غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر مصالحة فئوية أم وحدة وطنية فلسطينية؟

ما تحتاجه الحركة الوطنية الفلسطينية الآن في قطوعها الخلافي الراهن، أكثر من مصالحة فئوية (قبائلية) على طريقة عرب أيام زمان: «بوس اللحى وإقامة المناسف». فالمسائل السياسية لا يمكن اختصارها، أو اختزالها إلى مثل ما نراه اليوم من لقاءات شكلانية، تلعب الصورة فيها العامل الحاسم لحدوث شيء ما، ليس جوهرياً بالضرورة، حيث الخضوع للشكل هو الأهم، في نظر بعض أصحاب العلاقة من الطرفين. نظراً إلى حاجة أحدهما أو الاثنين معاً للخروج من أزمة أو مأزق ما يواجهانه من مهام لحظوية تكتيكية، أو استراتيجية أبعد مدى.

المصالحة بهذا المعنى مهمة لحظوية لطرفيها، فهي لم تعد حاجة وضرورة سياسية ابتعد زمانها وتباعد، حتى غدت لزوم ما لا لزوم له في أزمنة لاحقة، فماذا عدا مما بدا حتى صارت المصالحة اليوم أمراً محموداً ومطلوباً ومرغوباً، لولا أزمة المفاوضات والعلاقة التي باتت تخضع للتأزيم على خلفية التباينات والتعارضات القائمة، بين الأهداف الفلسطينية وتلك الإسرائيلية – الأميركية. ولولا أزمة العلاقات السياسية والتمويلية التي باتت تخضع لها حركة «حماس» مع الوضع الإقليمي ومن قبله الدولي. حتى لم يعد باستطاعة الحركة تصريف أمورها في ظل تأزم العلاقة المتزايدة مع مصر، ومن قبل مع سورية وإيران، على رغم حُسن علاقتها مع التنظيم الدولي لـ «الإخوان المسلمين».

الوضع الوطني الفلسطيني، أكثر احتياجاً اليوم، إلى أبعد من مصالحة بالمفهوم القبلي الفصائلي أو الفئوي، ذلك أن الوطنية الفلسطينية المنقسمة جغرافياً وسياسياً، هي الخاسر الأكبر مما وقع في غزة طوال السنوات السبع العجاف، التي رافقت انقساماً وشرخاً كاد يودي ويطيح الأهداف الوطنية الفلسطينية العليا، وقد جرى استغلالها من جانب الإسرائيليين والأميركيين باللعب على وتر الانقسام (اقتراح دولة موقتة في غزة، ومفاوضات تدور حول اقتراح دولة حكم ذاتي في بعض الضفة الغربية، وبمزيد من الاستيطان الهادف لقطع التواصل الجغرافي بين الدويلتين).

إن عودة التئام الوضع الوطني بالمعنى السياسي المباشر وغير المباشر، تحتم ليس استعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني تحت سقف أوسلو أو بما يتجاوزه، بل استعادة قدرة البرنامج السياسي على تحقيق الأهداف الوطنية العامة تكتيكياً، ومن ثم الانطلاق نحو الأهداف الوطنية الاستراتيجية، وهذا هو مبرر وجود الحركة الوطنية الفلسطينية كحركة تحرر وطني، لها أهدافها وغاياتها العامة التي تخص كل الشعب الفلسطيني في كامل مناطق وجوده. وبما أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب والوطنية الفلسطينية، فالمطلوب منها هي لا غيرها، تحديد سقف هذا البرنامج والسهر على رعايته وتنفيذه وتطبيقه، وصولاً إلى تحقيق المآلات النهائية المنوطة بالوطنية الفلسطينية أرضاً وشعباً وهوية.

لقد خلفت سنوات الانقسام جروحاً لن تندمل بسهولة. لذلك، فإن من أوجب واجبات إعادة المياه إلى مجاريها، إعادة الاعتبار إلى العلاقات الكفاحية بين الأفراد والنخب والفصائل، وبما يتجاوز التحالفات الآنية أو الوقتية، فالتحالفات البرنامجية تقتضي تصليب عود القوى الثورية المكافحة، على قاعدة التزام البرنامج السياسي المتفق عليه، واحترام الأطر التنظيمية والتعددية بروح الديموقراطية، وعدم الاستئثار وإقصاء الكفاءات والمواهب كونها لا تنتمي تنظيمياً إلى تنظيم السلطة.

وبمعنى أوضح المطلوب شراكة وطنية حقيقية بين فصائل العمل الوطني، شراكة تتجاوز قطوع الانقسام وسنواته العجاف التي أفقرت العمل السياسي والتنظيمي والعسكري، ووضعت كل ذلك على الهامش، ولهول ما أسفرت عنه تلك السنوات، أنها لم تفلح على صعيد المقاومة، كما هي لم تفلح على صعيد المفاوضات، بالتالي لا الانقسام أفاد المقاومة، ولا حرية حركة المفاوض الفلسطيني أفادت مفاوضاته مع جبهة الأعداء، المتراصة على هدف إفقاد الوضع الوطني الفلسطيني مجموع أهدافه العامة، وصولاً إلى دولة فلسطينية مستقلة، وضح للمفاوض الفلسطيني ولغيره أن الأهداف الأميركية – الإسرائيلية، لم تكن لتستهدف سوى تفريغ «حل الدولتين» من مضمونه الجوهري بالاحتفاظ بالدولة الإسرائيلية وإكسابها طابع «الدولة اليهودية»، وفي الوقت ذاته إفقاد الدولة الفلسطينية طابعها السيادي المستقل، مجاراة وتطبيقاً لهدف إفقاد الفلسطينيين كشعب هويتهم الوطنية، وهو الهدف الذي سعت إليه الحركة الصهيونية منذ عام 1948، ولم تستطع تحقيقه على رغم مرور ستة وستين عاماً، من محاولات التهويد و «التطوير» والتشريد والترانسفير والتطهير العرقي والأبارتهايد والعنصرية... إلخ من أساليب وفنون الفاشية وتلك التي تعلمتها من قرينتها الحركة النازية.

في المآل الأخير، لسنا أمام مغنم أو مغرم، طالما أن الهدف الأساس الذي يجب السعي إليه، هو تحقيق الوحدة الوطنية بأسطع ما يكون الوضوح، لا السعي نحو مصالحة قبلية أو عشائرية، فما تبلغه القضية الوطنية الفلسطينية اليوم، يحتم بلوغ الوحدة الوطنية من دون لف أو دوران، على عكس المرات السابقة التي سمح خلالها لانتصار التوجهات النخبوية والزبائنية ذات المنشأ والنزعات السلطوية الانقسامية.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".