رحل الفيلسوفُ الإيطاليُّ جياني فاتيمو عن عمرٍ ناهزَ 87 عامًا، وهو أستاذ الهيرمينوطيقا الفلسفية، جامعة توران، إيطاليا. وكان يعتبر من أعظم دعاة تيار ما بعد الحداثة. بدأ مسيرته الأكاديمية بعد تخرجه العام 1964، فأصبح أستاذًا متفرغًا، وبعد خمس سنوات أستاذًا لعلم الجمال في جامعة تورينو، حيث كان عميداً لكلية الآداب والفلسفة في السبعينيات، ومنذ العام 1982 درّس الفلسفة النظرية في الجامعة نفسها... من مؤلفاته: "مدخل إلى هايدغر" (1984)، و"تفكيك الصهيونية: نقد ميتافيزيقيات السياسة" (2014).
وكتب الباحث وأستاذ العلوم الاجتماعية، سعود المولى، عن فاتيمو:
"رحيل الفيلسوف الطلياني جياني فاتيمو مفكك الصهيونية الثائر على الظلم والتهميش. وبحسب سالم أحمد الزريقاني، عُرِفَ فاتيمو بفيلسوفِ الفكرِ الضَّعيفِ، وكانَت تأويليَّتُهُ نتاجَ قراءاتٍ معمَّقةٍ في فكرِ نيتشه وهايدغر وغادامير (كان هو من ترجمَ كتابَ الحَقيقَة والمَنهَج إلى الإيطاليَّة)، والمسيحيَّةِ والفكرِ الإيطاليِّ الحديثِ، وفي فكرِ ماركس أيضًا. وكانَت له مواقفُ شجاعةٌ ولا سيَّما نصرتُهُ للقضيَّةِ الفلسطينيَّةِ، وقد حرَّرَ كتابًا عنوانُهُ تَفكيكُ الصّهيونِيَّة. كانَ فاتيمو فيلسوفَ الضُّعَفاءِ والمقهورينَ".
والنافل أن فاتيمو أدخل مفهوم التفكّر الضعيف بعدما لاحظه في التبريرات الميتافيزيقية التي يقدمها المتطرفون؛ ومنهم يساريون من طلابه؛ ومن هذا المفهوم "ضعف التفكر" دخل على تحليل الميتافيزيقيا الغربية كتاريخ مُتراكم من الضعف في بُنى معرفية وقيمية قوية، ليتبنَّى من خلال ذلك موت الميتافيزيقيا وإعادة بناء القيم الأوروبية. وبشكل عام، دخل عالم التنظير لما بعد الحداثة من خلال مفهوم الانعتاق النيتشوي من عنف الميتافيزيقيا عبر تأصيل الاختلاف التأويلي الهيدغري للتاريخ؛ بما يُؤسِّس لفلسفة مُتجددة تمثل عُمدة تصوره لنهاية الحداثة.
كتاب فاتيمو "نهاية الحداثة" (ترجم إلى العربية 2014) "يؤسّس للقول إن ما بعد الحداثة لم تعد فقط دعوة لتجاوز أزمة الحداثة، ووضع طرائق كما هو الحال من هايدغر إلى ليوتار ودريدا، بل إنه يقول إن مرحلة الحداثة انتهت بالفعل، أو هكذا ينبغي النظر إليها قصد تصفيتها، ليجري الانتقال إلى حقبة فكرية جديدة –كما يَزْعُم فاتيمو- فالانتقال من الحداثة إلى ما بعدها، هو بحسب فاتيمو، انتقال في فهم التطوّر التاريخي، ففي الأولى هو عملية تراكم تنوير تصاعدية، وفي الثانية بتنا نعرف أن هذا التصاعد لم يعد حامياً من الارتطامات والأزمات الحادة ومن العدمية!!".
كان فاتيمو أحد الموقعين على عريضة نشرت في 28 فبراير 2009، داعياً الاتحاد الأوروبي إلى إزالة حركة حماس من لائحة المنظمات الإرهابية، ومنحها الاعتراف الكامل كصوت مشروع للشعب الفلسطيني. وفي 22 يوليو 2014، ورَّداً على الحرب الإسرائيلية على غزة، قال: "يجب "اطلاق النار على أولئك الصهاينة الأنذال"، وقال: "لو كان الأمر بيدي لدَعَوت لاكتتاب عالمي لشراء أسلحة للفلسطينيين لوقف الإسرائيليين الذين يقومون بذبح جماعي لهم".
وعندما سُئِلَ عما إذا كان يود أن يرى المزيد من الإسرائيليين القتلى، أجاب: "بالطبع"، وأضاف أن إسرائيل "أسوأ قليلاً من النازيين".
