غرقت سفينة في العام 1660، قبالة ساحل جزيرة تيسل بهولندا، أكبر جزر بحر الشمال، إذ كانت السفينة تحمل كنزًا ثمينًا من البضائع الفاخرة.
وبعد مضي نحو 4 قرون، لم يتبقّ سوى القليل من السفينة التجارية الهولندية الخشبية مجهولة الهوية؛ لكن مع جرف الطمي والرمل الذي يغطي الحطام، بدأت الصناديق المكسورة تتكشف عام 2010.
وبعد أربع سنوات، نجح الغواصون بانتشال الصناديق ونقلوها إلى سطح المياه.
وحوت هذه الصناديق قطعًا مذهلة لم يُرَ مثلها من قبل، وفقًا للباحثين في متحف Kaap Skil بهولندا، حيث تُعرض المجموعة الحصرية من العناصر.
وكانت الصناديق مليئة بالملابس، والمنسوجات، والأواني الفضية، وأغلفة الكتب الجلدية، وغيرها من السلع التي يُحتمل أنّ ملكيّتها تعود لأشخاص من أرفع الطبقات الاجتماعية في القرون الغابرة.
وبين العناصر المذهلة فستانين فاخرين، أحدهما من الحرير والآخر منسوج بقطع من الفضة، ويحتمل أن يكون فستان زفاف.
ولا يزال عدد قليل من المنسوجات أو الملابس من القرن السابع عشر، محفوظة حتى يومنا هذا، ومن النادر العثور عليها بين حطام السفن، إذ من المعروف أنّ النسيج يتحلل بسرعة كبيرة.
وقالت إيمي دي غروت، مرمّمة النسيج والمستشارة التي قامت بفحص الفستانين، في فيديو نشره المتحف: "عندما رأيت قطع الملابس لأول مرة، علي أن أعترف، وجدتها في الواقع مؤثرة للغاية".
وتابعت: "تعتبر الملابس عناصر شخصية للغاية وتمسك يداك بقطعة ارتداها شخص ما ولمس جلده"، مضيفة أنه من المستحيل أن تكون اليوم بهذا القرب من شخص عاش في القرن السابع عشر.
وانضم الفستان الفضي، الذي كشف عنه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، إلى معرض مخصص، للعناصر المسترجعة من حطام السفينة الذي يعرف الآن باسم حطام Palmwood، في متحف Kaap Skil.
وعُثر على الفستانين، وكلاهما مصنوع من الحرير باهظ الثمن، معًا في نفس الصندوق. الأول، كُشف عنه عام 2016، ويبدو كأن يمكن ارتداؤه في مسرحيات دراما العصر، ومصنوع من الحرير والساتان الدمشقي، ويتميز بنمط زهور منسوج.
ويتألف الفستان من أكمام مكشكشة، وتنورة كاملة ذات ثنيات مفتوحة من الأمام، متماهية مع الموضة التي كانت رائحة في أوروبا الغربية بين عامي 1620 و1630.
لإكمال المظهر، يحتوي الفستان على تنانير داخلية، وأكمام مزينة على الأرجح بشرّابة حريرية وأزرار فضية أو ذهبية، وياقة من الكتان أو الدانتيل، بالإضافة إلى زخارف أخرى.
أما ألوان الفستان فكانت كريمية وحمراء وبنية، لكن يعتقد الباحثون أنه بدأ كلون واحد. وبمرور الوقت، تلاشت الأصباغ الأصلية، فيما تركت البقع من الملابس الأخرى الموجودة في نفس الصندوق بصماتها عليها.
ورغم تصميمه المعقّد والنسيج الباهظ الثمن، فيُحتمل أن يكون الفستان مخصّصًا للارتداء اليومي.
أما الفستان الثاني، أي فستان الزفاف الفضي، فيرجّح تصميمه لمناسبة خاصة، وعثر على قطعه منفصلة عنه، وتشمل تنورة.
ويتميّز الفستان بأنماط مضفرة مطرّزة من الخيوط الفضية التي تشبه القلوب المعقدة، بالإضافة إلى أقراص فضيّة تمّت خياطتها على الفستان.
وقال أليك إيوينغ، أحد العاملين في مجال الترميم: "بفضل الفضة، كان الفستان سيبدو رسميًا وخفيفًا وبراقًا".
وأضاف إيوينغ: "لابد أنه كان واحدا من أكثر الفساتين الاستثنائية التي كانت ترتديه سيدة من أرفع الطبقات الاجتماعية في أوروبا الغربية. ورغم أنّ الفضة تتلاشى وتتدهور بسرعة نسبيًا في البيئات المالحة، لكن آثار وأنماط الزخارف الأصلية ما زالت مرئية".
يبدو الفستان بنيّ اللون الآن، لكن من المحتمل أن كان له في الأصل مظهر الحرير الأبيض، أو اللون الكريمي أو الأصفر.
وأفاد مارتن فان بوميل، باحث المعرض وأستاذ علوم الحفظ بجامعة أمستردام، في بيان "إنه أمر لا يصدق ما اكتشفناه هنا، إنها أحد أكثر الاكتشافات التاريخية الفريدة على الإطلاق".
وأضاف بوميل: "قد يكون هناك اثنان فقط من هذه الفساتين في العالم كله. وكلاهما هنا، على جزيرة تيسل".
تم غسل الفستانين لإزالة الأملاح الزائدة عنهما، ما عدا ذلك أجريت القليل من أعمال الترميم المطلوبة لأي منهما.
ومن أجل حماية الفساتين المعروضة في المتحف، تم تخزينها في صناديق عرض خاصة مليئة بالنيتروجين المضغوط الذي يعزل الأكسجين لمنع التلف، بحسب ما ذكره إيوينغ.
وأضاف: "بفضل هذا الحل، نتوقع أن نتمكن من عرض الفستانين والكنوز الأخرى لسنوات من دون أن يلحق بها أي ضرر".