جاءت كلمة فلسطين خلال هذا العام 2022م على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة الـ 77 في ظروف لم تختلف كثيرًا عن الظروف الصعبة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني، سوى أنها زادت سوءًا وتعقيدًا بفعل ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته العنصرية، تحديدًا في مناطق الضفة والقدس المحتلة العاصمة الأبدية لدولة فلسطين.
حيث عبرت كلمة فلسطين التي ألقاها الرئيس محمود عباس بتاريخ 23/9/2022م عن هموم ومعاناة شعبنا، والمأساة التي يعيشها منذ وقوع النكبة للعام 1948م، التي على أثرها احُتلت معظم أراضي فلسطين، وطرد أكثر من 750 ألف فلسطيني وتحويلهم إلى لاجئين، إضافة إلى هدم وتدمير أكثر من 500 قرية ومدينة فلسطينية، وتنفيذ أبشع الجرائم الإنسانية حتى تاريخنا هذا. إن ما يجري حاليًا من عدوان إسرائيلي غاشم في الأراضي الفلسطينية المُحتلة في محاولة لتشريع استيطانه وإنهاء كل أشكال الحياة لشعبنا الذي تنكرت لحقوقه كل قوانين هذه الأرض، بل وتماهت مع الرواية والسياسة الإسرائيلية، هو تأكيدًا للرواية التي حملتها كلمة فلسطين في الأمم المتحدة والتي تقوم على فكرة «الإرهاب المنظم وإنهاء الوجود الفلسطيني».
لا شك أن كلمة الرئيس في الأمم المتحدة استعرضت أهم المحطات التاريخية لشعبنا على مدار سنوات طويلة من الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يتجاهل الحقوق المشروعة لشعبنا، موضحًا الظروف الصعبة التي يمر بها إزاء الهجمة الشرسة التي يقودها من عمليات قتل، وإعدام بدم بارد، واعتقالات بشكل كثيف، وهدم للمنازل، وزيادة حجم الاستيطان في مناطق الضفة والقدس، وعمليات التهويد، والاقتحامات المستمرة للمسجد الأقصى، وعدم الالتزام بالاتفاقيات السياسية الموقعة، والقتل البطيء والمُتعمد للأسرى، والحرب المفتوحة على كل أشكال الحياة في إشارة لحرب الإبادة التي يمارسها.
في كل خطاب يُقدم إلى العالم، يؤكد الرئيس دعمه لخيار السلام بل ويقدم الأرضية الخصبة لذلك، بحثًا عن فرصة لاستعادة الحقوق الوطنية .. لكن الذي لا يريد أن يدركه الرئيس والقيادة السياسية الرسمية أن هذا الاحتلال فعليًا أفشل كل خيارات تحقيق السلام الذي يجب أن تقوم على تطبيق قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها «حق العودة» للديار بموجب القرار الأممي 194، وهذا يعني أن التمسك بما فُشل هو الوصول إلى طريق مسدود، ولن تبقى سوى لغة التعاطف والاستجداء!
لا أريد أن أضخم الأمر كثيرًا وأتحدث خارج نطاق المعقول، لكن في الحقيقة نحن كفلسطينيين لدينا عناصر قوة لم نقدم على تفعيلها وهذا سبب تراجع الموقف الفلسطيني، وعدم التعاطي معه من قبل العالم، وللأسف القيادة الرسمية لا تريد الاعتراف أمام ذاتها وشعبها أن رسائلها السياسية التي تُسوق دوليًا أصبحت لا تجدي نفعًا، لأنها بكل بساطة لم تتسلح بقرارات وطنية تقودنا إلى الاشتباك الداخلي والخارجي مع هذا الاحتلال.
وبعد متابعة التصعيد الإسرائيلي المُمنهج في مناطق الضفة وإحياء كل أشكال الانتفاض بوجه الاحتلال، كان الأجدر أن يقدم اجتماع اللجنة التنفيذية لـ (م.ت.ف) الأخير مخرجات أكثر جرأة باعتبارها القيادة الشرعية والوحيدة لشعبنا في كل أماكن تواجده، واتخاذ قرارات توازي الحرب العدوانية على شعبنا، وتقديم رسالة إلى العالم الذي تجاهل حقوقنا الوطنية والإنسانية ويحاول دائمًا أن يمرر مسألة الابتزاز للقيادة الرسمية، (المواقف السياسية مقابل الدعم الاقتصادي).
رغم أن كلمة فلسطين حملت الحقائق إلى العالم، وكشفت إجرام الاحتلال بارتكابه أكثر من 50 مجزرة بحق الشعب الفلسطيني، وهدم القرى والمدن الفلسطينية، كما بحثت عن دور المحاسبة والمسائلة الدولية لإنصاف حق شعب يعيش تحت الاحتلال، منتقدةً سياسة المعايير المزدوجة، إضافة إلى استمرار إرهاب المستوطنين، وانتهاك حقوق الأسرى في السجون وتعرية الدول الداعمة للاحتلال التي منحته الحق في إقامة دولة على أرض فلسطين .. السؤال، هل سيستجيب العالم لهذه الصرخة الإنسانية التي حملت رسائل خالية من أي قرارات يمكن أن تضغط على الاحتلال أو تحرك الدول التي تدعي أنها راعية للسلام لإيجاد حل عادل يخدم حقوق الشعب الفلسطيني في العودة والحرية وإقامة دولته المستقلة.
باعتقادي، أن الاستمرار في هذا الطريق سيمنح الاحتلال المزيد من ارتكاب جرائمه البشعة بحق شعبنا، بل أصبحت تشكل هذه المطالبات الغير مُجدية اعترافًا واضحًا بفشل مسار أوسلو، ولا بد من اتخاذ قرارات حاسمة لوقف هذا العدوان، وإحياء مسار جديد يستند إلى تطبيق قرارات الاجماع الوطني الصادرة عن مجلسي المركزي والوطني، والعودة إلى البرنامج الوطني.. لذلك المطلوب فورًا التحرر من قيود اتفاق أوسلو والتزاماته السياسية والأمنية والاقتصادية، وسحب الاعتراف بإسرائيل، وتفعيل خيار المقاومة الشعبية الشاملة، إضافة إلى الالتزام الفعلي بالانضمام إلى المؤسسات الدولية، وجعل طلب العضوية العاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وطلب الحماية لشعبنا موضع التنفيذ.
أن تتحمل القيادة الفلسطينية عبر مظلة (م.ت.ف) المسؤولية في الدفاع عن حقوق شعبنا هو »طوق نجاة« بالنسبة لها من ما هو قادم، وهذا بالطبع يحتاج إلى إرادة سياسية جامعة تقوم على أسس وطنية أهمها: إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية، ووضع خطة استراتيجية لتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي باعتبارها محط إجماع وطني.