غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر الفقر والنمو الفكري لطفلك.. هل من رابط مزعوم بين الظاهرتين؟!

الفقر.. من الكوارث التي تحل بالإنسانية في فترات معينة وأماكن معينة لظروف خاصة مزرية أياً كانت، من حروب أو سرقات، أو ضعف الأنظمة الأمنية، وغياب الأخلاق وانعدام العاطفة في قلوب المجتمعات البازخة في ترفها.

الفقر غصة في قلب الفقير لا يطلع عليها الأغنياء المشغولون بأعمالهم التي لا تنتهي..

لربما كان الفقر من أبشع النتائج المأساوية لمجتمعات متناحرة متنافرة، وبذلك يمكنك أن تعتبر ارتفاع المنسوب المادي على جميع أصعدة المجتمع رمزاً مبدئياً يشير إلى احتمال مؤكد لنشوء حضارة متميزة، والعكس صحيح، أي أنه عند ارتفاع مستوى الفقر سينخر في لب الحضارة مهما كانت كبيرة وقوية، وسينقلها إلى الحضيض الذي انتهى إليه الأسلاف ممن كانوا على النهج ذاته من التشتت والتفرق.

كان هذا على مستوى المجتمعات، فماذا لو قلت لك أن هذا الفقر اللعين ذاته يأكل من بنية دماغ طفلك، ويمنحه جحماً أصغر ومهارات فكرية أدنى من أقرانه الأغنياء! هل بدت لك قساوة المشهد؟؟!

فقر

حسناً دعوني أفصل لكم..

ربما وصلتكم الفكرة بشكل غير واضح، فأنا لا أعني هنا أن الفقر يمنعك من الحصول على التعلم الجيد الكافي، أو الحصول على فرص عمل جيدة وغير ذلك..

إنما أعني أن الأبحاث كشفت عن حجم أصغر في أدمغة الأطفال الفقراء مقارنة بالأغنياء، وهو ما يعد شكلاً جديداً للفقر، حيث وجدت دراسات حديثة أن الاختلافات في المدخول المادي بين الناس تترافق مع اختلافات موازية في أحجام أدمغة أطفالهم، ويترتب على ذلك ضرورة تدخل السياسيين والعلماء لإنقاذ الموقف.

كإثبات لذلك، ظهرت دراسات مختلفة، وقام باحثون بفحص أدمغة حوالي 1100 مشترك من الأطفال والبالغين بأعمار تتراوح بين 3 سنوات و20 سنة، وهي الفترة التي يتتابع فيها نمو القشرة الدماغية، ولذلك تكون فيها حساسة جداً للعوامل المختلفة التي يتعرض لها الإنسان في حياته.

تم الفحص باستخدام جهاز الرنين المغناطيسي، مما مكن من قياس حجم القشرة الدماغية لدى المشتركين، وهي المنطقة التي تعد مسؤولة عن أهم المهارات الفكرية كما تعلمون، فهي مسؤولة عن اللغة، القراءة، التركيز، الأداء التنفيذي وغير ذلك…

وقد أثبتت دراسات سابقة جرت على الحيوانات وعلى الإنسان أن هذه القشرة تنمو تبعاً لما نتعرض له من خبرات حياتية، هذا في حال تجاهلنا الاستثناءات الجينية التي تجعل القشرة الدماغية لدى أحدنا كبيرة دون وجود تلك التجارب الكثيرة، وإنما لسبب وراثي فقط.

بعد أن جرى هذا الفحص بالرنين، تم نشر نتائج الدراسة في مجلة Nature Neoroscience هذا الأسبوع، وكانت تؤكد المخاوف العلمية المرتقبة، فقد ظهر الارتباط الواضح بين الحالة الاقتصادية الاجتماعية للأشخاص ومساحة قشر الدماغ، فكل ارتفاع في الدخل عن سابقه كان يؤدي إلى مساحة قشرية أكبر مقارنة بالدخول المنخفضة جداً، بينما بدأت تتقارب تلك الاختلافات لتنعدم بين أفراد الطبقات المكتفية مادياً.

كان الاختلاف على سبيل المثال بين مساحة قشر الدماغ لعائلة دخلها 25000$ في السنة يصل إلى حوالي 6% مقارنة بأطفال عائلة دخلها السنوي يصل إلى 150,000$ !! وهو أمر لا يستهان به على المستوى العصبي الخلوي، ولحسن الحظ، لم يكن للاختلافات العرقية أي أثر يذكر في هذا المجال!

فقر

ربما تتساءلون حالياً عن السبب!

لكن للأسف لم تتمكن الجهود العلمية من التوصل لسبب مقنع يقف وراء هذه الكارثة، والتجارب تؤكد أن للمستوى المادي علاقة مؤكدة بهذا الأمر، كما فتح هذا البحث الباب لوضع احتمالات أخرى، فمثلاً يعتقد البعض أن الفقر ليس هو المشكلة بحد ذاتها..

وإنما أدت نتائجه السلبية كالضغط المادي، والتوتر الذي تتعرض له الأم خلال فترة حملها إلى تشكيل عامل قوي مانع لتطور دماغ الطفل بشكل سليم، لا ننسى أن التعرض في الطفولة للأجواء التي تكثر في هوائها السموم يشكل عاملاً هاماً، إلى جانب قضية الغذاء وهي هامة إلى أكبر حد، فمثلاً يشكل عنصر اليود الذي يوجد في الأسماك غذاءً ضرورياً لنمو الدماغ وتطوره بشكل سليم..

