عاد الحديث بشأن "الضمانات" المرتبطة بوقف العدوان على غزة إلى صدارة المشهد في انتظار رد المقاومة في غزة، وفي مقدمتها حركة حماس، على الطرح الذي جرت بلورته واعتماده في تفاهمات باريس، أخيراً، لوقف العدوان، وسط تواصل المشاورات على مستويات عدة، سواء بين فصائل المقاومة أو بين الفصائل والقوى الدولية الداعمة لها، وكذلك بين الوسطاء.
وبدا أن هناك استعداداً للقبول بـ"تعليق" لوقف إطلاق النار، تتخلله هدنة تقود في نهاية المطاف إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار.
لكن الحاجة إلى مزيد من التشاور دفعت حركة حماس أخيراً لإرجاء زيارة وفد قيادي رفيع المستوى منها إلى القاهرة، كانت مقررة نهاية الأسبوع الماضي.
وجاءت هذه التطورات وسط تباين بشأن الطرح المقدم، والذي لا ينص صراحة على وقف كامل لإطلاق النار، تاركاً تلك الجزئية لتفاهمات خلال فترة تعليق العمليات العسكرية، وضمانات من الوسطاء، وكذلك إشارات من جانب الإدارة الأميركية بالرغبة في إنهاء الحرب.
المقاومة في غزة ترى خطورة بتسليم الاحتلال أسراه
هذا الأمر يثير قلقاً لدى باقي الفصائل، التي ترى خطورة بالغة في تسليم حكومة الاحتلال أسراها من دون إلزامها بإنهاء العدوان بشكل كامل، ما يجعلها تعاود العمليات العسكرية بعد تخلصها من الضغوط الداخلية التي تفرضها عليها المعارضة وعائلات الأسرى، وربما تكون أكثر شراسة من ذي قبل، مقللين من أهمية الوعود الأميركية، في ظل عدم التزام الاحتلال بأية تعهدات سابقة.
قيادي في "الجهاد": الضمانات المطروحة ربما تكون غير كافية قبل الموافقة على الطرح المقدم إلى المقاومة في غزة
وفي السياق نفى قيادي بارز في حركة الجهاد الإسلامي "وجود أية خلافات مع حركة حماس بشأن التصور المطروح على المقاومة". وقال: "لا توجد خلافات نهائياً، ومن يروج لذلك له أهداف خبيثة"، مضيفاً: "الأمر مجرد مزيد من التشاور وتبادل الآراء والشورى في ما بيننا، في ظل وحدة المقاومة في غزة، في الميدان وعلى المستوى السياسي، والجميع يعرض رأيه موضحاً بالأسباب".
وأكد القيادي في "الجهاد"، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "خلال المباحثات المستمرة مع الإخوة في حماس، نؤكد مبدأ وقف الحرب، وهي الرؤية نفسها التي يتبنونها، حيث إن هناك اتفاقاً على كون التضحيات التي قدمها أهل غزة يجب أن يكون لها ثمن كبير يدفعه الاحتلال لا يقف عند إنهاء العدوان فقط، ولكن يشمل كسر الحصار الذي فرض على القطاع طوال السنوات الـ17 الماضية، وذلك بعد الانسحاب الكامل من غزة، وتسهيل عملية إعادة الإعمار، وتخفيف العبء عن كاهل النازحين والمشردين".
وتابع القيادي: "نرى أن الضمانات المطروحة ربما تكون غير كافية قبل الموافقة على الطرح المقدم إلى المقاومة في غزة، ومن الممكن أن تقبل الحركة بمفاوضات أو وقف للعمليات العسكرية، شرط أن يقود ذلك في نهايته إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار، وكذلك وجود ضمانات واضحة ومنصوص عليها يلتزم بها الوسطاء والإدارة الأميركية".
وقال: "نحن اليوم في أيدينا ما يجعل رقبة (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتنياهو تحت أقدام المقاومة -في إشارة إلى الأسرى- وهو ما يجعله وحكومته والإدارة الأميركية حريصين ويلهثون وراء المقاومة من أجل موافقتها على وقف إطلاق النار وصفقة التبادل، خاصة بعد دخول الحرب شهرها الرابع من دون تحقيقهم أياً من الأهداف التي أعلنوها".
تمسك "حماس" بإنهاء كامل للعدوان
من جهته، شدد قيادي في "حماس" على أنه "لا يوجد تغيير في موقف الحركة"، مؤكداً "تمسكهم بضرورة إنهاء العدوان بشكل كامل".
