحياته الزاهدة لدرجة أنه كان يعرف بـ "أبو الفقراء" لبحثه الدائم والمستمر عن العائلات المستورة ليقدم لها ما تيسر من المساعدات ويساهم في حل مشكلاتهم، وكان نعم الأب الحنون على أولاده ونعم الأخ لإخوانه الكل يحترمه ويحبه، وكان دائماً يوصى زوجته بتربية أبنائه تربية إسلامية صالحة.
وكان صاحب روح دعابة، يمازح الجميع من حوله في الزيارات العائلية أو بين الجيران بالحارة، الأمر الذي جعله محبوبًا بين العائلة والإخوة والأخوات والجيران والأصدقاء، وإخوانه في حركة الجهاد الإسلامي.
موقف أثر فيه كثيراً
ومن المواقف التي تركت أثراً كبيراً في قلب وعقل الشهيد القائد صلاح الدين أبو حسنين عندما أرسلت المخابرات الصهيونية مذكرة إحضار له إلى إحدى النقاط العسكرية القريبة تمهيداً لاعتقاله فقال له والده قبيل ذهابه في الموعد المحدد عبارة لازالت عالقة في أذهان أشقائه "هذه طريق الوطن الصعبة, طريق الآلام التي يسلكها الرجال، وأنت اخترتها يا ولدي بمحض إرادتك دون إكراه, فأرجو لك الثبات في محنتك وأن تأخذ حذرك يا ولدي والرحيل نصيب"، فشاءت الأقدار بعد مشيئة الله عز وجل أن تكون هذه العبارة آخر موقف للشهيد صلاح الدين بينه وبين والده قبل دخوله السجن، وما هي إلا أشهر قليلة حتى انتقل والده إلى رحمة الله.
السجل الجهادي المشرف
عرف عن الشهيد القائد صلاح الدين أبو حسنين أنه شعلة متقدة لم يخب لهيبها منذ عام 1985م، شخصية حالمة تشربت حب الوطن وورثت أمانة الشهداء، وسارت على خطى الأوائل نصرة للدين والوطن.
سطع نجم الشهيد القائد أبو حسنين عقب استشهاد زميله بالمدرسة وجاره بالمخيم الشهيد سالم أبو نحلة في عام 1981م الذي استشهد في إحدى المظاهرات الشعبية التي كانت تؤازر الأطباء في إضرابهم الذي عرف بـ "إضراب الجمعية الطبية في قطاع غزة"، ومنذ هذا التاريخ تعلقت روحه بثلاثية مترابطة ممثلة بمخيم يبنا ومسجد الهدى وحركة الجهاد الإسلامي وكانت هذه الثلاثية تعني له ذلك المخيم الثائر صانع الرجال وهذه الحركة المجاهدة مخرجة الأبطال، وهذا المسجد الشامخ منبع الشهادة والشهداء, حيث انطلق الشهيد أبو حسنين بعدها كشخصية ثائرة قوية تتميز بكاريزما خاصة دفعت الكثير من أبناء المخيم للالتحاق بصفوف الحركة.
تأثر الشهيد القائد صلاح الدين أبو حسنين كثيراً بشخصية المؤسس الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي عندما كان يحضر ندواته ويقرأ بشغف كبير كتاباته ومقالاته, ووصولاً إلى آخر لحظات حياته وكان كثيراً ما يردد ما كتبه الدكتور فتحي الشقاقي في حله وترحاله.
بدأ الشهيد القائد صلاح الدين أبو حسنين مشواره المقاوِم بعد التحاقه بصفوف حركة الجهاد الإسلامي قبيل الانتفاضة الأولى وشارك بقوة وعنفوان في فعاليات الانتفاضة الأولى كافة، من إلقاء الحجارة والكتابة على الجدران وتحريك المسيرات، خصوصًا أيام الجمعة.
اعتقل الشهيد القائد أبو حسنين عدة مرات، كان أولها في عام 1991م، واستمر سنتين بتهمة التحريض وتحريك المسيرات، في محاولة من الاحتلال للنيل منه وتكبيل تحركاته، لكنه كان صاحب عزيمة أقوى من المحتل.
