غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

الذكرى الثلاثون لاستشهاد القائد المهندس عصام براهمة

شمس نيوز - إعلام الضفة

في الذكرى الثلاثين المباركة لارتقاء المهندس الكبير عصام براهمة، أول قائد عسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين - الضفة المحتلة، وفاءً وإحياءً وتخليداً واستمراراً للنهج على طريق القدس.

العاشقُ الأولُ في شمالِ البلاد، يثمر دمُهُ في كل البلاد

 كان عصام بَرَاهْمَة، رجلُ البدايات الصعبة، وسنواتِ البناءِ الطويلة، قادماً من الشمال، يَسيرُ في السهولِ طولاً وعرضاً، ويَتجوّلُ بين حقولِ الزيتون، التي صار زيتُها دماً حنيناً لأيامهِ. دارسُ الهندسةِ المبدع، ومهندسُ الرجال فكراً ونهجاً وسبيلاً للمواجهة، ثم اتجه لدراسةِ الإدارة، ليُديرَ الدفَّةَ في الضَّفِةِ كيفَ يشاء، فكان رجلَ الميدانِ ورجلَ السياسة.

يتشبّهُ بالأنبياءِ المقاتلين، يزرعُ الألغامَ ويرعى الأنعامَ في مرابعِ الصِبَا، كان في القريةِ وفي المعركةِ، بطلَ الحكاياتِ التي تُروى في ليالي الأنْسِ والشوقِ. ومُؤنسَ الكهوفِ والجبالِ، التي عرفتهُ صائماً قائماً، ومدرّسَ الحرب والقتال للذين تربوا على يديهِ، فصاروا مَضْرَبَ المثلِ حين يُحْمَى الوطيس.

هو زمنَ الوصلِ بينَ الإمامِ الشهيدِ في أحراشِ يَعْبُد، وبينَ المعلّمِ الشهيد والاستشهاديين الذين اصطفوا عشاقاً للشهادةِ وأبناءً بارين بالفكرةِ، مؤمنين بالإسلام والجهاد وفلسطين.  بَحراً لا ينتهي مَدّهُ، وعاشقاً لا يَذبلُ ورْدُهُ، وسيفاً مهنداً يُلّوّحُ حَدُّهُ، ومقاتلاً في المعركة وَحْدَهُ، ابناً باراً للثورةِ، ومقاوماً استثنائياً في خطِ الجهاد الأصيل.

صاحبُ الليلةِ الأطولِ في جنين، تِسْعُ ساعاتٍ مُسْتَعِرةٌ بالنارِ والموت، يجرُّونَ قتلاهم إلى النار، فيما بَقيَ عصام يُشعِلُ النار، وبقيَ عصام بَطلَ الاشتباك الأخير، حتى نالها حقاً من قال: "يا شهادةً في سبيلِ الله أبحثُ عنكِ في الأزقةِ وفي الشوارعِ وفي ساحاتِ المساجد، أريد أن أقبَّلكِ قبل أن يفرضوا الضرائب على القُبُلاتِ، وأريد أن أضمَّكِ لأضلعي قبل أن يقطعوها".

فارس فلسطين:

أبصر فارسنا النور في بلدة "عنزة" قضاء جنين، في 5 مايو 1963م، لأسرة مؤمنة بدينها ووطنها، وكان ترتيبه الثاني بين أخوته الستة، وأكمل دراسته حتى أنهى المرحلة الإعدادية بتفوق، ثم انتقل إلى قرية سيلة الظهر وحصل على درجة متميزة في الثانوية العامة، ثم التحق بكلية المجتمع العصرية في رام الله لدراسة هندسة الديكور، لكن تعليمه لم يمنعه من مواصلة مشواره الجهادي.

اعتقل في صغره لعدة أيام بسبب تنظيمه مظاهرات مدرسية، ثم انخرط في صفوف الثورة الفلسطينية، وتدرب على إطلاق النار فصار ماهراً لا يخطئ هدفاً، ثم أخذ ينظم الشبان، ويكوّن أول خلية مسلحة ضاربة في العام 1984م ويكون أول شاب من عنزة ينخرط في العمل العسكري ضد الاحتلال.

شارك شهيدنا بعدة ضربات ضد دوريات جيش الاحتلال على تخوم بلدته ومحيطها وصولاً إلى مدن الضفة، حتى اعتقل في العام 1986م وأصدرت المحكمة العسكرية ضده حكماً بالسجن لمدة أربع سنوات، وفي السجن تعرف على حركة الجهاد الإسلامي، وأعلن انتماءه لها، فيما 
كانت انتفاضة الحجارة قد انطلقت وتسارعت وتيرتها، وخرج أكثر اصراراً على مواصلة الدرب.

كان عصام براهمة مؤسس العمل الجهادي في الضفة، وكان على تواصل مباشر مع الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي لاطلاعه على مجريات العمل وإشعال جذوة الصراع ضد جنود الاحتلال. وهو الذي اختار اسم المجموعة "عشاق الشهادة"، بعد استشارة من حوله من القادة والمجاهدين.  

قام الشهيد القائد عصام براهمة ومعه الأسير المحرر عطا فلنة والأسير المجاهد محمد فلنة، بتفجير عبوة ناسفة مساء الجمعة 16 أكتوبر 1992م، على الطريق المؤدي إلى مغتصبة «متتياهو» أدت لمقتل مديرة مجلس المستوطنة وإصابة 10 اَخرين، وتعتبر أول عملية تفجير عبوات ضد الجنود والمستوطنين في انتفاضة الحجارة. 

اتهم العدو القائد عصام براهمة بالمسؤولية عن عمليات "عشاق الشهادة"، فأصبح مطارداً في الكهوف يفترش الأرض ويلتحف السماء حتى ألف حياة المطاردة رغم قسوتها.

مساء الخميس 10 ديسمبر 1992م، سُلّطت الأضواء القوية على المنزل، وبدأت مكبرات الصوت لجنود الاحتلال تدعو القائد عصام براهمة لتسليم نفسه، وكان جوابه صيحة "الله أكبر" على ألحان الرصاص، وهنا بدأت طائرات العدو بقصف المنزل، أما المجاهد عصام، فقد صنع خندقاً؛ أطل عليهم برصاصه فيتساقط القتلى والجرحى، وكان يخوض معركته بقطع رشاش وقنابل يدوية وذخيرة، في مواجهة طائرات عمودية شاركت في القصف حتى منتصف الليل.

ساد الصمت وتقدم قائد القوات مع جنوده، ظناً منهم أن المجاهد عصام قد انتهى. فإذا بصيحة "الله أكبر" تجلجل من تحت الأنقاض، مبتور القدم، مثخن بالجراح، إلا أن رمقه الأخير لا يزال يزخر بالرصاص، فسقط قائدهم "ساسان مردوخ" وتبعه أربعة منهم وجرح الكثيرون وفر الباقون ذعراً ورعباً.

أخذت الطائرات تقصف المنزل بشدة حتى سوَّته مع الأرض وعصام لا يتوانى عن إطلاق النار، حتى لاح الفجر فكانت الشهادة. طائرة عمودية تطلق صاروخاً على صدره فارتقى عصام عاشقاً كما أحب. وكانت تلك أول عملية قصف بالطائرات في انتفاضة الحجارة، وسارت قوافل الشهداء والمجاهدين على درب المهندس الأول عصام براهمة جهاداً واستشهاداً.