غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

ناصر سنان.. استشهد في أحضان أبنائه برصاصة قاتلة نقلته للحياة الأبدية

شهيد-موقع.jpg
شمس نيوز - مطر الزق

عقارب الساعة كانت تُشير تقريبًا إلى السادسة والنصف صباحًا من يوم الاثنين، الثاني والعشرين من مايو 2023، عندما فرك ناصر سنان عينيه مستيقظًا من النوم على وقع رصاص كثيف من قوات الاحتلال التي اقتحمت مخيم جنين شمال الضفة المحتلة، ولسان حاله يقول: "ماذا يحدث؟"، لتجيبه زوجته بكل ثبات: "قوات خاصة اقتحمت المخيم والمقاومون اكتشفوها واشتبكوا معها".

ناصر سنان (55 عامًا) من سكان مخيم جنين، اعتاد في كل صباحٍ أن ينظر من نافذة غرفته التي تطل على الأراضي الزراعية الجذابة في منطقته، استيقظ ناصر وبدأ يسير بهدوء صوب النافذة كعادته، يداه المرتعشتان تمكنت من فتح النافذة؛ ليستقر واقفًا أمامها لثوانٍ معدودةٍ قبل أن تحدث المفاجأة الصادمة لأهل بيته.

"ناصر ارجع للخلف لا تنظر من النافذة؛ قد يصيبك القناص"، قالتها زوجته بشكل عفوي كغيرها من نساء المخيم اللاتي اعتدن مع كل اقتحام لقوات الاحتلال إبعاد أبنائهن وأزواجهن عن النوافذ خشية من القناص الإسرائيلي الذي لا يفرق بين مدني وعسكري أو بين طفل وشيخ وامرأة، غابت زوجة ناصر للحظات قليلة عن الغرفة، قبل أن تسمع صوت آهات زوجها وأشياء أخرى تصطدم في الجدران بقوة شديدة كأنها أمطار غزيرة.

تمزقت جدران الغرفة وأثاثها من "خزانة وسرير"، كانت الصدمة قوية جدًا، إذ تناثرت دماء ناصر على ملابسه وسرير نومه، لتتحول الغرفة إلى بركة من الدماء، ترافقها صرخة من أعماق القلب لزوجة ناصر وبناته وأبنائه الاثنين، لتنفجر الدموع من عيونهم جميعًا.

عمارة ناصر سنان مكونة من 3 طوابق، الطابق الأرضي يسكن فيه نجله أحمد وزوجته، والطابق الثاني أيضًا يسكن فيه نجله الثاني وزوجته، بينما ناصر استقر في الطابق الثالث، صوت صراخ زوجة ناصر وأبنائها، دفعت أحمد للقفز من سرير نومه والركض صوب درج العمارة، ليفاجأ بجاره حازم –ضابط الاسعاف في الهلال الأحمر- يسبقه.

يحاول أحمد (27 عامًا) الوصول إلى الطابق الثالث، دون أن يُدرك بأن والده أصيب بشظايا رصاصة قناص إسرائيلي قاتل، فعندما وصل كان قلبه المنهك ينبض بقوة شديدة وصوت آهاته تُسمع بوضوح، يصرخ أحمد: "ماذا حدث؟ أين والدي؟".

بسرعة البرق كان أحمد داخل غرفة والده يقف مذهولًا لما شاهده من دماء متناثرة، وجدران وأثاث تحولا إلى (منخل) لكثرة الشظايا التي اخترقته يقول لـ"شمس نيوز": "القناص الإسرائيلي أطلق رصاصة دمدم واحدة؛ لتصطدم في جدار النافذة فوق رأس والدي؛ الأمر الذي دفع شظايا الرصاصة لتنتشر في الغرفة بشكل جنوني".

أكثر من 100 شظية كانت قد اخترقت رأس ناصر وجدران غرفته دون ذنبِ اقترفه ضد قوات الاحتلال، يُشير أحمد إلى أن المشهد كان مرعبًا جدًا؛ لولا تدخل جاره حازم الذي ساعدهم بنقل والده للمستشفى ليتلقى العلاج اللازم.

صوت صافرات الإسعاف كانت قوية وشديدة، والاتصال ما بين الاسعاف وقسم الاستقبال والطوارئ لم يتوقف؛ ما دفع الأطباء لتجهيز غرفة العناية المكثفة على وجه السرعة، وصل ناصر إلى المستشفى بشكل عاجل؛ ولخطورة وضعه الصحي دخل العناية المكثفة فقد استمر هناك ساعات عدة دون أي تقدم يذكر.

خرج الأطباء ووجوههم شاحبة، وملابسهم البيضاء تلونت بدماء ناصر إذ يقول أحدهم: "أصيب ناصر بتهتك في الدماغ والجيوب الأنفية، إضافة إلى نزيف حاد داخل الدماغ، ووضعه غير مستقر، ادعوا الله تعالى بأن يشفيه ويرحمه".

مكث ناصر في المستشفى سبعة أيام دون تقدم يذكر؛ إلا أن الأطباء وبعد أسبوع من بقائه في المستشفى حددوا له عملية جراحية؛ لإزالة جزء من الشظايا ومعالجة النزيف الحاد، وفعلًا تمكن الأطباء من إجراء العملية بنجاح؛ لكن المفاجأة والصدمة أصابت الأطباء بعد يومين من العملية.

كان أحمد وعائلته وأصدقاؤه يجلسون في حديقة المستشفى ينتظرون خروج والدهم بفارغ الصبر، إذ يقول أحمد: "بعد يومين من العملية وقف والدي على قدميه وبدأ يستعيد المشي على قدميه؛ لكنه وقع على الأرضِ بشكل مفاجئ؛ ما دفع الأطباء لنقله للعناية المكثفة".

مؤشر الساعة كان يقف عند التاسعة والنصف ليلًا عندما تلقى أحمد وعائلته اتصالا من قسم المستشفى، أصابعه كانت ترتعش كلما اقترب من الضغط على أيقونة الرد على اتصال المستشفى، قلبه كان خائفًا من سماع نبأ استشهاد والده.

وقبل أن ينتهي رنين الهاتف رد أحمد على الاتصال الذي كان متوقعًا "عائلة ناصر سنان نريدكم حالًا في قسم العناية المكثفة"، استجاب أحمد فورًا للاتصال، كانت قدماه تخطوا يُمنة ويسرة على عجلٍ، متجهًا إلى قسم العناية المكثفة؛ ليشاهد والده المسجى بدمائه الطاهرة وقد أغمض عينيه معلنًا عن استشهاده بعد 14 يومًا من الإصابة برصاص الاحتلال الإسرائيلي.

كلما استشهد رب الأسرة أصيب أبناؤه بحالة من اليأس والإحباط لكن ما يميز عائلة الشهيد ناصر سنان هو امتلاكهم الإرادة والعزيمة والإصرار واليقين بأن والدهم قد استشهد برصاص الاحتلال الإسرائيلي وقد أدى الأمانة بعد 55 عامًا من حياته.

يقول نجله أحمد: "لقد تميز والدي بصفات عدة منها الإخلاص والوفاء وحب الناس، فقد كان تاجرًا أمينًا وصادقًا مع الله تعالى"، مستدلًا بذلك بالحضور المهيب من أبناء مخيم جنين لتشييع جثمانه الطاهر في مقبرة الشهداء.