أيقنت حركة الجهاد الإسلامي -منذ نشأتها- أهمية التوافق الفلسطيني - الفلسطيني، على مبدأ التمسك بالحق والثوابت، فما يجمع الكل الإسلامي والوطني -من وجهة نظرها- أكثر مما يختلفون عليه؛ لأن مجمل العلاقة تقوم على مبدأ "نتفق فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا عليه" -كما تُؤكد دوماً-.
وتؤمن حركة الجهاد الإسلامي إيماناً راسخاً بالوحدة من خلال التعدد، فأي خلاف سياسي -كما تُوضِحُ- يحل بالحوار والتقارب؛ لأن العدو الأول والأخير في الصراع هو العدو "الإسرائيلي"، وأي خلاف بين الفلسطينيين يجب أن يكون هامشياً ويحل على طاولة الحوار.
وترى الحركة أن أيَّ جهد يبذل في إطار الصراع الداخلي هو جريمة وطنية لأي شعب ما زال تحت الاحتلال، وأنَّ إراقة الدم الفلسطيني خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وأن الانقسام نكبة ثانية للشعب الفلسطيني بعد نكبة عام (1948م).
وللاطلاع على علاقة حركة الجهاد الاسلامي، ودورها في رأب الصدع، وتقريب وجهات النظر بين الكل الفلسطيني، وتسليط الضوء على دورها المنشود في دعم المصالحة، والعمل على تحقيقها نظرياً وعملياً على أرض الواقع، أجرت "وكالة كنعان الإخبارية" حواراً موسعاً مع الباحث السياسي، أ. محمد أسعد البيوك، الحاصل درجة الماجستير في تخصص الدراسات العربية، عن رسالته الموسومة بـ"دور حركة الجهاد الاسلامي في تحقيق المصالحة الفلسطينية (2006-2019)".
أولويتها مواجهة العدو
يقول البيوك إن حركة الجهاد الاسلامي تاريخياً لم تصطدم مع أحد، وقدمت المواجهة مع الاحتلال عن أي شيء آخر، ودفعت ضريبة عالية جداً في كل المراحل نتيجة لذلك.
وأضاف البيوك، أن الحركة لم تلتفت لأي صراع أو نزاع داخلي، وكانت منذ تأسيسها حريصة على وحدة الحالة النضالية والكفاحية الفلسطينية قولاً وفعلاً، موضحاً أن الكثير من الشواهد الحاضرة تاريخياً تدلل على انفتاح الحركة أمام أي جهد فلسطيني لمواجهة العدو،
وتَعْتَبِرُ الجهاد الإسلامي أن مواجهة المشروع "الإسرائيلي" والعمل على إزالته هو أولى الأولويات في ميثاقها الفكري والسياسي، وهو الهدف الذي انطلقت على أساسه الحركة قبل 35 عاماً، -وفقاً للباحث البيوك-.
الصراع الداخلي جريمة وطنية
أما عن دورها في رأب الصدع بين حركتي (فتح، حماس)؛ لأجل تحقيق المصالحة، بيَّن أن حركة الجهاد الإسلامي تعاطت مع ملف المصالحة بحيادية تامة، عبر محطات عديدة لم تخلُ من المد والجزر، لاسيما أن هذا الملف الحساس شهد تدخلاً من أطراف إقليمية ودولية، وهو ما أثر على إنجازها وعطَّل تحقيقها.
وأشار الباحث إلى أن حركة الجهاد حددت -منذ اللحظات الأولى لحدوث الانقسام-، مرتكزات المصالحة الفلسطينية باعتبار أن كيان العدو "الإسرائيلي" هو الأول والأخير في الصراع، وأن أي خلاف بين الفلسطينيين يجب أن يكون هامشياً ويحل على طاولة الحوار.
وأكد أن أي جهد يبذل في إطار الصراع الداخلي هو جريمة وطنية لأي شعب ما زال تحت الاحتلال، معتبراً أن إراقة الدم الفلسطيني خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وأن الانقسام يعتبر النكبة الثانية للشعب الفلسطيني بعد نكبة عام (1948م).
ونبَّه إلى أن حركة الجهاد تعتبر تداعيات الانقسام كارثية، وتدمر المشروع الوطني الفلسطيني، إذ إنها تقفز على كل التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، والمستفيد الأول من وراء استمراره هو الاحتلال.
دور أساسي ومهم
ودعت حركة الجهاد الإسلامي إلى الحوار الوطني باعتباره السبيل الوحيد لإنجاز المصالحة، كما دعت طرفي الانقسام إلى التخلي عن الارتهان للخارج لإنجاز المصالحة، وترى في الدور المصري دوراً واعداً ومتقدماً ويراعي مصالح الجميع، -وفقَ ما قاله الباحث البيوك-.
ونوَّه إلى أن حركة الجهاد الإسلامي تأملت من وراء هذه التحركات أن تصل إلى نتيجة إيجابية ينتهي بها الانقسام، وتتم المصالحة، ويطوي الشعب الفلسطيني صفحة سوداء من تاريخه، لافتاً إلى أن كافة الجهود التي قادتها الحركة لطي صفحة الانقسام اصطدمت بالتعنت تارةً، وعدم التجاوب معها تارةً أخرى.
