أُسدل الستار في الأيام القليلة الماضية أخيراً عن مستقبل حكومة العدو، وتكاد جلبة عدم الاستقرار الحكومي خلال السنوات الأخيرة في دولة الاحتلال أن تضع أوزارها بعد سجالٍ انتخابي امتد فترةً زمنية طويلة، ليخرج علينا رئيس الحكومة الصهيوني الأسبق/ بنيامين نتانياهو منتصراً في ذلك السباق ويضمن –وفق ما يراه المراقبون-عدداً من السنوات المستقرة في إدارة حكومة الاحتلال.
نتانياهو المكلف حديثاً بتشكيل الحكومة الصهيونية سينحى منحاً متطرفاً في تشكيلها مغتراً بدخوله التاريخ كأحد أبرز رؤساء حكومة الاحتلال الذين أمضوا فترات قياسية في قيادة دفة الحكومة الصهيونية متصدراً المشهد السياسي منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي دون أن يفقد تصدره سوى في فترات محدودة، ومستفيداً كذلك من أفول العديد من الشخصيات السياسية الصهيونية التي تحاول مناوءته.
لنتانياهو تاريخٌ طويلٌ في إدارة الحكومة الصهيونية حمل معه صبغة عنصرية متطرفة في التعاطي مع القضية الفلسطينية، فقد اتبعت إدارته سياسات أمنية وعسكرية متطرفة ضد الشعب الفلسطيني، ومارست سلطات الاحتلال تحت ظله أساليب قمعية وحشية، وارتكبت آلة الحرب التي يوجهها حروباً ضَروس بحق الوجود الفلسطيني في الضفة وغزة، ناهيك عن سياساته الاستيطانية في الضفة الفلسطينية وسياساته التهويدية في القدس المحتلة، وهي مسيرة تترجم معها أقصى درجات التطرف اليميني، فكبير المفاوضين الفلسطيني والخبير الفلسطيني الأقرب إلى فهم دولة الاحتلال د. صائب عريقات يرى أن لا شخصيات سياسية صهيونية على يمين نتانياهو.
فالتكهنات السياسية بتطرف الحكومة الصهيونية المرتقبة تبدو وكأنها متولدة عن قراءة خاطئة لدولة الاحتلال وأرباب التطرف فيها، فالخشية من كتلة اليمين الصاعدة وتوليها حقائب وزارية هامة كوزارة الأمن الداخلي ووزارة الحرب وسياستها المنتظرة التي يمكن أن تستهدف الفلسطينيين توحي أن الاحتلال الصهيوني يملك مجتمعاً مدنياً سوياً ذو مشارب فكرية وسياسية متنوعة ما بين اليمين والوسط واليسار يختلف أفراده في التوجهات والأيدولوجيات والمعالجات الأمنية والسياسية، وقد فات من يعتقد بذلك حقيقة دولة الاحتلال وحقيقة نشأتها التي تمخضت من ظروف سياسية عالمية تمثلت في تزاوج الصهيونية العنصرية مع رأس المال الغربي في أعقاب الحرب العالمية الثانية والتي التقت بمصالح الدول المنتصرة فيها أو ما يعرف بمعسكر الحلفاء الغربي وفي مقدمته بريطانيا ولاحقاً الولايات المتحدة الأميركية، فتمكن زعماء الحركة الصهيونية من مزج هذه المركبات المختلفة لإنشاء هذا الدولة المحتلة على حساب حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه التاريخية والدينية والسياسية في أرضه ومقدساته.
ومهما يكن من أمرٍ، فإن الحكومة الصهيونية القادمة بقيادة نتانياهو ستواصل الأجندة التي أجهضتها التحولات الداخلية الصهيونية والعالمية، فستدفع الإدارة القديمة الحديثة العجلة قدماً نحو استئناف برنامج التطبيع مع أنظمة بعض الدول العربية مقابل أثمان بخسة لن تتجاوز حصول بعض هذه الأنظمة على خدمات أمنية وتجسسية لقمع شعوبها والتضييق عليها مقابل مليارات الدولارات في الخزينة الصهيونية.
أما على المستوى الفلسطيني فستكون الهجمة الصهيونية أشد ضراوةً في ظل الأجواء المريحة نسبياً لدولة الاحتلال عربياً ودولياً، لذلك ستكون الضفة الفلسطينية والقدس المحتلة على سلم أوليات هذه الحكومة عبر مواصلة التهام الأرض الفلسطينية وتجريدها من أي صبغة فلسطينية وإطلاق العنان لموجة كبيرة من التدنيس للمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية في القدس المحتلة من قبل المستوطنين والمتدينين، واستمرار الحفريات أسفل المسجد الأقصى، وتطبيق سياسة التقسيم الزماني والمكاني فيها، وفي تقديرنا أن الشعب الفلسطيني لن يقف أمام هذه السياسيات الاستفزازية متفرجاً، بل ستكون سنوات الحكومة الصهيونية القادمة أعوام الحقيقة الكاملة للشعب الفلسطيني ومن خلفه الأمتين العربية والإسلامية.
أعوام الحقيقة القادمة هي أعوام النفير لكل مسلمٍ ومسلمة لاجتناب الاستبدال الرباني، لذلك ينبغي أن تحمل هذه الأعوام رؤية فلسطينية وإسلامية موحدة لمواجهة هذا الاحتلال الغاصب وسياساته العنصرية والتعاطي معها ترتكز على المقاومة بكل أنواعها وعلى رأسها المقاومة المسلحة، وهذا بدوره يستدعي أن يستيقظ البعض الفلسطيني الذي يراهن على التسوية في رام الله من سباته، وأن ينبذ الطريق المجرب منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وهذه الدعوة للاستيقاظ ينبغي أن تسبق أي إجراء استفزازي ليكون العقل الجمعي الفلسطيني موحداً لمواجهة هذا الاستبداد الصهيوني، ولتلافي اختزال الرد الفلسطيني على بيانات الشجب والاستنكار. أما المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة فينبغي عليها الاستعداد الكامل والجهوزية لمواجهة أي إجراء أحادي الجانب من قبل العدو الصهيوني في القدس المحتلة، وما صولاتها وجولاتها في سيف القدس عام 2021 وفي معركة وحدة الساحات عام 2022 عنها ببعيد، الشعب الفلسطيني على موعد مع سنواتٍ عجافٍ يجب أن يحشد فيها طاقاته وإمكاناته وإيمانه للحظة فارقة سيتبعها أعوام الغيب والنصر والتحرير بإذن الله وما ذلك على الله بعزيز.