غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

طارق عز الدين.. "عثمان فلسطين" الذي أبصر طريق العشق الأبدي وكتب وصيته بدمه

الشهيد القائد الكبير طارق عز الدين
شمس نيوز - وليد المصري

إذا خانك الاتجاه فحدِّق في وجوه الشهداء؛ لتبصر أن طريق العشق الأبدي هو القدس، وقِبلة الجهاد الحقيقية مسجدُها ومآذنها.. حدِّق في وجوه الشهداء؛ لتقتبس نوراً من ضيائهم، وإقداماً من شجاعتهم وبسالتهم، إيماناً من حيائهم، شموخاً من تواضعهم، صلابةً من عزيمتهم، ثباتاً من عقيدتهم، قوةً من بأسهم، حقاً من فكرهم ومنهجهم.. إنهم سادة العزة والكرامة، عرفوا سبيل العشق الحقيقي، فجعلوا الديار الباقية عنواناً لهم، ورسموا إليها دربهم بدمائهم الزكية، وصدقوا الله فصدقهم الله.

نكتشف هؤلاء العظماء بعد أن يغادروا دنيانا، وقبل ذلك هم يكونوا غارقون في إعداد العدة للدفاع عنا، ولاسترداد حقوقنا المسلوبة، منطلقين من محاريب المساجد وآيات القرآن الكريم، فمن كان لهم المسجد نقطة انطلاق وصل بسرعة البرق إلى ما يشتاق.. واصلوا ليلَهم بنهارهم في ميادين التجهيز والإعداد، وتسابقوا نحو جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، ولسان حالهم يقول: "يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها".. إنهم من زمن الصحابة الكرام.  

نتحدث عن الشهيد القائد الكبير طارق عز الدين "أبو محمد"، الذي ارتقى شهيداً على طريق القدس مقبلاً غير مدبر، رفقة طفليه "ميار (10 أعوام)" و"علي (7 أعوام)"، إثر عملية اغتيال جبانة اقترفتها طائرات الحقد الإسرائيلية، بقصف منزله في مدينة غزة، فجر الثلاثاء الموافق التاسع من شهر مايو/أيار من العام الجاري. 

 

الميلاد والنشأة


أبصر القائد طارق إبراهيم عز الدين، نور الحياة وتنسَّم هواء فلسطين العليل، في بلدة عرابة، قضاء جنين بالضفة الغربية المحتلة، يوم الرابع عشر من شهر سبتمبر من العام 1974م، ونشأ في ظلال عائلة فلسطينية مجاهدة بين 12 من إخوته (7 ذكور و5 إناث)، وغرست في نفسه الأخلاق العالية والسيرة الحسنة، والالتزام بتعاليم الإسلام الحنيف، وأورثته حب الجهاد والمقاومة، فرضع لبان العز والكرامة، وسار على درب البطولة والفداء. 

اتسم القائد أبو محمد، بمكارم الأخلاق، والسيرة الحسنة، فكان هادئ الطباع، بسَّام الثغر، بشوش الوجه، نقي الفؤاد، ليناً في تعامله، طيباً، جواداً، معطاءً، ناصحاً أميناً، وكان سريع البديهة، مقداماً، جَسوراً، ودوداً.

 

المسيرة الجهادية


في ميادين العزةِ والكرامة والإباء يمضي حراس الوطن، وحماة العقيدة والمقدسات، حاملين أرواحهم على أكفهم، وأنفسهم تواقةً؛ للحاق بركب الأطهار والمخلصين حيث جنان الخلد والنعيم.

انتمى القائد عز الدين إلى صفوف حركة الجهاد الإسلامي في سن مبكرة، وشارك في انتفاضة الحجارة عام 1987م، وتعرض للاعتقال.
ويُعد من أوائل المجاهدين الذين شاركوا في أحداث انتفاضة الأقصى، وكان له دور بارز في الاشتباكات العسكرية وتأسيس الخلايا العسكرية، لمجابهة العدو ومقاومته. 

