النُعْمَانُ الطاهرُ الصادقُ "أبو الحسين"، أُوتي من الأسماءِ أجْمَلَهَا ومن المعاني أكْمَلَهَا، فكانَ مِصْدَاقاً لهَا وحَقِيقَاً بِها، مفكراً للجهاد وشهيداً للفكرة.
شَهِدَتْ السيلةُ الحارثيةُ ميلادَ فارسِهَا البَهِي في الرابعِ عشر من مارس عام 1972م، في كَنَفِ عائلةٍ مُلتزمةٍ مَشْهودٍ لها بِطَهارة القلبِ وغِنَى النفس، لتتهيأَ الظروفُ لفارسنا النعمان، وأيُّ فارسٍ كان!.
اشتعلت انتفاضةُ الحجارة، فكان بطلاً منذ أيامِها الأولى، يُحَرِّضُ المشاركينَ على المواجهة عَبرَ ماَذنِ المساجد، ودخلَ السجنَ لأولِ مرةٍ نهايةَ عام 1987م، وخرج منه وقد اشتدَّ عودُهُ وقَوِيَتْ شوكتُهُ، لتكونَ تلك فاتحةُ اعتقالاتِهِ المتكررة.
تَميَّزَ النعمانُ بما هُوَ أهْلُهُ، وبدأتْ رحلتُهُ القلميةُ في السابعةِ عشرَ من عمره بكتابةِ دراسةٍ عن تنشئةِ الكادرِ الحركي، وقد حباه اللهُ ذكاءً خاصاً، لينهي الثانويةَ العامة في الفرع العلمي بتفوق.
صاحبَ دورٍ ريادي في مسقطِ رأسهِ بالسيلةِ الحارثيةِ قبل أن يَبْلُغَ العشرينَ ربيعاً، ومُشَارِكاً للخلايا العسكرية في بُطَولاتِها حتى اعتقالِهِ عام 1993م، عقب استشهادِ القائد عصام براهمة، واعتقال توأمِ روحهِ الشهيد القائد صالح طحاينة الذي لم يترددْ في تَقَمُصْ هويتهِ في شجاعةٍ مُنْقَطِعَةِ النظير.
تَنوَّعَتْ أدْوَارَهُ وجُهودَهُ في المجالات التعبوية والإعلامية، حيث أشرف على إنشاء مراكزِ تحفيظِ القراَن في جمعيةِ الإحسانِ الخيرية، ومركز جنين للدراساتِ والإعلام ومجلةِ جنين الفيحاء الصادرةِ عنه، ومجلة منبر الجمعة. كما أصدر العديد من الكتب والنشرات.
رغم أعبائهِ القيادية، تفوَّقَ في دراستهِ، وقد وصفهُ زملاؤهُ بأنهُ فاقَ أساتذتَهُ، وبدأ بتنظيمِ صفوفِ الجماعةِ الإسلاميةِ الإطار الطلابي لحركة الجهاد الإسلامي وإعادة هيكلتِهَا، وأشرفَ على أولِ مهرجانٍ تأبيني للشهيد الدكتور فتحي الشقاقي في جامعةِ النجاح الوطنية عاك 1997م.
اختطفتهُ أجهزةُ السلطةِ في جنين عام 1997م، لكنَّها لم تَستطعْ إسكاتَ صَوتهِ، ثم أفرَجَتْ عنهُ بعدَ عِدَّةِ أشهرٍ، ثم أعادتْ اعتقالَهُ لمدةِ عامين برفقةِ كوكبةٍ من قادةِ الجهادِ في سجن جنيد إثر عمليةِ القدسِ الاستشهادية التي نفذها الاستشهاديان سليمان طحاينة ويوسف الزغيَّر عام 1998م، إلى أن اشتعلت انتفاضةُ الأٌقصى، واستقر به المُقَام في نابلس لإكمالِ دراستِهِ الجامعية، ثم عادَ إلى جنين استجابةً لنداءِ الواجبِ الجهادي عقبَ استشهادِ القائد المهندس إياد حردان.
تميَّزَ بأنهُ رجلٌ تنظيميٌ فذ، وعلى تواصلٍ مباشرٍ مع قادة سرايا القدس ومهندسيها العُظماء، ولم تَخْلُ ملاحمُ الجهادِ من حضورهِ ومشاركتِهِ، وخاصةً في العملياتِ الكُبرى التي سَجَّلَهَا التاريخُ في صَفَحَاتِ المجدِ والفَخَار.
وُصِفَ بالمكتبةِ المتجولةِ، حيثُ كانَ في أيامِ مُطَارَدَتِهِ، يحملُ على كتفهِ حقيبةً من الكُتِبِ، ولا يُرى إلا وَجَليسُهُ كتابٌ، وقد فَهِمَ أفكارَ الدكتور الشقاقي وأبجدياتِهِ المتفردة، وأحَالَها إلى واقعٍ مُعاش، ليكون بذلك وارثاً حقيقياً لنهج الشقاقي وجِهِادِه.
في رحلتهِ الأخيرة، ظلَّ ساهراً حتى الفجر، قائماً وساجداً ومُبتهلاً، ومع شروقِ الشمسِ خرجَ إلى صَبَاحاتِ الفرحِ والشهادةِ، وما إن انتصف ذلك اليومُ الثالث عشر من تموز عام 2004م، وفي لحظةٍ خَاطفةٍ، كان رصاصُ الغدرِ الصهيوني ينهمرُ على سيارتهِ في حي الزهراء بجنين، ليصيبَ الرأسَ المفكرَ الذي لطالما كان متوهجاً على طريق فلسطين، وترتقي الروحُ الحانيةُ شوقاً إلى السابقين، وعشقاً إلى محطةِ الوصول ولحظةِ الوصال.
هذا هو أبو الحسين، جسدٌ مجبولٌ بالطُهرِ وروحٌ مصقولةٌ بالإيمانِ والوعي والثورة.
ومضى طاهرَ الأثوابِ لم تبقَ روضة ٌغداة ً ثوى إلا اشتهتْ أنَّها قبرُ
عليك سَلامُ اللهِ وَقْفاً فإنَّني رَأيتُ الكريمَ الحُرَّ ليسَ له عُمْرُ