وفي هذا المجال أذكر لكم قصة طريفة قصها عليّ أستاذ لمادة العلوم في مرحلة الدراسة الثانوية:

 حيث كان في بداية مسيرة عمله في سوريا أستاذاً ناشئاً، كان هذا منذ أكثر من 40 سنة..

لاحظ هذا الأستاذ قوة أداء طلابه وسرعة استيعابهم، واستمر يلاحظ ذلك حتى فترة معينة اختفى فيها هذا الأداء المتميز، وضعفت القدرات الفكرية إلى حد ملحوظ لاحظه بدون إجراء أبحاث معينة، وأصبح الأمر محط جدل بين مختلف الصروح التعليمية في سوريا، مما جعلهم يفكرون ويبحثون عن أهم ما يمكن أن يؤثر على ذلك وهو الغذاء.

فوجدوا أن اليود كان عنصراً مفقوداً من مختلف الوجبات الغذائية لدى الطلاب متوسطي أو ضعيفي الدخل، مما شكل سبباً هاماً جعل الحكومة آنذاك تضيف عنصر اليود الهام إلى ملح الطعام العادي، وعادت القدرات لدى الطلاب إلى وضعها السابق!!

فهل من الممكن إعادة هذه القدرات المفقودة إلى أصحابها؟!

إذا كان الأمر يتعلق بالغذاء أو تغيير البيئة التي تعج بالملوثات ربما يكون هذا ممكناً، أما غير ذلك فيعتقد العلماء أن هذه الآثار غير قابلة للعكس.

لكن التربية المنزلية شكلت عاملاً لا بأس به يمكن أن يقف في وجه هذه الكارثة، فعادة تميل العائلات التي تتمتع بقدر عال من الثقافة والتحصيل العلمي إلى تنشئة أبنائها على التفكير السليم، وتدريبهم على المهارات الفكرية المختلفة التي سيحتاجونها في حياتهم اليومية، مما سيقلص الفارق في حجم الدماغ بين العائلات الغنية والفقيرة حوالي 3%.

مناقشة بيني وبين القراء..

بعد كل هذه المعطيات أريدكم أن تفكروا معي، من خلال خبراتكم الحياتية وتعاملكم مع الناس، هل كان لديكم هذا الإحساس بأن الفارق الفكري كان كبيراً جداً بين الفقراء والأغنياء، أم أنكم تجدون هذا غير منطقي أبداً؟!

كتحليل شخصي: الدراسة هنا تشير إلى وجود عامل مجهول ساهم في هذا التقلص الواضح، فلم يكن تأثير التغذية محط بحثهم، ولا البيئات الملوثة أو غير ذلك من عوامل..

وإنما ركزت الدراسة على الفروقات المادية التي تخول أحدنا أن يعيش حياة الكماليات، لا حياة الضروريات، ولربما كانت الحاجة إلى الضروريات أحد العوامل التي تسبب التوتر العائلي، مما يعرض الأم الحامل للتوتر ويؤثر على نشوء طفلها فكرياً وعاطفياً انطلاقاً من فكرة أن الطفل مرتبط بأمه ارتباطاً عاطفياً قوياً، وتزعزُع هذا الجانب العاطفي لدى الأم قد يؤدي إلى أثر موازٍ لدى الطفل.

أما من جهة ارتباط ذلك بالأب، قد يكون كلامي هذا مؤلماً ولكن دعوني أوضح لكم، فمن الجانب العاطفي النفسي أيضاً، قد يشعر الطفل بعدم قدرة أبيه على الإيفاء بحاجاته المختلفة، وهو ما سيضعف ثقته بالقدرات التي يمكن تمنحه إياها العائلة..

فينعزل بتفكيره عنها، ويتجه إلى تنشئة نفسه بنفسه، وهو ما قد يجعله قوياً معتمداًُ على نفسه، لكن بنفس الوقت يفقده هذا الدعم الاجتماعي النفسي الذي كان يشعره بأن عائلته يمكن أن تحقق له كل شيء، وهذا الفقدان قد يترتب عليه النتائج السابقة للدراسة التي أوردتها.

هذه فكرتي الشخصية عن الموضوع ولست أؤكدها لأنه مجرد حدس أو تخمين، لكنني بناءً على تجربتي في الحياة لا أستهين بالجانب النفسي وأظنه مرتبطاً بكل المواقف ارتباطاً وثيقاً، وإذا كنت تريد الإثبات يمكنك أن تجده في ذاكرتك، فكم مرة خانتك قدراتك في الأيام التي تعاني فيها من مزاج سيء؟! وكم مرة قمت بأفعال عظيمة وأنجزت مهاماً بوقت أقصر بكثير من المعتاد عندما كنت بمزاج عال؟!

بالتأكيد مررت بهذه المواقف كثيراً إذا لم تكن تمر بها كل يوم، أرجو أن يوافينا القراء الأعزاء بآرائهم، فوضع الأمر موضع مناقشة كما تعلمون من أفضل الطرق التي تؤدي إلى أعظم النتائج، خاصة وأن الأمر لا زال موضع دراسة ولم يستطع العلماء التوصل إلى سبب أكيد، فلكم حرية التفكير بالأسباب الآن :)

إعداد وتقرير: أسامة فاروسي