هناك في الزقازيق تلك المحافظة التي تقع شرق القاهرة، كان ثلة من الشباب الفلسطيني المثقف والواعي والثائر، يزرع بذور الامل لإعادة احياء القضية الفلسطينية التي كانت تغزوها اتفاقية كامب ديفيد 1978م، والتي مثلت حالة خذلان رسمي عربي لشعب فلسطيني يقاوم ويناضل ويضحي لأجل قضيته, هناك في الزقازيق كان الأمين العام المؤسس الدكتور فتحي الشقاقي يتحرك عبر حقل من الألغام, فتنصب له الكمائن, وتوضع له الشراك الخفية فكان يغامر بحياته, وحربته الشخصية, ومستقبله العلمي , فهو صاحب رسالة, ويؤمن ايمانا عميقا ان فلسطين تحتاج لأبنائها المخلصين, الذين يوقظون وعي الامة, ويشحذون الهمم لمواجهة مخططات تصفية القضية الفلسطينية, وفلسطين تستحق المغامرة وهى جزء من عقيدتنا كمسلمين, وبالتالي كان العمل دائما في معية الله عز وجل وفي كنفه, فهو الذي يحرس فلسطين الأرض والمقدسات بعينه التي لا تنام, ويحفظها بركنه الذي لا يرام, ويكلؤها بعنايته, ويشملها برعايته, لذلك كان العمل مستنداً دائما الى ستر المولى عز وجل وعنايته ورعايته, وسط كل هذه الاخطار والمغامرات خرجت حركة الجهاد الإسلامي, ليس كرقم جديد يضاف الى الحركات الفلسطينية المتواجدة على الساحة العربية والفلسطينية, انما جاءت لتصحيح البوصلة, وربط فلسطين كحالة وطنية ببعدها الديني والتاريخي والأخلاقي, والمزج بين الوطني والعقدي والفعل الثوري الجهادي, وهنا عليك ان تتخيل على كم جبهة يمكنك ان تقاتل حتى تتحقق افكارك, سواء على المستوى الداخلي, فانت لست فصيلا داخل منظمة التحرير الفلسطينية, وتحمل فكرا عقائديا نابعا من دينك الإسلامي, ويوصمك العالم «بالإرهاب», ولا يتقبلك احد, ولا يساعدك لوجستيا او ماليا لتكون قادراً على الاستمرار, فلم تجد لك نصيراً او معيناً الا الله .
كان على الجهاد الإسلامي ان ينكأ على جراحه, ويتحمل فوق طاقته, ويصبر على كل اشكال المعاناة, لذلك بدأ الشهيد المؤسس فتحي الشقاقي يبحث عن الطليعة من أبناء شعبه, من المتعلمين والمثقفين والملتزمين دينيا واخلاقيا, تجول بين الجامعات, وانتقل من مكان لآخر سرا وعلانية, وفي كل تحرك كان يدفع الثمن بسجنه او حرمانه من اكمال تعليمه الجامعي, او طرده وابعاده, لكن هذا كله كان يعلمه الشقاقي جيدا, ويدرك ان ضريبة الإسلام وفلسطين سيدفعها في كل لحظة من لحظات حياته, بدأ الشقاقي رحمه الله يضع اللبنة الأولى لبنائه التنظيمي من خلال طليعة من الشباب الفلسطيني المسلم المثقف الواعي, وهذه الطليعة عليها مهمة البناء والتأسيس, وفي سبيل ذلك ستدفع الثمن غاليا, ومن هنا كانت مقولته «المثقف اول من يقاوم وآخر من ينكسر» وقد حذر الشقاقي رحمه الله من حرف البوصلة, وفتح معارك جانبية مع الاخرين, ولخص لإخوانه مؤسسي حركة الجهاد الإسلامي أسباب نشوئها وانطلاقتها في اتجاهين اثنين, أولا السعي لتقديم الإجابة الإسلامية على السؤال الوطني الفلسطيني، وضمن هذا الاتجاه يتم تعريفها عادة بحركة إسلامية مقاومة، والثاني تمثلها كقوة تجديدية وتثويرية وتنويرية داخل العمل الفلسطيني، والحركة الإسلامية المعاصرة، سواء في الفكر أو الممارسة, واعتبر الشقاقي ان فلسطين قضية مركزية للامة العربية والإسلامية, وان الجهاد في فلسطين واجب ديني ووطني يحتم علينا كفلسطينيين وكأمة عربية وإسلامية تغليب هذا الواجب على الإمكان, والعمل على إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية من خلال ابرازها واهمية التفاف المسلمين حولها, وضرورة الدفاع عنها كثغر من ثغور الإسلام العظيمة, وان فلسطين ليست ملكا للفلسطينيين فقط انما هي ملك لكل العرب والمسلمين وهى جزء من عقيدتهم.
محطات معاناة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين كانت متعددة ومتنوعة, ورغم صعوبة هذه المعاناة, الا انها اصقلت الحركة وجعلتها اكثر قوة وصلابة في الصمود امام الازمات, ورسخ ذلك مفهوم زرعه الشقاقي في بداية نشأة الحركة, بأن كل من ينتمي اليها هو مشروع شهادة, وان حركة الجهاد لا تعطي انما تأخذ من المنتمين اليها اغلى ما يملكون, وكل من ينتمي لهذه الحركة علية ان يدرك ان روحه وماله جهاد في سبيل الله عز وجل, مصداقا لقوله عز وجل «انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ», حركة الجهاد الإسلامي في كل مراحل الصراع مع العدو الصهيوني كانت تحافظ على وجهة البوصلة نحو الاحتلال الصهيوني, وعدم السماح بانحرافها, واخذت على عاتقها دائما مهمة تصدير وبعث القضية الفلسطينية كلما أرادوا اخمادها, والتخلص من اعبائها, وقد مثلت الحركة ضمير هذا الشعب الفلسطيني الصامد والمناضل, ودافعت عنه بكل قوة, ووقفت الى جانبه دائما, ودعمت صموده وتجذره فوق ارضه بكل ما تملك, فأوجدت لنفسها مساحة كبيرة من الرضا عن نهجها واسلوبها وسياستها, عندما تجردت من البحث عن مكاسب حزبية او شخصية, واعتبرت انها لا تزال تعيش مرحلة تحرر وطني, ولن تشارك في سلطة او تسعى لمنصب او جاه, لقد اخذت الجهاد على نفسها مهمة إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية, وشحذ الهمم والطاقات لنصرة القضية الفلسطينية.