حالة الضعف والهوان التي تعيشها السلطة الفلسطينية في عهد رئيسها محمود عباس غير مسبوقة, فالرجل لا يؤمن بقدرات الشعب الفلسطيني ومقاومته, وهو يعيش حالة استسلام متكاملة, انعكست على خطابه السياسي الذي يستند الى «الاستجداء» و «الاستعطاف» ولغة التباكي المصطنعة, فمصطلحات مثل «ميشان الله احمونا» , و «ونحن بساطير تحت اقدام الاحتلال» و «حللو عن صدورنا» لا يمكن تسويقه والرهان عليه بانه يمكن ان يحقق إنجازات للسلطة او لشعبنا الفلسطيني , لان العالم لا يحترم الضعفاء ولا يتعامل معهم, ولا يقنعه الخطاب الاستجدائي لأنه خطاب مهزوم لا يمكن ان يحقق انتصارات لمتبنيه, وامام هذا الواقع المر الذي يتلبس سلطة محمود عباس, حاول البعض ان يبرر هذا الأسلوب الاستعطافي الاستجدائي المهزوم بان الانقسام هو الذي اضعف السلطة واوصلها الى هذا الحال المزري, ودفعها الى مربع الاستسلام والهوان الى هذا الحد, وأصبحت كل المشاكل التي تشهدها القضية الفلسطينية سياسيا, عائدة الى الانقسام وتبعاته المخيفة, واصبح الانقسام الشماعة التي يعلق عليها البعض كل هذا الفشل والتراجع الكبير للسلطة سياسيا واقتصاديا وفي كل المجالات, وهذا كما يقال حق يراد به باطل, ونحن لا يمكن ان نهون من تبعات الانقسام, وتأثيره على النسيج المجتمعي الفلسطيني, وانعكاسه على النتائج السياسية والاقتصادية, ولكننا بواقعية شديدة, نرى ان البعض يستغل كلمة الانقسام ليبرر كل هذا الخذلان من السلطة الفلسطينية لشعبها, وكل هذا الإخفاق السياسي والانحدار الخطير في أداء السلطة, وفشل ما تسمى بمسيرة التسوية, وان الانقسام هو الذي أدى لتعاظم الازمات المعيشية للفلسطينيين وخاصة في قطاع غزة, رغم اننا نعلم ان السلطة هي جزء مباشر من هذه المعاناة لأنها تتعامل مع قطاع غزة «كإقليم متمرد» حسب ما صرح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عزّام الأحمد الذي افشل كل لقاءات المصالحة.
لم تتوان حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين يوما عن محاولات تقريب النظر وانهاء الانقسام الفلسطيني, والتفرغ لمجابهة الاحتلال, فشاركت في كل لقاءات الحوار بين السلطة وحركة حماس, وطرحت الحلول والمبادرات, وفي كل مرة كانت تصطدم بتعنت السلطة واصرارها على مطالب لا يمكن القبول بها او التحاور حولها, فمطلوب لأجل انهاء الانقسام الاعتراف بقرارات الرباعية الدولية, وتفكيك الاجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية وإعادة تأطيرها ودمجها في أجهزة امن السلطة, ومطلوب تبني خيار التسوية كخيار استراتيجي لا بديل عنه للوصول لتحقيق الأهداف, واسقاط أي خيارات أخرى لان رئيس السلطة لا يؤمن بها ولا يؤمن بالمقاومة, ويعتبر انها اعادت القضية الفلسطينية مائة عام الى الوراء حسب قوله, فهل يمكن لاي فلسطيني ان يقبل بهذه الشروط لإنهاء الانقسام, لقد بات من الواضح ان السلطة تستخدم كلمة الانقسام لتبرير اخفاقها السياسي والذي وصل الى حد التهاوي والسقوط في مستنقع الاستسلام, وتبرير التنسيق والتعاون الأمني مع الاحتلال الصهيوني, والذي أدى الى استشهاد الاف الفلسطينيين, واعتقال عشرات الالاف, وتبرير الاعتقال على خلفية الانتماء السياسي, وتبرير المشاركة في حصار غزة وتضييق الخناق عليها ودفعها للاستسلام, وتجريم الفعل المقاوم ومحاصرته وملاحقة المقاومين ومنع الفلسطينيين من التوجه لمناطق التماس للاشتباك مع الاحتلال الذي يعيث فسادا في الأرض, ولا يتوقف عن سفك الدماء, وتجنيد أجهزة امن السلطة لقمع الفلسطينيين ومواجهتهم, بدلا من الدفاع عنهم وحمايتهم من هجمات قطعان المستوطنين, ومن عمليات التوغل والتسلل التي يقوم بها الجيش الصهيوني وما تسمى بوحدات المستعربين لملاحقة المقاومين الفلسطينيين وتصفيتهم, اعتقد ان هذا الفعل الشنيع ليس له علاقة بالانقسام الفلسطيني ولا يمكن تبريره انه يتم بسبب الانقسام, فنحن لا نريد ان نعلق اخطاءنا كلها عليه.
اليوم تمر القضية الفلسطينية بمنعطفات خطيرة جدا, والاحتلال الصهيوني لم يعد يخفي نواياه ومخططاته في القدس, والضفة الغربية المحتلة, وهو يسعى لحسم «الصراع» حولهما, وفق مخطط اقرته حكومة الصهيونية الدينية التي يتزعمها النازي الإرهابي المجرم بنيامين نتنياهو, وما شهدناه في قرى وبلدات فلسطينية في الضفة المحتلة, من تغول وهجوم بربري وهمجية لقطعان المستوطنين, وحرق المنازل والسيارات والمحاصيل الزراعية, وقتل واصابة العشرات من الفلسطينيين برصاص جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين, ينذر بأن القادم اسوء, وقد سمعنا مناشدات من المواطنين الفلسطينيين للسلطة وأجهزتها الأمنية بضرورة حمايتهم والدفاع عنهم من هجمات المستوطنين الأشرار, فهذا اقل الواجبات المنوط بها وفق قولهم, والا عليها ان ترحل ان لم تكن قادرة على حمايتهم, فهل يمكن للسلطة الفلسطينية ان تلبي النداء وتدافع عن الفلسطينيين الذين يجابهون قوة ثنائية من الجيش, وقطعان المستوطنين الأشرار, المدججين بكل أنواع السلاح والعتاد, تقوم بقتلهم وحرق منازلهم وسياراتهم وحقولهم الزراعية, ام ان هذا أيضا لا يحدث بسبب الانقسام وتبعاته, لا نريد ان يبقى الانقسام الشماعة التي تتذرع بها السلطة دائما لتبرير تقصيرها تجاه الشعب الفلسطيني, ولو كانت السلطة جادة في حماية الناس فعليها ان توقف التنسيق والتعاون الأمني مع الاحتلال الصهيوني فورا, وان تذلل العقبات للوصول الى انهاء الانقسام, وذلك بالتخلي عن شروطها المجحفة بحق شعبنا الفلسطيني ومقاومته, وعليها ان تعدد خياراتها في مواجهة الاحتلال الذي بات يتنصل من التزاماته تجاه السلطة, ويعاملها بفرض المزيد من العقوبات عليها .