يحاول محمد أبو ليلة إلقاء نظرة الوداع على أقاربه وتكرارها مرات عدة، يضع يداه اللتان ترتجفان من المشهد المرعب على جثمان طفلة صغيرة عله يعيد نبضات قلبها، كان يلف رأسه بشاش للجروح، وعيونه مليئة بالحزن والألم والدموع، فأعداد الجثامين من حوله بالعشرات، جلهم من الأطفال والنساء، استشهدوا جميعهم في غارة إسرائيلية على منطقة المشاعلة في دير البلح ومخيم الزوايدة.
أكثر من 50 شهيدًا ارتقوا جراء الغارات الإسرائيلية منذ ليلة الأحد وفجر الاثنين (6 نوفمبر 2023) للمنازل السكنية المدنية في المنقطة الوسطى لقطاع غزة، غالبية الضحايا هم من الأطفال والنساء من بينهم الطفلة ريتال شادي أبو ليلة والتي حملها محمد بين ذراعيه من منطقة الثلاجات حتى ساحة المستشفى وصولًا إلى مقبرة دير البلح.
كانت عقارب الساعة تُشير إلى الخامسة من مساء يوم الأحد (5 نوفمبر 2023) عندما ألقت طائرات الاحتلال الإسرائيلي ثلاثة صواريخ على منطقة المشاعلة في دير البلح وسط قطاع غزة، هذه المنطقة التي وصفها شهود عيان لمراسلنا: "مبانيها متلاصقة وجدرانها قديمة جدًا وتكتسي بالاسبست أو الكرميد أو الزينقو، إضافة إلى اكتظاظها بالسكان مما أدى لارتفاع عدد الشهداء والجرحى.
يقول أبو ليلة لمراسل "شمس نيوز": "نزحنا من شمال القطاع إلى جنوب وادي غزة أملًا في الحصول على الأمن والأمان التي زعم الاحتلال توفرهما في منطقة جنوب الوادي؛ لكن الاحتلال لم يفرق بين منطقة آمنة وأخرى مشتعلة بالمواجهات العنيفة مع المقاومين".
ويضيف: "لا يوجد منطقة آمنة في قطاع غزة، فقد استهدفوا منزل قريب من منطقة المشاعلة التي نزحنا إليها وتم تدمير مباني عدة كاملًا في المكان"، مؤكدًا أن الاستهداف الإسرائيلي وقع دون سابق إنذار".
"لم نرى سوى وميض أحمر، وبعضًا من الأتربة والركام تتساقط فوق رؤوسنا"، لحظات مرعبة عاشها محمد والناجين من القصف المرعب قبل أن يجد نفسه في مستشفى شهداء الأقصى ومعه أقربائه بين شهيد وجريح.
بعد ساعتين تقريبًا من مجزرة منطقة المشاعلة، أغارت طائرات الاحتلال الإسرائيلي على منطقة مخيم الزوايدة؛ فاستهدفت مباني سكنية عدة لتدمر حيَّ بالكامل فوق رؤوس المدنيين النائمين في بيوتهم، إذ وصف أبو محمد المشهد بالمرعب جدًا.
يقول أبو محمد: "كان الناس نائمون في منازلهم قبل أن تستهدفهم طائرات الاحتلال الإسرائيلي بوابل من القنابل المدمرة التي حولت منازل جميعها إلى كومة من الركام"، يُشير بيديه أثناء حديثه مع مراسلنا إلى جثامين الشهداء، ثم يعود برأسه ليضيف: "هذه هي أهداف وبنك إسرائيل أطفال صغار ونساء وكبار في السن".
وفي ظل المشهد المرعب تساءل أبو محمد بغضب، ماذا ينتظر العالم حتى يستفيق ضميره ويقف وقفة رجل واحد لمواجهة "إسرائيل"، فالناس في غزة يموتون ويقتلون يوميًا فمتى ستتحركون؟".
اللافت في استهداف منقطة المشاعلة والزوايدة أن الجرحى وصولوا بالسيارات المدنية، إذ تزامنت المجزرتين مع انقطاع الاتصالات والانترنت، الأمر الذي دفع المسعفون لانتظار أول سيارة مدنية لتحديد مكان الاستهداف
يقول أبو رضوان صباح وهو أحد الجيران في منطقة المشاعلة التي تعرضت لاستهداف عنيف: "كنا عاجزين عن الاتصال بسيارات الإسعاف لذلك استخدمنا سيارات مدنية وعندما وصلنا إلى مستشفى شهداء الأقصى أبلغنا المسعفين عن مكان المجزرة لتقوم بدورها.
وأعلنت وزارة الصحة عن استشهاد نحو 50 شخصًا خلال المجزرتين الإسرائيليتين في دير البلح والزوايدة، مؤكدة أن انقطاع الاتصالات والانترنت يؤثر على تحرك سيارات الإسعاف.