غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

القائد "محمود الزطمة" المهندس الأول للعمليات الاستشهادية

الشهيد المهندس محمود الزطمة.jpg
شمس نيوز - غزة

تأتي ذكرى العظماء لتمتزج بانتصارات المجاهدين ولتعانق الدم الطاهر الذي روى الأرض المباركة، وحفر الوصية للأجيال القادمة، على المضي قدماً على ذات النهج الأصيل الذي زلزل عرش الصهاينة الجبناء.

هي الشهادة يا أبا الحسن.. أيها العملاق في زمن التخاذل والهوان.. هي الشهادة تناديك من كل حدب وصوب.. نعم سيدي أبا الحسن.. هي الشهادة التي ينالها العظماء.. ويسير على دربهم الأتقياء.

نلت الشهادة يا سيدي وأنت كالملاك.. إنها الشهادة التي لطالما تمنيتها وسعيت خلفها يا حبيب الشهداء.. كل العيون سيدي تناديك يا ملاك.. رحلت سيدي والعيون تبكاك.. نلتها ورب الكعبة يا أجمل ملاك.

تطل علينا اليوم الأحد الموافق 10 - 4 ذكرى رحيل الشهيد القائد محمود الزطمة (أبو الحسن)، أحد أبرز قادة سرايا القدس في قطاع غزة، والمهندس الأول للعمليات الاستشهادية في حركة الجهاد الإسلامي.

ميلاد القائد

ولد الشهيد القائد محمود صقر راغب الزطمة في تاريخ 9-9-1955م، وهاجرت أسرته من بلدة يبنا إحدى المدن الفلسطينية في العام 1948م ليستقر بها المقام في مدينة رفح كالكثير من الأسر الفلسطينية.

تربى الشهيد في أسرة متدينة وكان ترتيبه الثاني في أخوته، حيث درس الشيخ المجاهد/ محمود الزطمة في مدارس مدينة رفح وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي وحصل منها على الثانوية العامة، لينتقل بعدها للدراسة في جمهورية مصر العربية، فيلتحق بكلية الهندسة بجامعة عين شمس المصرية، فقد تخصص الشهيد في دراسته الجامعية في الهندسة الكهربائية ليتخرج بامتياز وينال شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية، هذا التخصص الذي سيؤهله فيما بعد للتخصص في إعداد العبوات وصناعة المتفجرات.

منذ ريعان شبابه كان على معرفة بالشهيد الدكتور فتحي الشقاقي الأمين العام الأول والمؤسس لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين والذي كان له دور في اختيار الكلية والتخصص لشهيدنا المجاهد، بعد تخرجه من الجامعة انتقل الشهيد للعمل في دولة الجزائر الشقيقة، وهناك تعرف على زوجته الجزائرية ليكونا أسرة تتكون من ثلاثة أبناء، وثلاث من البنات.

اتصف الشهيد "أبو الحسن" بالإيثار لأصدقائه وأخوته وتفضيلهم على نفسه، ولا يذكر إخوانه بسوء، وإذا ما ذكر أحدهم أخ بسوء أمامه تجاهل الأمر وكأنه لم يسمع شيئاً، حيث كان الشهيد "أبو الحسن" دائم الابتسام، لا يتذمر من سجنه، وكان يخفف عن إخوانه بالنكات والمزاح في السجن رغم أن ذلك ليس من طبعه خارجه.

تميز "أبو الحسن" بخدمة إخوانه في السجن، ولم يتعالى على القيام بأي عمل فيه خدمة إخوانه من نظافة أو تجهيز طعام بتواضع المؤمن، وشارك الشهيد "أبو الحسن" في الكثير من مناسبات ومهرجانات حركة الجهاد الإسلامي، وخاصة أعراس الشهادة، لكن بصمت وبعيداً عن الأضواء وساعده على ذلك أن صورته لم تكن معروفة لأبناء الحركة فمنذ بدأ انخرط في المجال العسكري والتزم به، كان "أبو الحسن" نعم الزوج لأهله، والأب لأبناءه يضحي بالكثير من أجلهم.

