غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

ما لا تعرفوه عن الشهيد العريس

فاروق سلامة: عَرِيسْنا زَين الشَّبَاب والزَّفَة عَسكَرِيَّة!

الشهيد-فاروق.jpg
شمس نيوز - مطر الزق

يركض فادي مسرعًا صوب غرفة الإنعاش، دموعه تنهمر كالسيل الجارف، وبعض الأصدقاء يحاولون الإمساك به وبث الطمأنينة في قلبه: "أخوك مصاب"؛ لكن فادي كان يدرك أن شقيقه فاروق إذا أصيب أو خاض الاشتباك مع جيش الاحتلال فلن يخرج منه؛ إلا شهيدًا أو منتصرًا، أشاح فادي بيده بعض الأطباء إلى أن وصل إلى شقيقه المدرج بدمائه.

صوت أجهزة القلب لم تعد تنبض، والأجهزة التي كانت موصولة في جسد فاروق لحظة وصوله للمستشفى تم إزالتها، بعض الأطباء تراجعوا قليلًا؛ لكن فادي نهرهم بصوت مرتفع وقال: "فاروق مش لازم يموت فاروق بدو يتزوج وبعدين بموت، لازم يصحى" صدمة فادي لم تكن متوقعة فقد أمسك جهاز الكهرباء وبدأ يضرب بشقيقه وسط تساقط للدموع التي انهمرت من الجميع؛ لكنه القدر فقد توقف قلب فاروق النابض بحب القدس وفلسطين.

فاروق جميل سلامة (26 عامًا) من مخيم جنين شمال الضفة المحتلة، حمل همَّ فلسطين مبكرًا وقاتل الاحتلال الإسرائيلي بكل شراسة وعنفوان، فلم ينسَ فادي الذي سرد تفاصيل حياة شقيقه لمراسل "شمس نيوز"، الحديث عن أول محطات اعتقال فاروق في سجون الاحتلال.

في عام 2013 تقريبًا شهد حاجز الجلمة غرب جنين مواجهات عنيفة بين قوات الاحتلال وأبناء المخيم، فقد كان فاروق وفقًا لشقيقه "فادي" يقود الشباب الثائر لرشق جنود الاحتلال، وفي ذروة المواجهات صعد فاروق على جيب عسكري وقام بكسر زجاجه الأمامي، ولم ينسحب من المكان حتى تم اعتقاله من قبل قوات الاحتلال.

وبعد شهور عدة تم الافراج عن فاروق، وفورًا أصبح مطاردًا لقوات الاحتلال، يقول فادي: "لم يتوقف فاروق عن مواجهة الاحتلال؛ كلما شاهد المستوطنين واعتداءاتهم وخاصة ضد الأطفال كان يغضب ويثور ويخرج ليقود الشباب في مواجهات ضد قوات الاحتلال على الحواجز العسكرية".

وفي ليلة مفاجئة بعد نحو عامين انتهكت قوات الاحتلال كل الحقوق الإنسانية والمدنية واقتحمت المنزل لتعتقل فاروق وهو نائم، ثم أفرجت عنه بعد شهور عدة، وعادت لتطارده من جديد، يُشير فادي، إلى أن شقيقه لم يتخلَ عن طريقه وأبلغنا أنه يسعى لنيل الشهادة.

فاروق الذي لم يكل ولم يمل من مواجهة الاحتلال أراد وفقًا لشقيقه فادي أن يبث روح المقاومة والجهاد في قلوب أبناء شعبنا؛ فكان يردد كلمات الشهادة ويزرع حب الجهاد في قلوب أبناء المخيم من شباب وأطفال وشيوخ.

لم يترك فاروق مجالًا للشك فقد أصبح نموذجًا مقاومًا لأبناء المخيم، يقول فادي: "الجميع يحترم فاروق ويسعى للقاء به فهو محبوب جدًا ويلعب مع الشباب ويداعب الأطفال ويعطف على الصغار وكبار السن".

