كتب: ياسر عرفات الخواجا
لا شك أن الحرب الخامسة كما أطلق عليها الخبراء والمراقبون على قِصَرِ مدتها وسرعة تصعيدها وأهمية الأهداف التي دارت من أجلها، كان المقصود منها استهداف الجهاد الإسلامي والقضاء عليه، وبشكل واضح ومعلن من قبل الاحتلال..
هكذا تحدث قادة الاحتلال بأن الاستهداف كان موجهًا لحركة الجهاد وقيادته العسكرية، في إشارة وتلميح وصل إلى حد التصريح لتحييد قوى أخرى من فريق المقاومة عن المشاركة والانضمام إلى جانب الجهاد..
هذه الحملة المسعورة والإجرام الفاشي والسادي في مواجهة الشعب الفلسطيني وقيادته المقاومة كان واضحاً من طبيعة الاستهدافات الهمجية من اغتيالات وقتل للأطفال والنساء وقصف للبيوت على رؤوس قاطنيها دون سابق إنذار..
لقد جاءت هذه الحرب كنتيجة لسلوك جيش الاحتلال المتغطرس، وذلك بعدما مرت مسيرة الإعلام دون رادع من المقاومة ولجم لدولة الاحتلال،فى حينه الأمر الذى زاد من سلوكه الإجرامي تجاه شعبنا ومقدساته والتطاول عليها وإهانتها والتعدي عليها، وذلك يظهر من خلال ازدياد وتيرة الاقتحامات المتكررة والتوغلات المستمرة التي باتت شبه يومية؛ مما يؤكد تثبيت التموضع الزماني والمكاني لقطعان المستوطنين.
كل هذا السلوك أصبح واضحاً أكثر من ذي قبل، مما يدلل على أن العدو ماض في توجهاته العنصرية والعدوانية تجاه شعبنا كما هو حاصل بالضفة الغربية من استباحة وقتل وإعدامات واعتقالات، حتى في المناطق التي تسيطر عليها السلطة، التي لم تكتف بالتنسيق الأمني فقط، وإنما تمددت وظيفتها الأمنية إلى ممارسة ميدانية بدون أي وازع أخلاقي أو وطني من قبل هذه السلطة المنحطة، فانحدرت إلى هذا المستوى من الانغماس في وحل العمالة؛ خدمة لأمن الاحتلال، مما نتج عن هذه الممارسات استباحة للدم وازديادًا بوتيرة القتل والإعدامات والاعتقالات لأبناء شعبنا، وهذا يعطي تأكيدًا لا شك فيه بأن السلطة تسعي وبكل جهدها لتؤكد دورها واصطفافها الحقيقي إلى جانب الاحتلال في عدائها لشعبها تحت مسميات الاتفاقيات الموقعة والتسوية المحنطة التي تعلن دولة الاحتلال وبشكل قاطع عدم الاعتراف بها أو مجرد التعاطي معها على أنها حقوق.
إن حالة المقاومة التي بدأت تعيد للضفة الغربية وجهها الحقيقي المشرف، جاءت نتيجة لهذا الظلم الاحتلالي المتعاظم والعلني من قبل السلطة والاحتلال معًا. وما استشهاد القائد إبراهيم النابلسي ورفاقه إلا دليل لتمدد هذه الحالة المشرفة، والتي بدورها تعرى السلطة وتضعها في خانة الخيانة، وتفرغها من المضمون الوطني والشعبي.
فالعملية التراكمية من الاستفراد والاستباحة لشعبنا في الضفة دفع بالمقاومة وعلى رأسها الجهاد الإسلامي لإعادة التأكيد على معادلة توحيد الساحات التي حققتها في معركة سيف القدس البطولية، والتي يحاول الاحتلال كسرها في كل مرة؛ لما تشكل هذه المعادلة من عملية استنزاف حقيقي لكل جهودها السابقة التي قامت بها من أجل إبقاء وترسيخ حالة الانقسام بين الضفة وغزة، وللأسف هذه فرصة ثمينة استغلها الاحتلال لصالحه وعلى كل المستويات، فبدأ بالعمل على العزل السياسي وتفتيت الساحات وعزلها؛ ليسهل له عملية السيطرة العسكرية والأمنية، ومحاولة تجفيف المنابع والأماكن النشطة المقاومة.
ولم يكتف الاحتلال بهذا، بل عمد في الحرب الأخيرة ليستغل تحييد أطراف من المقاومة، وذلك في سياق إصراره على تفتيت الجهود الوطنية المقاومة، والاستفراد بالجهاد في معركة كانت هي الأسرع زمنياً، لكنها كانت طاحنة ميدانياً، حيث استطاعت سرايا القدس فيها من الصمود وإدارة معركة غاية في الأهمية، أثبتت من خلالها أنها قادرة على أن تثبيت معادلة الوطن الواحد وعملت على ترميم ما فقد من تمزيق لوحدة الساحات بعد معركة سيف القدس، وخصوصاً بعد مسيرة الأعلام التي خاضتها ودعمتها حكومة الاحتلال.
هذه المعركة وبحسب المختصين العسكريين والأمنيين الذين أشادوا بدور وتكتيك وقدرة سرايا القدس على إدارة دفة المعركة والمواجهة وتسارع وتيرتها وتطور أحداثها بتوازن حكيم رغم أن آلة الحرب الفتاكة لم تتوقف في عمليات القصف المتواصلة التي بدأت بالاغتيال، وانتهت بأكبر عملية نزوح للمستوطنين، وشل لحركة المواصلات، وإخلاء للشواطئ، وقصف لمطار بن فريون والهروب نحو الملاجئ، وقصف متواصل للصواريخ، ووصول لصواريخ سرايا القدس إلى كل المدن والأماكن الحساسة والمستوطنات، بما فيها مدينتي القدس وتل أبيب، الأمر الذى لم تحتمله حكومة الاحتلال والمستوطنون، فبادر الاحتلال بدفع الوسطاء كإعلان منه لهزيمته، وبقيت سرايا القدس متخندقة لم تغادر مكانها في الميدان، كإصرار منها على الانتصار، وما استمرار إطلاق الصواريخ إلى آخر لحظة لتوقف العدوان إلا تأكيد على أن المنتصر هو من ينهى المعركة بطريقته.
هذه المعركة بالتأكيد لن تكون الأخيرة، لكن ما يميز هذه المعركة أنها جاءت لترميم ما تصدع من نتائج وإنجازات في معركة سيف القدس، والتي تآكلت بعض ثمراتها وخصوصاً معادلة وحدة الساحات. ولربما شعر الاحتلال باغتياله للقادة بأنه انتصر انتصاراً أمنياً مبهرًا؛ وهنا أقول: إن نجاح الاغتيال في هذه اللحظة بعد أكثر من ثلاثين عامًا هو في الحقيقة إخفاق أمني كبير نظراً لما تملكه هذه الدولة المؤقتة من إمكانيات تجسسية جبارة، وتطور إلكتروني كبير في هذا المجال، بالإضافة لحجم العملاء على الأرض، فكل هذا لم يفلح ولمدة طويلة من الملاحقة ومحاولات لاغتيال القادة، وبالأخص الشهيد خالد منصور، الذى كان يصول ويجول، ولم يتوقف عن مسيرة الجهاد والمقاومة لحظة واحدة.