وأشار إلى أنه إن حدث تجاوب في بعض القضايا فإنها إما تتم بموافقة أحد الطرفين دون الآخر، أو من خلال بذل ضغط كبير من حركة الجهاد وقوى فلسطينية أخرى على الطرفين.
مفاجأة سياسية بعثت الأمل
وعن مبادرة حركة الجهاد الإسلامي التي قدَّمها الأمين العام الراحل د. رمضان عبد الله شلح -رحمه الله-، رأى الباحث البيوك أن مبادرة الأمين العام حظيت بتأييد رسمي وشعبي، ووضعت الكثير من الحلول الجذرية لتحقيق المصالحة، وتخطي كافة المعوقات.
واستدرك قوله: "ولكن بسبب ضغوط خارجية لم يكتب لتلك المبادرة التي رآها العديد من القيادات السياسية والمفكرين والأكاديميين وغيرهم، مخرجاً حقيقياً للقضية الفلسطينية من المؤامرات التي تحاك ضدها".
ويجزم الباحث البيوك أن المبادرة بنقاطها العشر قدمت رؤية شاملة لإنهاء الانقسام والمساهمة في الخروج من المأزق الفلسطيني الراهن والكبير، ولملمة البيت الفلسطيني، من أجل وقف الانهيار، والحفاظ على القضية الفلسطينية.
وشدد على أنها كانت واحدة من "المفاجآت السياسية" التي تطل على المشهد الفلسطيني، وأحد أبرز "مفاجآت الضرورة السياسية والأمل المنتظر".
تحوُّل إلى الفعل السياسي
وجاءت مبادرة الدكتور شلح -رحمه الله- في خطاب ألقاه بذكرى انطلاقة حركة الجهاد الإسلامي التاسعة والعشرين، وتُعتَبرُ المرة الأولى التي تتقدم فيها الحركة بمبادرة سياسية شاملة، وهذه مسألة في غاية الأهمية -كما يُوضح الباحث البيوك- لانتقال حركة الجهاد الإسلامي عبر "مبادرة الأمين العام" من حالة الترقب السياسي، إلى محاولة الفعل السياسي، مما يعني أننا أمام مشهد جديد لدور الجهاد الإسلامي.
كما أنها المرة الأولى منذ توقيع "اتفاق أوسلو"، التي تتقدم بها حركة سياسية فلسطينية بمبادرة شاملة؛ بحثاً عن "تصحيح المسار"، في مواجهة المشروع التهويدي، علاوة على أنها كسرت "طابو المبادرات الجزئية"، وتجاوزت كل ما سبقها، بما في ذلك وثيقة الأسرى عام (2006).
وتعامل نص المبادرة مع جوهر البرنامج المفترض أن يَكون، إلا أن هناك بعض الثغرات التي تستوجب مراجعتها، خاصة وأن الدكتور شلح، لم يَدَّعِ الكمال السياسي فيما عرض، -وفقاً لما أكده البيوك-، ولا تعتبر نصاً مقدساً بل تمثل انطلاقة لحراك سياسي وطني فلسطيني خارج قضية الانقسام؛ لأنها تتحدث عن إنهاء السبب الأساسي للانقسام وليس الانقسام الفتحاوي - الحمساوي فقط، بل الانقسام الفلسطيني الحقيقي.
تشكيل لوبي فلسطيني
وفي ختام حديثه، أوصى الباحثُ السياسي قيادةَ حركة الجهاد الإسلامي بضرورة العمل على تشكيل "لوبي" فلسطيني ضاغط من الفصائل الفلسطينية، على أن يُستثنى منه طرفي الانقسام؛ للعمل بزخم أكبر من أجل إيجاد آليات جديدة قابلة للتطبيق، تُشكل في مجموعها رافعة لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وصولاً لحالة التكامل في العمل الوطني للتصدي للمخططات والتحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية.
ودعا الحركة الى الحفاظ على موقفها المتوازن والمقبول في قضية تحقيق المصالحة، من خلال تدعيم علاقتها مع مختلف أطياف الشعب الفلسطيني، وفصائله، ومؤسسات المجتمع المدني، على قاعدة الحفاظ على الثوابت والمصالح الوطنية، وتحديد آليات جديدة أكثر زخماً لمواجهة الأخطار التي تعصف بالقضية الفلسطينية.
يُشار إلى أن حركة الجهاد الإسلامي تستعد غداً الخميس، الموافق: السادس من أكتوبر؛ لإحياء ذكرى انطلاقتها الـ35 في ساحات (سوريا – لبنان – اليمن – غزة)، تحت عنوان "قتالنا ماضٍ حتى القدس".
ويحمل شعار الانطلاقة خارطة فلسطين، يعلوها فوهة بندقية فوق الرقم 5، وصاروخ فوق الرقم ثلاثة، في إشارة إلى خيار المقاومة، نقلا عن وكالة "كنعان" الإخبارية.