قبل ان اخوض في لقاء العلمين, اعود خطوة الى الوراء لاتحدث عن لقاء انقرة بين رئيس السلطة محمود عباس, ورئيس حركة حماس إسماعيل هنية, وهو لقاء المستغني محمود عباس, ولقاء المضطر إسماعيل هنية, لم تكن هناك نقطة التقاء بين الطرفين واخذ اللقاء بينهما طابع «الآمر الناهي» الذي كان يمارسه محمود عباس بصلافة, حتى عندما أراد رئيس حركة حماس طرح موضوع الاعتقال السياسي الذي تمارسه السلطة وأجهزتها الأمنية بشكل ممنهج ضد المقاومين الفلسطينيين, رد رئيس السلطة بحدة على السيد هنية قائلا «هلا انت جاي تناقش موضوع الاعتقال السياسي وللا موضوع الشراكة الوطنية, انت بدك تيجي على اجتماع القاهرة وللا لا جاوبني بوضوح دون مواربة», واضح من خلال هذه اللغة ان لقاء عباس بهنية ولقائه بالفصائل له طريق واحد, هو انه يريدهم ان ينصاعوا لسياسته وطريقته في إدارة الصراع مع «إسرائيل» وفق قرارات الرباعية الدولية, وهو لا يريد ان يستمع لاي وجهات نظر أخرى, وهذا الامر يمكن ان يفشل أي لقاء بين السلطة والفصائل, لكن حماس تحديدا ليست في اريحية تسمح لها بوقف لقاءاتها بالسلطة وقيادة فتح, لاعتبارات إقليمية, وتعقيدات سياسية, ولأنها مسؤولة عن إدارة أوضاع الناس في قطاع غزة, ومحمود عباس يحاور حماس والفصائل بمنطق اللعب على نقاط الضعف لدى الفصائل, تماما كما تفعل معه «إسرائيل» التي تحاوره بالضغط والعقوبات, فهو يعكس عقدة الحوار مع «إسرائيل» بممارسة نفس الظلم والقهر على الفصائل الفلسطينية وتحديدا حركة حماس, والحقيقة ان عقلية محمود عباس «يابسة» لا امل في ان تلين, لأنها شاخت على قناعات راسخة ليس من السهل ان تتغير, فمن شب على شيء شاب عليه, ويبدو ان رئيس السلطة اخذ على عاتقه ان يشيب المجتمعون بمواقفه التي تتناقض مع المنطق والعقل وما يحدث على ارض الواقع, فالرجل يغرد خارج السرب وينفصل بعيدا عنه.
في الوقت الذي يجلس فيه المتحاورون في العلمين كانت أجهزة امن السلطة في الضفة تداهم بيوت المقاومين الفلسطينيين والمواطنين المنتمين لحماس والجهاد الإسلامي، وقد شنَّت أجهزة أمن السلطة حملة اعتقالات سياسية طالت عددًا من الأسرى المحررين في بلدة يعبد جنوب غرب جنين. واعتقلت أجهزة السلطة الأسيرين المحررين حمزة وحسين حرز الله من بلدة يعبد، وهما أشقاء الأسير القسامي عبد الغني حرز الله، وذلك بعد الاعتداء على والدتهم وإخوتهم حسن ومحمد حرز الله بالضرب المبرح, كما اعتقلت الأسير المحرر بهاء العدنان أبو بكر, كما قامت باختطاف أربعة أشقاء من محافظة نابلس, وهم الأسير المحرر والمعتقل السياسي السابق مفدي سعادة، والأسير المحرر مناضل سعادة الذي أمضى 18 عاماً في سجون الاحتلال، ومجاهد سعادة، ومكين سعادة، بعد مداهمة منزلهم بقرية عصيرة الشمالية, وشهدت الضفة أكثر من 70 حالة اعتقال سياسي، منذ دعوة رئيس السلطة لاجتماع الأمناء العامين للفصائل في القاهرة, وكأن رئيس السلطة يجلس ليحاور الفصائل الفلسطينية في العلمين, وفي نفس الوقت يهدم بمعوله أي نجاحات قد تؤسس لتوافق بين المتحاورين, فبأي منطق يمكن اقناع أي فلسطيني بأن هناك جهوداً للتوافق الفلسطيني والمصالحة وترتيب البيت الداخلي, في الوقت الذي يلهب به رئيس السلطة ظهور المتحاورين بسوط الاعتقالات السياسية, الفصائل الفلسطينية لا تعرف ولا تعلم كيف يمكن اقناع رئيس السلطة بتغيير مواقفه, لكنها لا تريد ان ترمي «الفوطة» لان هذا يعني الاستسلام لسياسة السلطة, والانصياع لموقف «اعوج» وهى تبقى تمارس سياسة «الطرق على الخزان» وتراهن ليس على تغير موقف عباس لأنه موقف متجذر غير قابل للتحول, انما رهانها على تعنت واجرام وصلف ودموية الاحتلال ربما يستفز ذلك شرفاء فتح للتمرد على هذا الواقع «المقلوب» الذي يدفعهم اليه رئيس السلطة دفعا.
الفصائل الفلسطينية التي لم تشارك في حوار العلمين, والتي تعلم جيدا نتائج هذا اللقاء قبل ان يبدأ, لأنه لقاء بروتوكولي لم يقم على أرضية خصبة, تحلت بالمسؤولية تماما, وقالت:» على الرغم من أننا لن نحضر اجتماع الأمناء العامين لكننا سنحترم نتائجه، ما لم تمس برؤيتنا الوطنية في الصراع مع العدو الصهيوني, ونجدد مطالبنا بالتوافق على استراتيجية وطنية لمواجهة مشروع الضم والتهويد», ويبدو الامر واضحا للجميع ان الجهاد الإسلامي معني تماما بإنجاح جلسات الحوار الفلسطيني رغم مقاطعته لها, وهو بموقفه هذا يذلل العقبات امام المتحاورين بأنه ملتزم بمخرجات الحوار ما لم تمس بالرؤية الوطنية, فهناك طرف باتت مواقفه واضحة بالمس بثوابت شعبنا من خلال تجريم المقاومة, وملاحقة المقاومين, وانتهاج مسلك التسوية الذي لا بديل عنها, طرف يتعاون امنيا مع الاحتلال, ويلتزم بأجندة تملى عليه من حكومة الصهيونية الدينية, الجهاد الإسلامي امين على دماء الشهداء وتضحيات الاسرى, وهو يسلك اصعب الطرق للدفاع عنهم وتبني قضاياهم, ويدرك ان هناك واجباً يقع على عاتقه نحوهم, الجهاد الإسلامي ينطلق بمواقفه من اتجاهين, اتجاه يتمسك بخيار المقاوم ضد الاحتلال الصهيوني, ويدافع عن المجاهدين الاطهار, وموقف ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وانهاء الانقسام وتشكيل جبهة وطنية موحدة لمجابهة الاحتلال واحباط مخططاته العدوانية, لذلك تجسد موقفه اليوم بدعم المقاومة ورفض الاعتقال السياسي الذي تمارسه السلطة, والتوافق مع مخرجات لقاء الفصائل الفلسطينية في «العلمين» ان كانت تستند الى رؤية وطنية قائمة على مواجهة الاحتلال والتصدي له واحباط مخططاته العدوانية, وهذا سر الجهاد.