غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

"أبو حميد" شهيد الصمت العربي والدولي والإهمال الطبي

من هو ناصر أبو حميد.jpg
 بقلم وفاء بهاني

في حين نجد مئات المنظمات الحكومية والدولية والعربية تثرثر ليلًا ونهارًا عبر المرئيات عن حقوق الإنسان، يتعرض مئات الأسرى الفلسطينيين لأبشع صور التعذيب الذي يمكن أن يتلقاه بشر.

ولكن السؤال الذي لطالما راودني حين أسمع عن منظمات حقوق الإنسان هو: أين هؤلاء مما يحدث من تعذيب وتنكيل للأسرى، الذين هم أحق أن يكرموا ويخلد التاريخ أسماءهم، ويضرب بهم الأمثال في النضال والكفاح، والنخوة والرجولة، هؤلاء وسط استنكار كبير للمجتمع الدولي للقضية الفلسطينية، لم تطرف لهم عين عنها، فهذه القضية التي يستشهدون من أجلها، وينشؤون أبناءهم على حبها، أيكون هذا جزاءهم، من عيشة غير آدمية في سجون من لا يعرفون معنى الإنسانية.

لائحة شهداء الإهمال الطبي لم ولن تتوقف

لا أرى سوى أن نطلق على ما تسمى "عيادة سجن الرملة" مقبرة الرجال، لا معين لمن يعاني من مرض، المئات من الأسرى الذين بترت أقدامهم، وحرموا من أبصارهم، ومن يعانون من أشد الأمراض التي عرفتها البشرية كالسرطان، يتعامل معهم هذا العدو بسياسة الموت البطيء. تكاد أعضاء الأسرى المرضى تنطق، وصرخات أكبادهم من شدة الآلام، يسمعها من هو على بعد مئات الفراسخ من المشفى، ولكن العالم ومنظمات حقوق الإنسان تقف بكماء صمّاء.

مشفى غير آدمية، لا يوجد تعقيم، أو نظافة، والحشرات تملأ أرجاءها، فمستشفيات العصور القديمة كانت أرقى منها بكثير، ولكنها سياسة متبعة من هذا الكيان المغتصب، ألا وهي سياسة الموت البطيء، فالأسرى في هذه المستشفيات أيًا كان نوع المرض، أو حجم الألم الذي يعانون منه، لا يقدم لهم سوى بعض العقاقير التي لا تشفي صداع طفل صغير، هل تدرك مدى نذالة وخسة هؤلاء، يتركون المريض يعاني من الألم، الصرخات تتخطى أسوار السجن لتصل إلى المارة في الشوارع.

يترك الأسرى فريسة للمرض الذي بأجسادهم وأعضائهم، إلا أن ينازعوا الموتى، هذه السياسة الحقيرة في التعامل مع المرضى لا تصدر سوى من خسيس يعلم يومًا أنه سيتقيأ الدم، ويذرف الدموع جراء كل قطرة دم من شهيد، كل صرخة ألم صدرت من فاه مريض بالأسر ترك لينازع الألم حتى يحتضر، ويذهب إلى ربه شهيدًا.

الأسير ناصر أبو حميد ليس آخر الشهداء

عانى الأسير ناصر أبو حميد على مدار سنوات من مرض السرطان، عانى من الألم ليلًا ونهارًا في تلك المقبرة التي تدعى مشفى سجن الرملة، تركوه دون عناية، حرم خلال سنوات من رؤية أمه، أو أهله الذين لربما في وسط هذا الكم من الألم والعذاب من المواساة أو يأخذوا بيده، حرم من العلاج والعناية، فكان شهيدًا كمن سبقه من شهداء الإهمال الطبي في مقابر العدو الخسيس.

لن يكون بطلنا هو آخر شهداء الإهمال الطبي، بل سيكون هناك غيره ما دامت هذه المستشفيات أشبه بالمقابر، وما دام من يدعي أنه يدافع عن حقوق الإنسان في الشرق والغرب لا يحرك ساكنًا، منظمات عربية تخوفت من ضياع مصالحها مع هذا الكيان الحقير، وأبت أن تصدر صوتًا وترى هؤلاء الذين من نفس دمهم يموتون ببطء يعانون من الآلام.

أم ناصر أم الفلسطينيين والشهداء

لطالما سمعنا وقرأنا عن أساطير من سالف الأزمان صنعت معجزات دونها التاريخ وتناقلتها الألسن، ونحن في هذا الزمن الذي نعيش، نرى أساطير تصنع المعجزات وتلد من يصنعها، تورث أسمى معاني العز والكرامة والفخر، وعنوان هذه الأساطير وأجلها وأعظمها مما مضى ومما يكون وسيكون، هي أمهات فلسطين، وعلى رأسهن أم ناصر أبو حميد، هذه التي تستحق أن تداولها كل كتب التاريخ ومدونات النضال والفداء وتتناقلها كل الأجيال على مدى الأزمان، إنها القدوة في التضحية والفداء والصبر والرضا، لله درك يا أم ناصر ماذا تركتي للأساطير من قبلك ومن بعدك، بل ماذا صنعت الأيام حيثما أنتِ صنعت، لله درك يا حرة الحرائر، رحم الله الشهيد الأسير ناصر أبو حميد، وما زالت الأرض ولادة يا فلسطين.

مئات الأمهات الفلسطينيين الذين قدموا فلذات أكبادهم إلى الشهادة، فتلك النسوة بمئات من الرجال العرب الذين يضعون أيديهم بيد هذا العدو المحتل، فهؤلاء أولى وأحق أن تدرس قصصهم في مدارس العرب، هؤلاء أحقّ أن يجازوا على كل دمعة خرجت من أعينهم وداعًا لأبنائهم، الذين هم بمنزلة أرواحهم التي سلبت منهم.

حق الشهداء والإهمال الطبي

 إن كنت تشعر بالخجل فجميعنا يشعر بالقبح والهوان، لا شيء يدركنا في هذه الأيام سوى الشعور بالهزيمة من الداخل، أن تكون فلسطينيا هذا استثناء جلل، لكن التخاذل يجعل من فلسطينيتك جرحا مفتضَحا أمره، غائرا في الروح ثائرا في الجسد، ولأننا على ما يبدو استمرأنا الأمر حتى أصبنا بالتبلد.. ندور حول الموت برقصة الذبيح، حتى صدق العالم أننا شعب لم يُخلق للحياة، وأننا نباغت النهايات بالوقوف على طوابير من الأكفان.

ليس ناصر أبو حميد وحده، ولم يكن ليكون كذلك لولانا، جميعنا شركاء في استشهاد الكثير، ساهمنا بقصد ربما أو دون قصد، ببناء المزيد من السجون، مصابون بداء الفخر، فخر يسقط من حصاد أرواح من نحب، هذه الأرض بريئة من التقامها لخيرة رجالنا، لم تطلب هي ذلك، رجالات الحرب، وأروقة المفاوضات، والسعي لبناء دولة هلامية الأرجل، ترمي عرشها فوق أعمارنا، وشهوة السلطة للمزيد من الافتراس، ونيل مجد الألقاب الدسمة، وخوفنا من ضياع خبزنا، جميعها قتلت ناصر أبو حميد ومن سبقوه، أعتقد أن شعورك بالخجل متأخر جداً.. لأننا فقدنا ما هو أكثر مرارة من استحيائنا هذا، من سيواسي أم ناصر... بشهيدين من أبنائها، وأربعة آخرين ينتظرون المصير ذاته بأحكامهم المؤبدة؟

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".