"لقد وقفَ قادةَ الغَدْرِ وَالاِنْهِزَامِ عَلَى أصابِعِ الأقدامِ يَحُفُّهُمُ الرعبُ".. هذا شطرٌ وردَ على لسان المتحدث العسكري باسم سرايا القدس خلال مهرجان معركة "وحدة الساحات.. الطريق إلى القدس"؛ وهو ما يؤيده الخبير في الشأن العسكري والأمني عبد الله العقاد، بالنظر إلى الإنجازات التي حققتها معركة وحدة الساحات التي أظهرت بأس مقاتلي المقاومة.
فعلى الرغم من أنَّ المعركة الأخيرة كانت هي الأقصر زمنياً مقارنة بالمعارك التي سبقتها، إذ استغرق العدوان قرابة (خمسة وخمسين ساعة لا أكثر)، إلا أنَّ الغلبة كانت لمقاتلي المقاومة، فلا المقاومة انتهت، ولا العدو حقق إنجازاً، بل جلب هزائم تضاف لسجلاته الانهزامية، ويكفي أن العدو حشر مليون مستوطن إسرائيلي في الملاجئ، تحت ضربات المقاومة، التي عطلت مناحي الحياة في الكيان، واستطاعت فرض حالة الاستنفار لدى العدو.
في هذا السياق وبالنظر لمجريات المعركة، أكد الناطق باسم سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد في فلسطين، أنّ ما قامت به سرايا القدس هو ضرورة شرعية ووطنية كسرت "هيبة العدو".
وأكد أبو حمزة في كلمته خلال مهرجان أقامته حركة الجهاد بالتزامن في قطاع غزة وسوريا ولبنان باسم "وحدة الساحات-الطريق إلى القدس"، إنّ "معركة وحدة الساحات واحدة مِن المحطاتِ المفصليةِ في عمرِ وتاريخِ نضالِ شعبِنَا ومقاوَمَتِهِ".
وأضاف، أنّ "أُرِيدَ مِنْ خِلالِ العدوان الغاشم أَنْ نرفعَ الرايةَ البيضاءَ وأن نصمتَ، فكان ردُّنَا بزئيرِ أمينِنَا العامِّ القائدِ الفدائيِّ زياد النخالة الذي أثلجَ صدورَ الأحرارِ خلالَ ساعاتٍ معدودةٍ عبرَ قرار دك فلسطينَ المحتلةِ بالصليات الصاروخية".
المقاومة جذوة لا تنطفئ
الخبير في الشأن العسكري والأمني عبد الله العقاد يرى أنَّ الشعب الفلسطيني يخوضُ صراعاً مفتوحاً مع العدو الإسرائيلي، وأنَّ المقاومة ستبقى حالةً مشروعة، لا يمكن تعطيلها تحت أي ظرفٍ من الظروف، وطالما بقيت فلسطين تحت الاحتلال.
وقال العقاد لـ "شمس نيوز": "طالما بقي هذا الاحتلال على أرضنا الفلسطينية، ويزيد من إجرامه ويستمر في سعيه الحثيث أن يفصل بين مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، فستبقى المقاومة مستمرة، ومتصاعدة".
وبيَّن أن معركة "وحدة الساحات" نتاج حقيقي لما تمخضت عنه معركة (سيف القدس)، مع إشارته إلى أنَّ الحفاظ على منجزاتِ تلك المعارك ضرورة وطنية، لاسيما أنَّ هذه المعركة وكل المعارك مع العدو ستضيف وتقدم خطوة بالاتجاه الصحيح نحو التحرير.
وفي سياق الحديث عن بطولة الجهاد الإسلامي وفصائل المقاومة التي خاضت المعركة، ذكر العقاد أن العدو حرص شديد الحرص على أنْ يوقف المعركة في اليوم الثاني من اندلاع المواجهة، وذلك بسبب الضغط الكبير من المقاومة عليه من خلال ضرب مركز الكيان، وإطلاق الصواريخ بشكل مكثف على البلدات والمدن المحتلة، والتي أجبرت المستوطنين على البقاء في الملاجئ.
وأضاف العقاد "لقد تحقق المشهد الذي لا يريد الاحتلال له أن يتحقق، ألا وهو عملية الترحيل التي حصلت من غلاف غزة إلى داخل المدن والبلدات الفلسطينية المحتلة في الشمال"، مع إشارته أنَّ مشاهد الرحيل القهري -بسبب استنفار المقاومة- آلمت الاحتلال، وكسرت هيبته، ونزعت صورة النصر التي كان يريد أن يخرج بها من المعركة مع قطاع غزة.
إدارة النيران.. الحرب خدعة
ومع بدء تدحرج العدوان، وانكشاف سوء التقدير الاسرائيلي بعد الرد الأولي لسرايا القدس، التي أطلقت نمطاً جديداً للرد لم يكن يتوقعه مخططو العملية الإسرائيلية، وتمثّل بالتالي:
_ إدارة نار ممتازة، والتركيز على المستعمرات والمدن المحتلة في الجنوب والوسط، بطاقة ردّ يمكن التحكم بكثافتها وحجم القوة التدميرية لصواريخها في أي وقت، ولا تستلزم استنزافاً للقدرة الصاروخية للمقاومة.
_ جعل ضرب العمق الإسرائيلي هدفاً ثانوياً يمكن تحقيقه ساعة تشاء المقاومة، وليس هدفاً أولياً كما حصل في معركة سيف القدس.
