غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

حكاية النظرة الأخيرة

يزن الجعبري.. فدائي أنقذ رفاقه في مشهد "هوليودي" ورحل بعد 12 يومًا

يزن الجعبري
شمس نيوز - مطر الزق

بغمضة عين تحولت الأجواء الباردة إلى أجواء ملتهبة، الجميع يصرخ من شدة الألم، بريق –فانوس- الإسعاف أضاء المكان؛ ليكشف عن مشهد مرعب، مستنقع من الدماء تحت أقدامهم، صرخاتهم تعلوا من الألم، أحدهم يتحرك ببطء شديد، ما أن وصل إليه رجل الإسعاف أشاح بيده للإيثار بنفسه، بل وقف على قدميه والدماء تسيل على الأرض محاولًا تقديم المساعدة لنقل أصدقائه المصابين بالرصاص.

هذا المشهد ليس سينمائيًا بل هو مشهدٌ حقيقي يتكرر باستمرار في مخيم جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، كان بطل هذا المشهد الشهيد يزن الجعبري، الذي حاول مساعدة أصدقائه والدماء تتساقط من جسده بعد أن أصيب برصاصة قناص إسرائيلي في بطنه.

رغم إطلاق قناصة الاحتلال النار بكثيف صوب الإسعافات؛ إلا أن سيارة تمكنت بعد محاولات عديدة من نقل المصابين إلى المستشفى الحكومي في جنين، وقعت تلك الحادثة بتاريخ 2 يناير 2023 عندما اقتحمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي بلدة كفر دان غرب مدينة جنين؛ لهدم منزل عائلتي الشهيدين عبد الرحمن هاني عابد وأحمد أيمن عابد.

اللقاء الأول بين يزن ووالده

لم يكن مشهد إيثار يزن سامر الجعبري (19 عامًا) بنفسه أثناء نقل المصابين لسيارة الإسعاف صدفة، بل كان يتميز منذ ولادته بالإيثار عن نفسه، يقول والده لـ"شمس نيوز": "يشهد جميع أبناء اليامون وكفر دان بأن يزن كان إنسانًا منضبطًا مؤمنًا بـ -لله تعالى- وأمواله ليس له، إنما يصرفها على أهله وأصدقائه".

ولد يزن عام 2003 بعيدًا عن عيون والده بأمرِ من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأفرج الاحتلال عن والده سامر بعد 5 سنوات من الاعتقال، يستذكر سامر تلك اللحظات بالقول: "مشهد لقائي الأول بطفلي يزن بعد أن تجاوز من العمر خمس أعوام كان مؤثرًا جدًا لا يمكن أن أنساه مطلقًا".

دموع سامر كانت تنهمر بشدة، والمشهد ترتجف له القلوب، بانتظار أول كلمة ينطق بها الطفل يزن مستقبلًا والده بعد 5 سنوات من الاعتقال، أقبل الطفل محمولًا على الأكتاف وسط الحشود التي استقبلت سامر، في تلك اللحظة طبع الطفل يزن قُبلة على جبين والده وقال له: "حبيبي يا بابا"، هذا المشهد يرويه سامر بكل فخر واعتزاز عن نجله الشهيد يزن.

خير مُعيل لوالده

كبر يزن وكبرت همومه، فحمل على عاتقه مساعدة والده في توفير لقمة العيش، عمل منذ صغره بائع (ترمس) يُشير والده إلى أنه في الأيام الصعبة ماليًا كان قد استدان من نجله يزن ما باعه من الترمس، فكان خير معيل لوالده.

وانتقل يزن للعمل مع والده في الأراضي المحتلة؛ لكنه بعد مدة من الزمن فضل العمل داخل مخيم جنين وسط أهله وأصدقائه، وانضم للعمل في إحدى مقاهي بلدة كفر دان، يقول والده: "لقد أحبه الناس جميعًا، فأخلاقه جمعت حوله قلوب كثيرة من الأصدقاء من جيله أو أكبر منه أيضًا فكان محبوبًا وضحوكًا".

توقف والده سامر قليلًا عن الحديث؛ وبصوت مفعمِ بالحيوية والنشاط قال: "لقد تطبع يزن بأطباع العائلة، فغالبية أبناء العائلة جرحى ومعتقلون وشهداء ومطاردون؛ بالتالي تجده دائمًا نشيطًا متحركًا هنا وهناك، مدافعًا عن مخيم جنين وأهله ووطنه".

اضطر سامر لنقل الهاتف إلى شقيقه (أبو منتصر) لانشغاله بأمر هام، وأكمل شقيقه الحديث مع مراسلنا إذ بدأ بالحديث عن مناقب الشهيد وأمنيته بالشهادة، يقول: "الجيل الجديد في مخيم جنين يملك معنويات قوية تذكرنا بالأيام الأولى لانتفاضة الأقصى".

لحظات الإصابة

يُشير أبو منتصر إلى الحب العميق للدين والوطن في قلوب الشباب، إذ أنهم يخرجون لمواجهة جيش الاحتلال دون أن يطالبهم أحد، وهذا يزن الذي يتميز بالاندفاع دفاعًا عن مخيم جنين.

في هذه اللحظات أعاد أبو منتصر سرد المشهد من جديد؛ حينما أصيب يزن برصاصة قناص إسرائيلي في البطن وفضل نقل أصدقائه المصابين عن نفسه، يقول: "لقد روى شهود عيان هذا المشهد وكان مؤلمًا جدًا، وفي الوقت نفسه كان مفرحًا لأن يزن لم يترك أصدقائه مضرجين بالدماء وفضل الشهادة عن أصدقائه".

لم يستشهد يزن فور إصابته بالرصاص، فقد تم نقله وآخرين إلى المستشفى الحكومي في جنين وبدأت معاناته الشديدة هناك، وعلى الفور أجرى الأطباء بعض العمليات الجراحية التي أنقذت حياته لبضعة أيام.

سامحوني يا أحباب

أيامٌ صعبة مرت على العائلة، كان يزن يُحدق بعينيه المحمرتين الدامعتين إلى أبناء عائلته والأصدقاء والمحبين، ولسان حاله يقول كما أفاد عمه أبو منتصر: "سامحوني يا أحبابي"، صوت عمه بدأ يضعف وهو يرتل –الله يرحمه-.

في أحد أيام الانتظار الصعبة، تدهورت حالة يزن الصحية، وبدأت دقات القلب تضعف كثيرًا، وأثناء نقله عبر سرير المرض للعناية المكثفة خاطبه عمه أبو منتصر قائلًا :"يا يزن انت قوي وبدك تنتصر على هذه الاصابة شد حالك"، يبدوا أن تلك الكلمات قد وصلت إلى ذهن يزن فأوهم لعمه بابتسامة جميلة ارتسمت على وجهه.

مكث يزن في مستشفى ابن سينا ثلاثة أيام بعد أن أجري له عملية جراحية، هناك اعتقد الأطباء بأن الرصاصة التي أصابت يزن ليست كأي رصاصة، فهي تشبه تماما الرصاصة التي أصابت داوود الزبيدي واستشهد على اثرها.

الوقت كان يجري كالسيف، ويزن ما زال مستلقيا على سرير المستشفى، وفي ساعة مبكرة من صباح يوم الأربعاء 14 يناير 2023 أعلنت وزارة الصحة أن روح يزن الجعبري قد صعدت إلى بارئها فكان كالملاك نائمًا، ليشيعه أبناء مخيم جنين متعهدين بحمل أمانة الدم والانتقام من العدو الإسرائيلي.