وقبل اعتقاله تزوج بزوجته المصون، ورزقه الله منها بولدين "محمد وجميلة"، فكان الأب الحنون، والزوج العطوف، والابن البار، والصديق الوفي، مُحبَّاً لإخوانه، ماجداً وصولاً لأرحامه، ليِّناً في تعامله.

وقاد شهيدنا عمليات نوعية، من ضمنها عملية مفترق مجدو البطولية، التي نفذها الاستشهادي المجاهد حمزة عارف سمودي، بتاريخ 05-06-2002م، وأسفرت عن مقتل 17 جندياً إسرائيلياً وإصابة العشرات.

كما كان مُخطِّطاً ومسؤولاً عن تجهيز الاستشهادي حمزة سمودي، الذي نفذ عملية الخضيرة البطولية، وأسفرت عن مقتل 3 جنود إسرائيليين وإصابة 9 آخرين.

اعتقل القائد أبو محمد في سجون الاحتلال الإسرائيلي عام 2002، وحُكم عليه بالسّجن المؤبد مضافاً إليه 25 سنة، على خلفية انتمائه الجهادي وتنفيذ في عمليات ضد الاحتلال، وأمضى قرابة 11 عاماً صامداً خلف قضبان السجون، أكمل خلالها دراسته الجامعية، وحصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية، ولاحقاً شهادة الماجستير.

وبعد تنسمه عبير الحرية في صفقة "وفاء الأحرار" في العام 2011م، أبعده الاحتلال إلى غزة مع زوجته وأبنائه، ليواصل مسيرة الجهاد والمقاومة من أرض غزة المباركة، حيث رزقه الله بعد اعتقاله بثلاثة من الأبناء، منهم: "ميار وعلي" اللذان استشهدا معه.

تميَّز الشهيد القائد أبو محمد بعلاقاته الطيبة والمميزة مع الجميع، وجمعته علاقات طيبة مع فصائل العمل الوطني والإسلامي، حيث كان يُشارك في فعالياتها وأنشطتها ضمن وفد حركة الجهاد الإسلامي. 

يُعَدُّ القائد عز الدين من أبرز الوجوه الإعلامية للمقاومة الفلسطينية، إذ تولّى إدارة إذاعة صوت الأسرى، وكان له بصمات وإسهامات كبيرة في تطويرها، كما تولّى مسؤولية مكتب إعلام الضفة في حركة الجهاد الإسلامي وكان الناطق الرسمي باسم الحركة عن الضفة، وعضواً للمكتب السياسي للحركة، فكان كان رجلاً قائداً ومسؤولاً متفانياً.

 

في ميدان العمل الخيري


أدرك شهيدنا المجاهد طارق عز الدين أن أثمن الصفقات التي تمت وتتم على أرضنا المباركة حتى قيام الساعة، هي الصفقة التي تمت بين المجاهدين وربهم تبارك وتعالى، فقد باعوا أنفسهم والله اشترى على أن يكون الثمن الجنة، فلا تراهم آبهين أو ملتفتين إلى متاع الدنيا وزخرفها، بل سخروا حياتهم وطاقاتهم وأموالهم رخيصةً في سبيل الله تعالى.

ولذلك، انطلق شهيدنا نحو ميدان العمل الخيري، من محاريب المساجد، فمن كان له المسجد نقطة انطلاق، وصل بسرعة البرق إلى ما يشتاق، وسطَّر مواقف مشرفة، وكان نموذجاً يحتذى به في هذا المضمار، مطبِّقاً حديث النبي -صلَّ الله عليه وسلم-: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"، وذكر منهم: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه". 

القيادي في حركة الجهاد الإسلامي ومسؤول مكتبها الإعلامي، أ. داوود شهاب، كشف بعضاً من هذه المواقف الصادقة للشهيد عز الدين، والانتماء الكبير، والبذل والتضحية بالجهد والمال، فكتب عبر صفحته: "رحم الله الأخ الحبيب، والصديق الكريم الودود، صاحب الابتسامة الدائمة، والقلب المفعم بالعطاء، أبا محمد طارق عز الدين.. عملنا معاً في كثير من المحطات، فكان سريع البديهة، مقداماً، جسوراً".