ورغم الوضع الخطير الذي يُحيط بفاروق؛ إلا أنه كان يحب الحياة ويستعين بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بأن الزوجة والأطفال هما سر الحياة، لافتًا إلى أن شقيقه كان يهدف من الزواج إنجاب الأطفال وتربيتهم على الدين والجهاد في سبيل الله.

استعدادات الزواج

قبل أيام قليلة من موعد زفة العريس فاروق، فقد أبلغ عائلته برغبته لإقامة وليمة عن أرواح جميع شهداء فلسطين وخاصة جنين في يوم زفافه بدعوة جميع أبناء المخيم وذبح (العجل)، فورًا طبقت العائلة رغبة فاروق وبدأت تستعد ليوم زفافه.

الأم ذهبت إلى السوق وبدأت تُجهز متطلبات الفرح واشترت الحلويات ومتطلبات زفة العريس، أما العريس فاروق وشقيقه الأخر فقد ذهبا إلى محل الملابس لشراء بدلة العرس والحذاء، يقول فادي: "وصلت بدلة العريس من تركيا لكنها كانت صغيرة وضيقة على فاروق؛ فقام على الفور بإهدائها لأحد أصدقائه وذهب يبحث عن بدلة أخرى في السوق".

وبعد شراء البدلة والحذاء عاد فاروق وشقيقه إلى محل فادي الذي أطلق العنان ليمازح شقيقه بالقول: "قديش بدك تنقطني"، فضحك الأشقاء الذين أكدوا أن مبلغ سيكون مفاجئًا له، لكن تلك المفاجأة كانت دمه الطاهر بعدما اغتاله الاحتلال بطريقة جبانة قبل يوم عرسه بليلة واحدة.

في يوم اغتياله كانت العائلة تستعد لزواج فاروق الذي ذهب لمشاهدة الذبيحة في (المذبح) بينما والدته كانت قد جهزت له البدلة (كوتها- ورشة العطر عليها)، أما حذائه فقد مسحته ووضعته في الخزانة ليوم العرس، كل تلك الاستعدادات كانت تضبط بإيقاع من الحب والفرحة الكبيرة.

في تلك اللحظات كان فادي قد ذهب لشراء بعض مستلزمات الوليمة من البهارات وغيرها من المدينة، وأثناء شراء كل ما يلزم الوليمة وصلته رسالة على "الواتساب" تقول أن قوات خاصة تحاصر (مذبح في مخيم جنين) هنا دق قلب فادي وأصبحت حرارة جسده ترتفع كثيرًا، وتشتت ذهنه فلم يعد يدرك ماذا يفعل؟".

لحظات حتى اتصل بفادي أحد الأشخاص يدعوه الى المستشفى فورًا، نطق لسانه فورًا وهو يُمسك بيديه مستلزمات الوليمة: "فاروق استشهد؟"، أجاب صديقه الذي كان يحاول التخفيف عنه: "فاروق مصاب والحمد الله بسيطة"، لم يقتنع فادي بتلك الكلمات فانطلق مسرعًا صوب المستشفى.

دقائق قليلة فقط حتى وصل فادي الى المستشفى ليجد فاروق مضرجًا بدمائه الطاهرة وروحه قد صعدت إلى السماء، في تلك اللحظات المؤلمة حاول الجميع التخفيف عن فادي إلا أن الصدمة كانت قوية جدًا لتختلط رائحة بهارات الوليمة بدماء فاروق "مقبلًا غير مدبر".

واستشهد فاروق جميل سلامة يوم الخميس الموافق (3-11-2022) برصاص قوات خاصة إسرائيلية إذ أن الشهيد يعد واحدًا من أبرز مؤسسي ومقاتلي كتيبة جنين التي لقنت جنود الاحتلال الإسرائيلي ضربات موجعة منذ تأسيسها