غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

تطويق المشاغلة من وثيقة المشروع الوطني إلى وثيقة جنين

مواجهات في نابلس.jpg
بقلم/ ثابت العمور

بينما تشتبك الضفة الغربية وتخوض معركتها التاريخية الممتدة منذ ثورة العام 1936 مرورا باجتياح جنين وصولا لحوارة وعقبة جبر، يذهب البعض في التوقيت الخاطئ لاجتراح عمليات تطويق للاشتباك، لم تكن الأولى في عمر القتال الفلسطيني لكنها تتجدد في كل مرة والهدف واحد ووضاح إرباك المشهد المشتبك.

على وقع المشاغلة وجذوة المقاومة في الضفة الغربية، وقعت علينا في 27 فبراير الماضي - بعد يوم واحد فقط من قمة العقبة المشبوهة - وثيقة بعنوان " المشروع الوطني الفلسطيني" أعلن عنها مركز دراسات الشرق الأوسط، وفي ضبابية هابطة بالبراشوت قيل بأن الوثيقة قد شارك في إعدادها عشرات الخبراء والباحثين والأكاديميين ورجال السياسة والقانون من الأردن وفلسطيني الشتات وقطاع غزة والضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 48 وعدد من الفصائل الفلسطينية، وربما سكت الإعلان عن فضائيين من المريخ وزحل وعطارد. ولا أدري لماذا كل هؤلاء شاركوا في مشروع مطروح أرضاً منذ أن مضغته أوسلو وألقت به.

وقال رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط جواد الحمد، في مؤتمر صحافي، إن هذه الوثيقة تأتي بهدف التوصل إلى رؤية متكاملة لـ"مشروع وطني فلسطيني" موّحد، يلتف حوله الشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه. وكأنه لم يكن عندنا مشروع وطني فلسطيني من قبل، ونحن الذين غرقنا حتى تُهنا في تفاصيل المشروع الوطني منذ سبعين عاما عجاف وأكثر.

ظاهر المعلن عن الوثيقة أنها تتجاوز أزمة المشروع الوطني، هذا جيد فكل الفخاخ يجب أن تبدو للعصفور جيدة، غير الجيد أن الوثيقة تُحدد الرؤية الكلية لنضال الشعب الفلسطيني، من أجل تحرير وطنه وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وعودة واللاجئين، وإقامة الدولة الفلسطينية. وكأننا من قبل لم نكن ندرك ذلك ونعلمه ونؤسس له فكرا وممارسة حتى بدا لكل فلسطيني مشروعه الوطني.

تتزين وثيقة الحمد بكلام كبير ومصطلحات مبجلة لكنه مفخخة، اذ يؤكد الحمد على "ضرورة تشكيل جبهة مقاومة موحدة لقيادة المقاومة بكافة أشكالها، وتفعيل الدبلوماسية والعمل السياسي والقانوني والإنساني والمدني في إدارة الصراع مع إسرائيل في المحافل الدولية والإقليمية، ومأسسة الجهود الشعبية الفلسطينية ومبادراتها تحت إطار ناظم يضمن حداً معقولاً من التنسيق والتكامل..". لا تعليق وأترك هنا للقارئ كامل الحق والحرية في قراءة المسكوت عنه والتعليق عليه، مذكرا إياه بأنه قد مضى على تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية أكثر من نصف قرن وهي التي أودت بنا الى مهاوي الردى التي هوينا اليها منذ اتفاق أوسلو برعاية المنظمة.

لن أُحمل نوايا وثيقة الحمد ما لا تحتمل ولكنني سأستحضر مقالا كتبه جواد الحمد في مجلة دراسات شرق أوسطية العدد (21) خريف 2002، كان بعنوان حصاد انتفاضة الأقصى في عامين ومحاولات الإجهاض الفاشلة، وقد جاء المقال في ما يزيد عن 1300 كلمة، ومما جاء فيه "... جرت محاولات مشبوهة لتطويق الانتفاضة والمقاومة، مرة بحجة إعادة النظر في الوسائل والآليات المستخدمة فيها، ومرة بحجة ضخامة الأذى الاقتصادي والاجتماعي الذي أصاب الفلسطينيين، وعلى الرغم من أن التقويم وإعادة النظر في أي برنامج شعبي أو سياسي منطق بل وواجب لتصحيح المسيرة الفلسطينية، من حيث مراجعة مسيرة الانتفاضة، وتأثير فعلها، وتراكم منجزاتها، إلا أنها تثير الشكوك حول نفسها وحول دعاتها وعلاقاتها الإقليمية والدولية، بسبب أسلوب ومضمون الطرح الذي يتجاوز عمليات التقويم المنهجية المشروعة والمعروفة، وتذكرنا هذه المحاولات بأفكار وأقلام وتصريحات ومواقف سادت إبان الانتفاضة الأولى وقبل توقيع اتفاق أوسلو في أيلول 1993...". والسؤال ما هو المختلف بين المحاولات المشبوهة كما يصفها الرجل وبين ما يحدث الآن على وقع العميلات الفدائية الفردية من التفاف وتطويق، ولماذا اختار توقيت الإعلان عن الوثيقة بالتزامن مع قمة العقبة؟!