وأضاف القيادي شهاب: "تحدثنا قبل أسبوع من استشهاده عن مسجد شهداء جنين، فقلت له بقي كذا وكذا… إلخ، واتصل بي ليلة استشهاده، وقال: سأرسل لك تبرعاً لتغطية تكاليف مستلزمات الإنارة، والكهرباء للمسجد، قلتُ له: خليها للصباح، فأصر أن يبعثها الآن.. وتم ذلك"، مرفقاً صورة المظروف الذي أرسل فيه التبرع مكتوباً عليه بخط يد الشهيد عز الدين.

هكذا كانت حياته.. حياةُ من تُكتَب قصصهم بقواميس العز والفخار، إنَّها القصص الحقيقة لمن اصطفاهم رب الأرض والسماء، هم أشداء في أجسامهم، أشداء في إيمانهم، أشداء على أعدائهم، ورحماء فيما بينهم.. هم نور على من يعتزم درب السبيل، ونار على مَن يميل عن درب الجهاد والمقاومة.

 

قبسات من نور


اشتهر الشهيد القائد عز الدين بكلماته الثورية والجهادية، التي تبث العزيمة والقوة في نفوس أبناء شعبنا، وتزيد ثقتهم بمقاومتهم الباسلة، ومن أشهر هذه الكلمات، ما قاله ناعياً رفيق دربه الشهيد الشيخ خضر عدنان: "كلما ارتقى قائد أو شهيد سيخرج ألف قائد.. المسيرة مستمرة ولن تتوقف".

هي كلمات صادقة خُطت بدماء الأحرار القاني، ليست بحاجة إلى دليل عن صدقيتها، إذ إنهم كمن كشف له الغطاء، فأصبح بصره حديداً.. عرفوا الدنيا لكنها لم تأسرهم بحبها فأعرضوا عنها طائعين، فأحياهم الله في كتابه العزيز: "بل أحياء عند ربهم يرزقون".

 

رحلة الخلود


فجر الثلاثاء، الموافق التاسع من مايو 2023م، شنت طائرات الاحتلال الإسرائيلي عدواناً بربرياً على قطاع غزة، استهدف قادة المجلس العسكرية لسرايا القدس، أسفر عن استشهاد الشهيد القائد الكبير/ طارق إبراهيم عز الدين - أحد قادة العمل العسكري في سرايا القدس في الضفة المحتلة، وابنته "ميار وعلي"، والشهيد القائد الكبير/ جهاد شاكر الغنام - أمين سر المجلس العسكري في سرايا القدس، والشهيد القائد الكبير/ خليل صلاح البهتيني - عضو المجلس العسكري وقائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس، ومعهم كوكبة طاهرة من زوجاتهم وأبنائهم وأبناء الشعب الفلسطيني.

وزفت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، بكل آيات الجهاد والانتصار، القائد عز الدين وثلة مكونة من أحد عشر قمراً من قادتها ومجاهديها الميامين، ارتقوا في معركة "ثأر الأحرار" البطولية، خلال عمليات اغتيال واستهدافات نفذها العدو الغادر، ليرحلوا بعد مسيرة جهادية عظيمة وبصمات دامغة في مشروع المقاومة والتحرير.

وأكدت السرايا أن "ارتقاء الشهداء الأبرار، جاء ليؤكد على حضور معادلة الواجب فوق الإمكان في الفعل والوعي الثوري لدى أبطالنا الذين أدوا واجبهم الجهادي خلال معركة "ثأر الأحرار"، التي جاءت إيماناً بوجوب رد الصاع صاعين للعدو، الذي بدأ غدره باغتيال قادة سرايا القدس غيلة؛ ظناً منه أنه بالاغتيالات يستطيع كسر شوكة المقاومة التي ستبقى مستمرة بعبق دماء الشهداء الأطهار، الذين ننعاهم بكل فخر واعتزاز".