طفلةٌ بعمر الزهور تترنح يُمنة ويُسرى من شدة الآلام التي تنخر جدار بطنها، عيناها الجميلتان مليئتان بالدموع، يدور الحوار بصوت منخفض بين الأطباء المجتمعين أمام مكتب استقبال المرضى في قسم جراحة الأطفال، أحدهم يقول "حرام نعمل للطفلة تدخل شق جُرحي، لازم نجرب عملية المنظار"، كان الطبيب واثقًا مما يقول؛ فلم تكن الأولى بالنسبة له؛ لكنها أول عمليات بالمنظار الجراحي للأطفال سيُجريها في قطاع غزة.
وكانت الطفلة تعاني من آلام في جدار البطن؛ إذ أن سبب الآلام لم يكن واضحًا عبر الصورة التلفزيونية، وتبين وفقًا لتشخيص الأطباء (العيني) أن الطفلة تعاني من "الزايدة الدودية"، وكان لا بُد من إجراء عملية جراحية لإزالة الزايدة.
لحظات قليلة من مشهد اجتماع الأطباء أمام مكتب الاستقبال حتى تَقدم الدكتور بوجه بشوش وبثقة عالية، بضع خطوات حتى وصل إلى والد الطفلة؛ ليخبره بهدوء: "أنا الدكتور محمد الإفرنجي، وصلت قبل أيام عدة إلى قطاع غزة، درست جراحة أطفال في دولة قطر، أجريت الكثير من عمليات المنظار الجراحي، والحمد لله تكللت جميعها بالنجاح، هذه العملية هي الأولى التي يتم إجراؤها في غزة للأطفال".
بصوته الهادئ الواثق من نفسه، خطف الدكتور قلب والد الطفلة الذي نطق على عجل: "توكل ع الله يا دكتور أثق بك، واعتبرها بنتك"، ارتمست البسمة على وجه الدكتور الذي أكد أن الطفلة "لميس" مثل ابنته، وسيحرص على حمايتها والحفاظ عليها.
نقل د. الافرنجي موافقة والد الطفلة إلى الطاقم الطبي قائلًا: "تواصلنا مع الدكتور مروان أبو سعدة رئيس مستشفى الجراحات التخصصي في مجمع الشفاء الطبي، الذي وفر البيئة المناسبة، وسط حالة من الفرحة والسعادة بين الزملاء الأطباء لرؤية أول عملية بالمنظار الجراحي للأطفال".
دقائق معدودة بعد توقيع والد الطفلة "لميس" البالغة من العمر تسعة أعوام على إجراء عملية المنظار الجراحي، حتى ارتدت الطفلة الملابس المخصصة للعمليات الجراحية، تنتظرها غرفة مغلقة معقمة بشكل جيد، يتوسطها سرير العملية، ويحيط به أجهزة طبية متعددة.
وتعتمد عملية المنظار الجراحي على دقة متناهية، واحترافية عالية، وهدوء تام، إذ تُجرى من خلال 3 جروح، لا يتعدى الواحد منها (واحد سم أو نصف سم) بينما عملية "شق الجُرح" تحتاج إلى ما يزيد عن (5 سم) وهو ما يترك أثرًا للجرح قد يطول التئامه.
ويُستخدم خلال العملية "غاز طبي مخصص" لنفخ البطن، إضافة إلى أنبوبين يحتويان على كاميرات دقيقة؛ ما يُسهل على الدكتور رؤية مكان الآلام بشكل دقيق، أما الجرح الثالث يستخدم لإدخال المقص لإزالة الزايدة وفقًا للدكتور محمد الافرنجي الذي روى تفاصيل ما جرى لـ"شمس نيوز".
وبعد نحو ساعة من الترقب والقلق الذي سيطر على عائلة الطفلة "لميس" ، ليخرج الطبيب مبتسمًا من غرفة العمليات الجراحية، وقد أنهى آلامًا شديدًا كان يعاني منه المريض.
