هنالك ارتباط وثيق بين قضية الأسرى والقضية الفلسطينية، ولذا فالموقف الدولي من قضية الأسرى مرتبط بالموقف السياسي العام من القضية الفلسطينية، فالموقف الأمريكي منحاز للاحتلال والموقف الأوروبي يمتاز بالوسطية وموقف دول الانحياز وأمريكا اللاتينية ودول جنوب شرق آسيا والدول الأفريقية منقسم وغالباً وسطي وغالباً يميل أكثر لصالح القضية الفلسطينية. أما موقف المؤسسات الدولية رغم أنها تقوم بتقديم بعض الخدمات التي تعزز المكانة القانونية لصالح قضية الأسرى إلا أنها لا تشكل حالة ضغط حقيقية ترقى لحد الملاحقة القانونية والمحاسبة لسلطات الاحتلال على انتهاكاتها بحق الأسرى في السجون الإسرائيلية وللتفصيل أكثر:
1- موقف الدول الأوربية من قضية الأسرى:
تتمتع فلسطين بأهمية كبيرة لدى الدول الأوروبية، وتاريخياً كانت محور خلاف بين دولها العظمى خاصة بين بريطانيا فرنسا، وبرز هذا الخلاف منذ اتفاقية سايكس بيكو، والانتداب البريطاني على فلسطين، وصدور "وعد بلفور"، واختلف هذا الموقف لصالح القضية الفلسطينية في منتصف السبعينيات، وبرز موقف الدول الأوروبية في العام 1980م، من خلال ما سمي "بإعلان البندقية"، الذي عكس دعم ومساندة أوروبا لحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة.
وفي أعقاب مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991م، اكتفت أوروبا بصفة المراقب في المؤتمر، ثم أصدرت الدول الأوروبية "بيان فلورنسا" في يونيو/ 1996م، وفي البيان عبرت الجماعة الأوروبية عن موقفها من إقامة دولة فلسطينية طبقاً لحدود عام 1967م.
ويتسم الموقف الأوروبي اتجاه القضية الفلسطينية بالإيجابي ويميل إلى الوسطية، حيث سعت الدول الأوروبية لدور سياسي في العملية السياسية من خلال اللجنة الرباعية، وتم الترحيب بهذا الدور من الجانب الفلسطيني، وفي عام 1993م عقدت الدول الأوروبية مؤتمراً حاشداً لدعم وتنسيق المساعدات المالية المقدمة للفلسطينيين، ثم وقعت اتفاقية تعاون وتجارة بين الاتحاد الأوروبي والسلطة الفلسطينية، ودعمت العديد من برامج التأهيل التابع لوزارة شؤون الأسرى والمحررين كان أهمها:
تمويل المرحلة الثانية لبرنامج تأهيل الأسرى المحررين من خلال وزارة شؤون الأسرى والمحررين التي وقعت بدورها اتفاقية مع المفوضية الأوروبية في 9 سبتمبر/1999م، وتمويل المرحلة الثانية من البرنامج بقيمة مليوني يورو، كما وقعت الوزارة اتفاقية مع الحكومة السويسرية لتمويل مشروع لصالح الأسرى، وعدة مشاريع بقيمة خمسة ملايين يورو.
ومع بداية المرحلة الثالثة للبرنامج قامت وزارة شؤون الأسرى والمحررين بتوقيع اتفاقية مع المفوضية الأوروبية بتاريخ 20 ديسمبر/2000م، حيث أن المفوضية الأوروبية التزمت بتمويل المرحلة الثالثة من البرنامج بقيمة ثلاثة ملايين يورو، كما وقعت الوزارة اتفاقية مع الوكالة السويسرية للتنمية والتطوير لنفس المرحلة لتنتهي في سبتمبر/ 2004م.
كما ووقعت الوزارة اتفاقية أولى مع منظمة اليونيسيف في يوليو/2002م، لتمويل مشروع دعم الأطفال الأسرى، وتُعَد وزارة شؤون الأسرى والمحررين شريكاً في مشروع مشترك مع سكرتارية الطفل الفلسطيني، حيث تم توقيع اتفاقية مع الوكالة السويدية العالمية للتطوير لدعم الأطفال الأسرى من خلال دائرة الطفولة والشباب والدائرة القانونية في الوزارة (البطة، المعتقلون، 267).
2- موقف الولايات المتحدة الأمريكية:
استمرت الولايات المتحدة الأمريكية منذ نشأة الصراع العربي الفلسطيني - الإسرائيلي بدعم الاحتلال سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً، واتبعت سياسة متصلبة في أزمة الشرق الأوسط شجعت سلطات الاحتلال على استمرار احتلالها.