سجل جهادي مشرف

اختاره الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي رحمه الله ليكون أول المتدربين في حركة الجهاد الإسلامي على إعداد العبوات الناسفة وصناعة المتفجرات فتلقى الشهيد تدريبات في الخارج (الجزائر – سوريا - لبنان).

وقد عاد الشهيد القائد محمود الزطمة إلى أرض الوطن بعد أن تلقى تدريبات كافية أهلته ليكون المهندس الأول لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين والخبير الأول في فلسطين في إعداد العبوات وصناعة المتفجرات. وكان لتخصصه الجامعي (هندسة كهربائية) دور بارز في هذا المجال، حيث عمل الشهيد "أبو الحسن" بعد عودته إلى أرض الوطن في وكالة الغوث، وذلك في مجال تخصصه الجامعي حتى العام 1995م.

ومنذ بدأ علاقته بحركة الجهاد الإسلامي، انخرط في المجال العسكري، وكان قد أعد لهذا الدور من قبل الشهيد المؤسس فتحي الشقاقي، وبعد عملية بيت ليد المزدوجة والشهيرة، أصبح الشهيد محمود مطلوباً لقوات الاحتلال الصهيوني، فاعتقلته أجهزة أمن السلطة ليمضي في سجونها أكثر من خمس سنوات، حيث تعرض الشهيد محمود لتعذيب شديد في سجون السلطة الفلسطينية مما تسبب في تعرضه للإغماء في الساعة الأولى لبدء التحقيق معه مما أجبر المحققين على نقله للعيادة للعلاج.

عرف الشهيد بعناده وصموده في التحقيق، فلم ينبت ببنت شفه للمحققين، رافضاً التعاون معهم في أي حديث يتعلق بعمله ونشاطه أو أي شيء عن أخوته، وبقي الحال على ذلك حتى خروجه من المعتقل. رغم أن المحققين قد واجهوه بأدلة وإثباتات اعتبروها حجة عليه ولكنه أنكر كل ذلك وبقي صامداً وصامتاً حتى النهاية. وقد أمضى أكثر من ثلاثة أشهر في الزنازين صلباً لا يلين، جسوراً لا يهاب، ثابتاً، مؤمناً بقضيته، متفانياً في حماية حركته.

وامتاز الشهيد بالنشاط والحيوية على الرغم من كبر سنه، وكان ما أن ينتهي من الإعداد لعملية ما حتى يبادر بالتجهيز لأخرى جديدة، وكان يردد مقولة الأستاذ/ المفكر الإسلامي راشد الغنوشي أن فلسطين آية من الكتاب.

كان الشهيد محمود الزطمة يلتقي بالاستشهاديين الذين يعد لهم العبوات والأحزمة الناسفة، ليقدم لهم النصيحة والتعبئة المناسبة، والتدريب الكافي قبل التوجه لتنفيذ العملية الاستشهادية. وأكثر من ذلك فلم يتعامل مع الأمر من الناحية التقنية بل كان مجاهداً ملتزماً يعي دوره ومسئوليته فيتأكد بنفسه من أن الاستشهاديين إنما يرغبون في تنفيذ العملية مرضاة لله سبحانه وتعالى، وبرغبة واختيار قد أقدموا على هذا العمل الاستشهادي والجهادي الفذ والذي يحتاج إلى أناس فريدين ومتميزين وغير عاديين ولا يقعون تحت أي تأثير أو ضغط أو إكراه.

رغم تفرد الشهيد "أبو الحسن" في تخصصه الذي أهله ليكون المهندس الأول في حركة الجهاد الإسلامي، إلا أنه لم يضن على إخوانه بهذه المعرفة وحاول تدريب مجموعة من المجاهدين في الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي على هذا الفن الجهادي وهذا العلم العسكري الذي يتقنه فعقد دورات للتدريب النظري والعملي لمجموعة من المجاهدين وكان من بينهم الأخوين المجاهدين أيمن الرزاينة وعمار الأعرج والذين استشهدا غدراً في 3/2/1996م على يد أجهزة السلطة (المخابرات العامة) في مساء أحد أيام شهر رمضان المبارك.