تجاوز المشهد وثيقة الحمد لم يتوقف عندها، لكن التطويق لم يتوقف، وبينما تودع جنين شهدائها، فإذا بوثيقة أخرى تطل برأسها مصدرها محلي هذه المرة ومن عقر الدار، فبعد أسبوع فقط على وثيقة الحمد وفي الخامس من مارس الجاري طلت "وثيقة جنين"، وكأننا نفتقر للوثائق أو ربما مطلوب استبدال البنادق بالوثائق لا سيما على وقع تصاعد التصعيد الإسرائيلي الذي باتت جرائمه ومجازره بالجملة.

وبينما شارك في وثيقة الحمد مفكرين من السند والهند اكتفت وثيقة جنين بأربع شخصيات من المخيم، وبدأ التمرير والتغرير بالقول إن هناك موافقة مبدئية على الوثيقة من كل الفصائل وهو ما نفته ونسفته الأيام بعد ذلك. وللموضوعية فإن وثيقة جنين بنيت على ست نقاط اذكرها للقارئ وهي "الدعوة لعقد لقاء اجتماع الأمناء العامين للفصائل، وتفعيل القيادة الوطنية السياسية والميدانية الموحدة، ومهمتها صياغة برنامج وطني ونضالي موحد". وترسيخ الوحدة السياسية والجغرافية والشعبية، ورفع شعار الشعب والسلطة والمقاومة في خندق واحد، وإعلان حالة الاشتباك السياسي والنضالي والقانوني مع المشروع العنصري الصهيوني ونظام الأبارتهايد في كل الساحات". و"الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى إدارة شؤون المواطنين وفق برنامج تعزيز الصمود والمواجهة"، و"إطلاق مبادرة التكافل الاجتماعي والوطني والاقتصادي بين مختلف قطاعات الشعب الفلسطيني في كل الساحات بما يكفل تخفيف أعباء الحصار الصهيوني وخاصة بقطاع غزة"، و"دعوة كل الأطراف إلى البدء فوراً بخطوات حسن النوايا". ولا تعليق هنا أيضا ولكنني أُذكر بأن الشهيد عبد الفتاح خروشة منفذ عملية حوارة رحمه الله جاء من نابلس للبقاء في جنين مجسدا الوحدة الجغرافية دون وثيقة، وعندما ارتق شهيدا كان برفقته مقاتلين من سرايا القدس ومن كتائب شهداء الأقصى وكان هو من حماس وجسدوا كلهم الوحدة الوطنية والعسكرية دون وثيقة أيضا، وبينما تقول وثيقة جنين بأن المقاومة والسلطة في خندق واحد كانت أجهزة أمن السلطة تلاحق مشيعين جثمان الشهيد خروشة. وقبل أن يسدل الستار على وثيقة جنين كانت الصحف العربية والمحلية تتساءل هل فشلت "وثيقة جنين" في توحيد الفصائل الفلسطينية؟، فتحول الأمر من اجتهاد افضى الى وثيقة الى إقرار بفشل توحيد الفصائل. ولم تكن ذات الفصائل قد ودعت شهدائها بعد!

إن تحويل الصراع من حمل البنادق الى قراءة ومراجعة الوثائق لا يمكن فهمه الا بأنه محاولة جديدة لتطويق المشاغلة والاشتباك الدائر، وهو في واحدا من معانيه اشغال والهاء وارباك لمشهد الغلبة فيه للقتال والكلمة للاشتباك. لا سيما في واقع يقوم به الاحتلال بتصدير أزمته الداخلية إلى الاغتيالات الجماعية في الضفة الغربية. ختما إن مفردات التحليل السياسي لا تأخذ في الحسبان النوايا وإن صدقت في مقصدها.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".