واتبعت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة متذبذبة إزاء أسلوب القمع الإسرائيلي، واتضح موقف الولايات المتحدة الأمريكية من القضية الفلسطينية في نوفمبر/ 2012م، خلال تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على عضوية فلسطين كدولة مراقب غير عضو، وتمت الموافقة على ذلك بأغلبية 134 دولة واعترضت 9 دول وامتنعت 41 دولة عن التصويت، وكان على رأس المعترضين كل من (الولايات المتحدة وسلطات الاحتلال وكندا وجمهورية التشيك وجزر مارشال وميكرونيزيا ونورو وبالاو وبنما)، الأمر الذي ينسحب سلباً بالقياس في قضية الأسرى الفلسطينيين، وقد قدمت الولايات المتحدة الأمريكية سلسلة من الاقتراحات لإعفائها من الحرج فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات، والالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية خاصة التي تتعلق بالأسرى وقضايا التعذيب، ودعت الاحتلال إلى تنظيم عملية (القمع النظيف) الأمر الذي شجع ضمناً على عملية الاعتقال، وعند أية مناقشة لمعاملة سلطات الاحتلال للأسرى الفلسطينيين، تحرص الولايات المتحدة على الاستماع في ذلك من الجهات التابعة لسلطات الاحتلال وليس لمؤسسات دولية محايدة أو من مؤسسات تابعة للسلطة الفلسطينية.
وتضع الولايات المتحدة الأمريكية العقبات والعراقيل في وجه الأسرى المحررين عند طلبهم تأشيرة الدخول للسفر لأراضيها، وذلك من خلال اعتماد السفارة الأمريكية تعليمات تقضي على الفلسطينيين الحصول على شهادة حسن سير وسلوك من الشرطة الإسرائيلية كشرط، وهذا الأمر صعب المنال لغالبية من دخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية (البطش، المعتقلون، ص255).
لذلك لم يتسم الموقف الأمريكي بالحيادية أو النزاهة أو الاعتدال في قضايا الصراع، بل كان دائماً ينحاز دعماً ومساندة للاحتلال على كل المستويات.
3- موقف دول شرق آسيا وأمريكا الللاتينية من القضية الفلسطينية والأسرى:
حظيت القضية الفلسطينية بما فيها قضية الأسرى بالدعم السياسي من قبل كثير من دول العالم، كموقف الاتحاد السوفياتي "سابقا" ودول الكتلة الشرقية المؤيد للعرب وللفلسطينيين، وتحاول الدبلوماسية الروسية منذ انهيار الاتحاد في العام 1991م، أن تلعب دوراً وسيطاً بين سلطات الاحتلال والفلسطينيين من خلال المشاركة في رعاية رسمية لعملية السلام كما أعلن عن ذلك الرئيس الروسي في أكتوبر/ 2013م.
واتسمت مواقف العديد من دول جنوب شرق آسيا بالمناصَرة والتأييد لحقوق الشعب الفلسطيني، كونها مرت بنفس التجربة من الاحتلال والنضال ضد الاستعمار، وتعتقد قيادات تلك الدول بعدالة القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين بالحرية والاستقلال.
وانقسمت دول أمريكا اللاتينية في مواقفها اتجاه الشعب الفلسطيني بين مؤيد ومحايد ومعارض.
4- موقف دول عدم الانحياز من القضية الفلسطينية والأسرى:
واتخذت دول حركة "عدم الانحياز" منذ تأسيسها في العام 1961م، والتي تشكلت مما يقارب من 120 دولة قرارات مهمة جداً لصالح القضية الفلسطينية، وكانت هذه القرارات مؤيدة لجميع المطالب الفلسطينية مثل: حق العودة لجميع اللاجئين، وتحرير جميع الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
5- موقف الدول الإفريقية من القضية الفلسطينية والأسرى:
وتباينت مواقف الدول الإفريقية غير العربية من القضية الفلسطينية والأسرى الفلسطينيين، فمنها من صوّت على قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية في العام 1975م، وتميز موقف جمهورية جنوب إفريقيا بدعم والمساندة لقضية الأسرى في أعقاب انتهاء عهد نظام التمييز العنصري وتبني دستور التعددية، وانتخاب المناضل "نيلسون مانديلا" رئيساً لجنوب أفريقيا في العام 1994م، كأول رئيس أسود يحكمها، وهو المعتقل السابق في سجون الفصل العنصري، وأكدت الجمهورية على ثبات موقفها من القضية الفلسطينية والاستمرار في تقديم كل أشكال الدعم والإسناد، حتى انتهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشرقية (مركز الأسرى للدراسات، 2021م).