بقلم/ مصطفى ابراهيم
السواد الطاغي على المشهد الفلسطيني، وما يعانيه الفلسطينيون، يوحي كأنما جرى تدجين الجميع على التعود والعيش بهذا السواد، وعدم الشعور والاحساس بالألوان الأخرى.
قبل أيام أعلنت الشرطة الفلسطينية في محافظة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، عن اعتقال بعض المشتبه بهم في حادثتي إطلاق النار على الدكتور ناصر الدين الشاعر المحاضر في جامعة النجاح الوطنية ونائب رئيس الوزراء السابق والمقرب من حركة حماس.
الشاعر أصيب بجراح إثر تعرضه لإطلاق نار في بلدة كفر قليل جنوب نابلس اثناء قيادته سيارته مساء الجمعة الفائتة من قبل مسلحين، ما أسفر عن إصابته بنحو 6 رصاصات في رجليه.
اطلاق النار على الشاعر أثار القلق والخوف، وحالة من السخط والغضب والإدانة والشجب من جميع مكونات الشعب الفلسطيني.
وفق لعدد من المراقبين فإن إطلاق النار على الشاعر ليس عن طريق الخطأ، بل هو محاولة اغتيال مقصودة. وكثيرون أشاروا بأصابع الاتهام إلى جهات محسوبة على حركة “فتح”، وتم تعميم أسماء مشتبه بهم في محاولة الاغتيال مباشرة بعد المحاولة.
لكن ما جرى هو جزء من مسلسل العنف والفوضى وحالات الانفلات الأمني، وعمليات القتل والخلافات العائلية والاعتداءات المتكررة على المواطنين والاستقواء بالقبيلة، وأزمة الخلافة المطروحة لمرحلة ما بعد الرئيس عباس، ما يؤسس لمرحلة جديدة من الانهيار وضعف السلطة والاعتداء على القانون.
جاءت الإشارة إلى أسماء المشتبه بهم في الجريمة، لارتباطها بأحداث جامعة النجاح الوطنية، قبل نحو شهر والاعتداء على مجموعة من الطلاب ومعهم الدكتور الشاعر حينما عبروا عن رأيهم في قضايا وطنية وطلابية، من قبل أفراد الأمن في الجامعة الذين تربطهم علاقات تنظيمية بحركة “فتح”.
وفي حينه أوصت لجنة التحقيق التي شكلتها الجامعة في حادثة الاعتداء المذكورة، بإعفاء مدير أمن الجامعة من منصبه، وإنهاء خدمات 6 من موظفي أمن الجامعة ممن ثبت مشاركتهم في العنف واستخدام أسلحة في مواجهة الطلبة، وإحالة 16 موظفاً ممن شاركوا في الاعتداء على الطلبة إلى اللجان المختصة في الجامعة لاتخاذ الإجراء التأديبي المناسب بحقهم.
لا يخفى على كثيرين أن أهداف ودوافع المعتدين ومن يقف خلفهم هو قمع حرية التعبير ومن يجرؤ على النقد والتعبير عن الرأي بحرية، حتى لو كان ذلك وفق ما يسمح به القانون، والهامش المتاح للحريات المقيدة أصلاً.
الدكتور الشاعر من الشخصيات العامة ومعروف عنه الاعتدال وله حضور في المشهد السياسي والأكاديمي والاجتماعي الفلسطيني.
هنا تجري مقارنة ما جرى مع الشاعر، بما حدث في عملية اغتيال الناشط السياسي نزار بنات الذي دفع حياته ثمن التعبير عن رأيه ومواقفه السياسية المعارضة للسلطة الفلسطينية، والمفارقة أن أحد المتهمين الـ 14 بقتل بنات، وفقا ما تم تناقله عبر وسائل الإعلام الاجتماعي قد تم عقد قرانه في اليوم الذي تمت محاولة اغتيال الشاعر، ويشير البعض إلى تساهل السلطة في معاقبة المتهمين الذين تم الإفراج عنهم مؤقتا لقضاء إجازة العيد مع عائلاتهم.
خلال السنوات الماضية لم تتخذ السلطة الفلسطينية وأجهزتها الامنية المختلفة، إجراءات من أجل القضاء على مظاهر الفوضى والفلتان، حفاظا على السلم الأهلي. بل وقفت عاجزة او متواطئة مع بعض منها، كما حدث في التظاهرات العشائرية ضد اتفاقية “سيداو” ومعارضة مشروع قانون حماية الاسرة والمرأة.
بداية الشهر الجاري جرى الاعتداء بالضرب والإساءات اللفظية من قبل مجموعة من الأفراد، على المشاركين في مهرجان عشتار الدولي السادس لمسرح الشباب (هبة فن) قبل انطلاق المسيرة الفنية في رام الله، ما أدى الى اصابة عدد من المشاركين في التجمع الفني، وهم ضيوف المهرجان من الفنانين المشاركين من دول أوروبية مختلفة ومن أصحاب المواقف السياسية الداعمة للشعب الفلسطيني، إضافة الى مشاركين محليين من طلاب المسرح في فلسطين.
بحسب التقرير السنوي الـ 27 للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان للعام 2021، فقد قتل، خلال العام المذكور، 25 مواطنًا في شجارات عائلية. ووفقا لتوثيق الهيئة أيضاً، من خلال تقاريرها الشهرية فقد قتل، خلال النصف الأول من العام 2022، 21 مواطنًا، غالبيتهم في محافظة الخليل، التي تنتشر فيها ظاهرة الخلافات العائلية والثأر والانتقام، واستخدام السلاح الناري، وهناك خلافات تتجدد باستمرار.
بالاضافة إلى غيرها من الاعتداءات والاستقواء على المواطنين ومخالفة القوانين، وتشابك مصالح بعض أقطاب السلطة في المشاركة في حماية بعض الاطراف او التغاضي عن ما يجري وتعميم الفوضى لمصالحها، ومصالح الاحتلال الإسرائيلي وتقويض السلطة واضعافها وتأثير ذلك على “المشروع الوطني”.
ما يجري في فلسطين مخيف، في ظل تغول الاحتلال الاسرائيلي، وعربدة عصابات المستوطنين وسرعتهم في ارتكاب الجرائم بحق الفلسطينيين وارهابهم، وتعميق وترسيخ الاحتلال والاستيطان واستكمال مشروع الفصل العنصري. وفي اليوم التالي لمحاولة اغتيال الشاعر اغتالت قوات الاحتلال الاسرائيلي اثنين من المقاومين الفلسطينيين في البلدة القديمة في نابلس بعد عملية اشتباك استمرت نحو خمس ساعات، وصمود في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي ولم تتدخل اجهزة أمن السلطة لحمايتهم.
كما يتعرض الفلسطينيون في الأغوار إلى سرقة أراضيهم وطردهم من مساكنهم كما جرى في مسافر يطا في الخليل، والقرى الفلسطينية المصنفة “ج”، ويترك الفلسطينيون في هذه المناطق لمواجهة كل هذا الإرهاب وحدهم.
الضفة تشتعل من خلال الإضرابات والاحتجاجات، خاصة إضراب المحامين المستمر بتعليق العمل أمام المحاكم، الذي يضاف إلى مشهد الاعتداءات والقتل والتهديد بالقتل وحالات إطلاق النار المتكررة، والاعتقال السياسي وتكميم الأفواه.
ما يجري تعبير حقيقي عن هشاشة السلطة وضعفها، وتكميم الأفواه لكل صوت مختلف مع أصحاب المصالح لتوسيع دكاكينهم الخاصة.