كل ذلك اعتمد على مبادئ حرب مناسبة أهمها، (الاقتصاد بالقوى + وحدة القيادة + الخداع)، حيث أنّ معظم المعلومات، كانت تفيد بأن العدو استعد لأيام قتالية، يستنزف خلالها سرايا القدس مخزونها الصاروخي بعيد المدى خلال أقل من أسبوع. وإن أهمّ استعداداته على مستوى الجبهة الداخلية، كانت في المنطقة المركزية أي "تل أبيب" و"غوش دان" والقدس المحتلة ومحيطهما، وليس في الجنوب الذي تلقّى معظم الضربات، فيما كانت الاجراءات التأمينية التي فرضها الاحتلال قبل 5 أيام من العملية على سكان المستعمرات والمدن الجنوبية المحتلة، هي إجراءات وقائية ولكنها انتخابية، تسمح له برشوة انتخابية غير مباشرة من خلال صرف مساعدات سخية لسكان الجنوب، ذوي الميول الانتخابية اليمينية.
إنجازات سرايا القدس في وقتٍ قياسي
خلال 50 ساعة تقريباً (5/8/2022 الساعة 9:00 مساءً لغاية 7/8/2022 الساعة 11:30 ليلاً) أطلقت سرايا القدس حوالي الـ 1000 صاروخ وقذيفة بشكل متواصل ومستمر. وتكثّفت الرشقات الصاروخية في الساعات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار، أي عصر يوم الاحد (7/8) وحينها أطلقت السرايا رشقة من 100 صاروخ دفعة واحدة باتجاه الأراضي المحتلة استهدفت بلدات بينها بئر السبع و"بلمحيم" وسديروت. وأشار الاعلام العبري الى أن "الجهاد الاسلامي أطلقت صليات صاروخية لم نشهدها في جولات سابقة".
كما قصفت كلّ مستوطنات غلاف غزة البالغ عددها 58 بشكل متزامن ما أدى الى انقطاع التيار الكهرباء عن 10 مستوطنات جراء سقوط صاروخ على الخط المشغل، كذلك أصابت الصواريخ المنطقة الصناعية في عسقلان المحتلة وسقط صاروخ في محيط القطار السريع في "نتيفوت".
وفي رشقة أخرى أطلقت سرايا القدس 50 صاروخاً في نصف ساعة باتجاه مستوطنات الجنوب ومدن الوسط في الداخل المحتل وسط "توصيات" الاحتلال للمستوطنين بالبقاء في الملاجئ والأماكن "المحمية". فيما طالت عدد من الصواريخ ضواحي القدس المحتلة بالتزامن مع اقتحامات المستوطنين لباحات المسجد الأقصى في مناسبة ما يسمى "خراب الهيكل" المزعوم.
وكانت سرايا القدس قد افتتحت معركة "وحدة الساحات" برشقة صاروخية مؤلفة من 160 صاروخاً استهدفت بشكل أساسي غلاف غزّة.
اعترف الاعلام العبري بأن "الصواريخ التي وصلت إلى بحر نتانيا، هي أبعد نقطة تصلها صواريخ هذه المواجهة، وسقطت دون إشعار من صافرات الإنذار". ويدلّ سقوط الصواريخ في هذه المنطقة على المدى الذي باتت تتمتّع به صواريخ سرايا القدس. اذ تبعد "نتانيا" المحتلّة عن شمال قطاع غزّة مسافة حوالي 85 الى 90 كيلو متر فيما تبعد عن جنوب القطاع مسافة 120 كيلو متر. وكانت السرايا قد أدخلت الى الخدمة الميدانية صاروخ "براق – 120" خلال معركة "صيحة الفجر" التي خاضتها رداً على اغتيال الاحتلال للقائد بهاء أبو العطا ومحاولة اغتيال مسؤول الدائرة العسكرية أكرم العجوري عام 2019.
كذلك أقرّ الاعلام العبري بعدّة نقاط أظهرت تأثير سرايا القدس، فقالت "القناة 14" العبرية أنه تم "تفعيل صفارات الإنذار أكثر من 360 مرة في جميع أنحاء إسرائيل خلال 55 ساعة، أثناء جولة القتال الأخيرة في غزة". ونقلت هروباً وصفته بالهيستيري للمستوطنين في "تل أيبب" وشواطئها. كما اعترف الاحتلال بعشرات الإصابات المادية والبشرية جراء صواريخ المقاومة.
العدو.. إذ يقف على أطراف أصابعه
وحول استنفار قوات الاحتلال وحظر التجوال لمدة أربعة أيام قبل بداية المعركة، بيَّن الخبير العسكري أن الاستنفار العسكري لقوات الاحتلال قيدَ حركة قواته ومستوطنيه واشعرهم بالرعب الشديد من نهايات الأمور، ومستقبل كيانهم، وهو ما أجبر الاحتلال على استدعاء قوات كبيرة من الاحتياط، وذلك يدلل خشيته من المقاومة والفعل المقاوم.
وتابع: "كل هذه الإجراءات الأمنية التي اتخذها الاحتلال؛ لمجرد وجود إشارات ساخنة، وأن هناك رداً عسكرياً سيكون من قِبل المقاومة، إذ أنَّ فرض الطوق على المستوطنات المحاذية للقطاع يدلل على حجم الردع".
واستدرك العقاد "كان ضغط المستوطنين على حكومة الاحتلال واضحاً بعد أربعة أيام من المواجهة، الأمر الذي دفع العدو بشكل جنوني أن يقع في مصيدة المقاومة، ولحظتها استطاعت المقاومة أن تلقنه دروساً قاسية، وحققت موازنة ردع، لم يستطع من خلالها تحقيق أي عامل من عوامل النصر".
وذكر أن التضحيات التي قدمت في معركة "وحدة الساحات" من استشهاد قادة عظام، هي أثمان للتحرير الذي ننشده للشعب الفلسطيني، سائلاً الله نصراً عزيزاً مؤزراً وأن تبقى الساحات موحدة في مواجهة الاحتلال.