يقول د. الافرنجي لـ"شمس نيوز": "عملية الشق الجُرحي المتعارف عليها تترك آثارًا على جسد المريض قد يحتاج إلى عملية تجميل لتُخفي الجروح؛ لكن عملية المنظار الجراحي لا تترك أي آثار، إضافة إلى أن مريض الشق الجُرحي يحتاج إلى وقت لممارسة حياته الطبيعية؛ أما مريض عملية المنظار الجراحي فإنه يعود مباشرة إلى حياته الطبيعية، فهو يستطيع تناول الطعام ومغادرة المستشفى فورًا".
خدمة حديثة في المجال الطبي
عملية المنظار الجراحي لم تكن موجودة في قطاع غزة، فقد أشار د. الافرنجي إلى أن العملية تعتبر خدمة إضافية للمرضى في جراحة الأطفال لم تكن موجودة سابقًا في غزة، لافتًا إلى أن العملية يتم إجراؤها للحالات المستعجلة مثل (الزايدة الدودية، أو عمليات التواء في المبايض، أو عمليات لتثبيت الخصية المهاجرة، وغيرها من العمليات الروتينية، تُجرى من خلال شق جرحي في البطن أو الصدر).
وأجرى د. الإفرنجي العديد من العمليات النوعية بالمنظار الجراحي، مستذكرًا عملية خطيرة كانت قد وصلت إلى قسم جراحة الأطفال لطفل لا يتعدى 3 سنوات قائلًا: "كان الطفل يعاني من التهاب رئوي حاد سبب له صديداً في التجويف الصدري، ولم يستجب للمضادات الحيوية أو للمحلول، وبعد 10 أيام من العلاج التحفظي بإعادة الصور، اتضح أن هناك صديداً داخل التجويف الصدري".
احتاج المريض إلى ثلاثة ثقوب لا يتعدى الواحد منها (نصف سم) وبعد ساعة من العملية؛ كان الأثر واضحًا بشكل فوري، إذ خرج الطفل من العمليات مبتسمًا، وقضى على سرير المستشفى 24 ساعة تحت الملاحظة التي بينت عودة كرات الدم البيضاء إلى مستوياتها المقبولة، ووفقًا للدكتور الافرنجي، فإن الشق الجرحي قد يسبب تشوهات في القفص الصدري لفترة طويلة، وهذا الأمر الذي تجاوزناه بعملية المنظار الجراحي.
وأكد د. الإفرنجي أن عمليات المنظار الجراحي للأطفال تحتاج خبرة واسعة، وتدريب على فترات وسنوات طويلة، لافتًا إلى أن جراحة المناظير شائعة بشكل كبير لكبار السن؛ لكن جراحة المناظير للأطفال هي جراحات دخيلة في جميع دول العالم.
من هو د. محمد الافرنجي
ولد الدكتور محمد الافرنجي في المملكة العربية السعودية، وتلقى تعليمه في المرحلة الابتدائية، وأكمل المرحلة الإعدادية والثانوية والجامعية في قطاع غزة، بعدما عادت أسرته إلى القطاع، وتخرج عام 2012 ضمن أول دفعة لكلية الطب في الجامعة الإسلامية.
وحصل الدكتور الإفرنجي على الامتياز من وزارة الصحة بغزة؛ وتم قبوله في منحة التخصص العالي في دولة قطر، والتحق ببرنامج جراحة الأطفال منذ عام 2013 حتى 2022.
كما حصل د. الإفرنجي خلال مدة إقامته في قطر على تدريب مكثف على جراحة الأطفال استمر لمدة 6 سنوات، وتكلل بحصوله على البورد العربي والأوروبي في جراحة الأطفال، ثم حصل على الزمالة في جراحة الأطفال في المسالك البولية لمدة 3 سنوات.
وفي السياق ذاته، فقد نشر د. الإفرنجي العديد من الأوراق العلمية في مجلات عالمية عدة تم قبولها في مؤتمرات دولية.