مارس القائد أبو أحمد دوره داخل سجون الاحتلال بالمشاركة في الفعاليات الوطنية التي تقيمها الفصائل الفلسطينية هناك، وساهمت في بناء شخصية الفلسطيني المقاوم، بتحويل السجون إلى ما يشبه "جامعات ثورية" تجهز الأسرى تجهيزًا وطنيًّا مقاومًا لإكمال مسيرتهم بعد تحررهم.
خرج الشهيد صلاح الدين أبو حسنين من سجون الاحتلال قاهرًا سجانه تزامنًا مع قدوم السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو، لكن بات مطاردًا من أجهزتها الأمنية بسبب مناهضته هذا الاتفاق والدعوة للمقاومة، واعتقل عدة مرات في سجون السلطة.
أصيب الشهيد القائد صلاح الدين أبو حسنين خلال حياته أكثر من ست إصابات بالرصاص الحي، وكانت أبرزها في عام 2004م حين اجتاح الاحتلال الصهيوني مدينة رفح وفرض حصارًا مطبقًا على حي تل السلطان، سار على رأس مسيرة قادها من منطقة البلد وسط المدينة إلى الحي المحاصر، من أجل فك حصاره، وأصيب حينها إصابة بالغة.
صاحب عقلية فذة
قام الشهيد القائد صلاح الدين أبو حسنين بدور ريادي وبناء في سبيل الارتقاء بالإعلام الحربي لسرايا القدس، كإعلام مقاوم هدفه الأساس إبراز الصورة المشرقة للمقاومة الفلسطينية وضحد الرواية الصهيونية المخادعة وفضح الجرائم والاعتداءات الصهيونية بحق شعبنا.
وتميز خلال عمله في الإعلام الحربي بأنه صاحب عقلية فذة أحدثت طفرة نوعية في ميدان الإعلام، وكانت سبباً رئيسياً في إظهار الإعلام الحربي بصورة مميزة ومخيفة بالنسبة للعدو الصهيوني، على الرغم من فارق الإمكانات التي تمتلكها المقاومة مقارنة بإمكانيات الإعلام الصهيوني.
وخلال فترة عمله مسئولاً لوحدة الإعلام الحربي، كثف الشهيد القائد أبو أحمد برفقة رفيق دربه الشهيد القائد رامز حرب من جهودهما ونشاطاتهما وكرساها لصناعة هذا الصرح الإعلامي الكبير الذي لا يمكن تجاوزه أو إقصائه على الساحة الإعلامية من خلال سلسلة الأعمال والانجازات الطويلة، وتابع القائد صلاح الدين أبو حسنين عمله وهو في أقسى الظروف وأشدها خطورة على حياته، حيث ظلت توجيهاته وأوامره مستمرة إلى الطواقم العاملة خلال معركة البنيان المرصوص التي ارتقى فيها شهيداً وكذلك في المعارك السابقة التي خاضتها سرايا القدس مع العدو الصهيوني.
موعد مع الشهادة
بتاريخ 25 يوليو (تموز) 2014م الموافق 27 رمضان 1435هـ وفي يوم من أشرس أيام معركة البنيان المرصوص، وأثناء تواجد الشهيد القائد صلاح الدين أبو حسنين في منزله وبعد أداءه لصلاة الفجر بعد ليلة قدر مباركة، وفي صباح يوم الجمعة من أيام العتق من النار، وفي يوم صرخة المستضعفين في وجه المستكبرين ألا وهو يوم القدس العالمي؛ تم تكريم الشهيد القائد صلاح الدين أبو حسنين بالوسام الذي يستحقه بعد مشوار طويل في مسيرة الجهاد والمقاومة حيث أطلقت طائرات العدو الصهيوني صواريخها الحاقدة تجاه المنزل ليرتقي شهيداً برفقة نجليه الشهيدين الطفلين عبد العزيز وهادي إلى علياء المجد والخلود شاهدين على ظلم الاحتلال الصهيوني وإجرامه ضد الإنسانية.نقلاً عن الإعلام الحربي لسرايا القدس.