لماذا اغتيل محمود الزطمة؟

منذ عملية بيت ليد المزدوجة اعتبرته قوات الاحتلال الصهيوني المسئول الأول عنها فقررت تصفية كل من له علاقة بها فأقدمت على عملية اغتيال جبانة للقائد محمود الخواجا أحد أبرز قادة ومؤسسي الجهاز العسكري "قسم" واتبعت ذلك باغتيال الدكتور فتحي الشقاقي الأمين العام المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وجناحها العسكري آنذاك القوى الإسلامية المجاهدة "قسم".

أقدمت أجهزة السلطة الفلسطينية على اعتقاله في تاريخ 3/2/1996م حيث اعتبرته مخابرات الكيان الصهيوني المطلوب رقم (1) فأمضى في سجون أجهزة أمن السلطة أكثر من 5 سنوات، ومع انتفاضة الأقصى خرج الشهيد "أبو الحسن" من السجن أكثر إصراراً على مواصلة جهاده ضد قوات الاحتلال الصهيوني فواصل عمله في إعداد الاستشهاديين وتجهيزهم.

اعتبر الشهيد المهندس محمود الزطمة "أبو الحسن" من قبل المخابرات الصهيونية أنه:

- المسئول عن أول عملية تفجيرية استشهادية في قطاع غزة والتي نفذها الاستشهادي "أنور عزيز" في العام 1993م.

- المسئول عن كل العمليات الاستشهادية التي نفذها الجهاز العسكري "قسم" وأبرزها:

- عملية نيتساريم في تاريخ 11/11/1994م والتي نفذها الاستشهادي هشام حمد.

- عملية بيت ليد في تاريخ 22/1/1995م والتي نفذها الاستشهاديان أنور سكر و صلاح شاكر.

-عملية كفار داروم في تاريخ 9/4/1995م والتي نفذها الاستشهادي خالد الخطيب.

-اعتبر الشهيد "أبو الحسن" المشرف العام للكثير من عمليات سرايا القدس تخطيطاً وإعداداً.

- اعتبر الشهيد "أبو الحسن" المهندس الأول لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، والخبير الأول للعمليات الاستشهادية التفجيرية.

قام ضباط من المخابرات الأمريكية (c.i.a) وضمن اتفاقيات (واي ريفر) الأمنية بمقابلة الشهيد "أبو الحسن" في سجون أمن السلطة الفلسطينية كإجراءات تفتيشية على السجناء وأبلغوه خلال المقابلة أنه "أبو الحسن" يمارس (الإرهاب) ضد (المواطن الصهيوني) وأنه يعارض عملية السلام ومثله لا يجب أن يرى الشمس.

بعد خروجه من سجون أمن السلطة مع بداية انتفاضة الأقصى عاود الشهيد عمله مع سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي فحاولت أجهزة أمن السلطة اعتقاله مجدداً في رفح -مسقط رأسه. لكنه تمكن من الإفلات منهم والتخفي عن أعينهم فانتقل وأسرته للعيش في مدينة غزة. إلى أن طالته يد الغدر فأصاب سيارته بثلاث صواريخ صهيونية أطلقتها المروحيات الصهيونية "الأباتشي" ليرتقي شهيداً إلى العلا ملتحقاً بأخوته ورفاقه بعد جهاد طويل ضد قوات الاحتلال وصبر جميل على أذى ذوي القربى.

استشهاد القائد

في مساء يوم الخميس الثامن من صفر لعام 1424هـ الموافق العاشر من أبريل لعام 2003م وفي تمام الساعة الرابعة عصراً أقدمت طائرات الاحتلال الصهيوني على عملية اغتيال جبانة للمهندس الشهيد محمود صقر راغب الزطمة "أبو الحسن" القيادي البارز في سرايا القدس ومهندس العمليات الاستشهادية الأول.

فقد استهدفته بثلاث صواريخ حاقدة بينما كان يقود سيارته في شارع فلسطين بالقرب من ميدان الشهيد القائد رامي عيسى في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، استشهد على إثرها القائد محمود الزطمة فيما أصيب 12 مواطناً كانوا يمرون في الشارع لحظة الحادث المأساوي الذي أفجع حركة الجهاد الإسلامي وقطاع غزة بأكمله إذ فقد أهم مهندس للعمليات الاستشهادية.