وقال القيادي بالحركة، مفضلاً عدم ذكر اسمه، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "قراراً مثل إبرام صفقة مع العدو، لا بد أن يُتّخذ بتوافق تام بين فصائل المقاومة كونها شريكة".
وأشار إلى أنه "إذا لم يكن هناك اتفاق منذ اللحظة الأولى على وقف إطلاق نار دائم في أي طرح، فلا بد أن تكون الضمانات المحيطة بذلك واضحة، وهذا ما يجري الاتفاق بشأنه بين الفصائل". وشدد، في الوقت ذاته، على أن "هذا المبدأ لا يوجد حوله أي خلاف، وأن ما يجري حالياً هو مزيد من التباحث لخروج الرد في الشكل المناسب، سواء كان قبول العرض المقدم أو رفضه، إذا لم يلبِ تطلعات شعبنا".
ورجح القيادي في الحركة وصول وفد برئاسة هنية إلى القاهرة في غضون أيام قليلة للتباحث بشأن العرض المقدم، قبل إعلان الموقف الرسمي، لافتاً إلى أن الزيارة ستكون خلال الأسبوع الحالي.
وكان القيادي في حركة حماس أسامة حمدان قال، أول من أمس، إن "النقاش والتشاور حول مقترح الإطار العام، الذي جرى تداوله في اجتماع باريس الرباعي، يرتكز على أساس وصول المفاوضات إلى إنهاء كلّي للعدوان، وانسحاب كامل لجيش الاحتلال إلى خارج غزة، ورفع الحصار عن القطاع، وتأمين إيواء النازحين، وإعادة الإعمار، وإنجاز صفقة تبادل جدّية للأسرى، والإقرار الدولي العمَلي بحق شعبنا في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس".
وأكد حمدان، خلال مؤتمر صحافي من بيروت، أن الحركة "ستكون حيث مصلحة شعبنا الفلسطيني"، مشيراً إلى أنها "على تواصل وتشاور دائم مع كافة قوى وفصائل المقاومة الفلسطينية، لا سيما شركاء ورفاق الميدان والسلاح".
من جهته، أشار نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، في تصريحات صحافية، إلى أن "اجتماع باريس جاء للبحث عن مخرج لإسرائيل من الحرب". وقال إن "المحادثات خلاله جاءت بلغة ملتوية وغير واضحة بشأن الحديث عن هدنة إنسانية تفضي إلى وقف إطلاق النار، لكنهم لم يتحدثوا عن وقف كامل لإطلاق النار وإنهاء الاحتلال". وأكد الهندي أن نتنياهو يسعى إلى "انتزاع ورقة الأسرى الإسرائيليين من يد المقاومة، كي تواصل إسرائيل عدوانها على قطاع غزة".
يأتي هذا فيما أعلنت حركة حماس، في وقت سابق، عن مشاورات جرت بين رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، وكذلك مع نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مزهر، جرى خلالها التباحث بشأن "مبادرات إنهاء العدوان".
وبحسب بيان للحركة، فقد "جرى التشاور بشأن المبادرات لإنهاء العدوان على غزة، والتأكيد على أنّ دراسة المقترح الجديد لوقف إطلاق النار ترتكز على أساس أن تفضي أية مفاوضات إلى إنهاء العدوان كلياً، وانسحاب جيش الاحتلال إلى خارج القطاع ورفع الحصار والإعمار وإدخال كافة متطلبات الحياة لشعبنا وإنجاز صفقة تبادل متكاملة"، مؤكدين أن فصائل المقاومة في غزة "ستكون حيث هي مصلحة شعبنا وحمايته".
دعوة المقاومة في غزة إلى دراسة متأنية قبل الرد
من جهته، دعا دبلوماسي عربي رفيع المستوى المقاومة في غزة إلى دراسة متأنية قبل ردها على الطرح المقدم، مشيراً إلى أن "مصير القضية الفلسطينية، وليس مصير غزة وحدها، بات مرتبطاً بهذا القرار".
وقال الدبلوماسي، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، إنه "يجب أن تكون الضمانات واضحة، ويجب أيضاً أن يعلن الوسطاء بشكل واضح التزامهم بتنفيذها".
وأضاف أن "لدى المقاومة في غزة ضماناتها الخاصة والمتمثلة في قدراتها العسكرية وصمودها 120 يوماً". ولفت إلى "ضمانة هامة متمثلة في مصدر قوة المقاومة الخاص بالأنفاق، حيث إن 80 في المائة منها لم يمس خلال المعارك، وهو ما يعمل له جيش الاحتلال والإدارة الأميركية ألف حساب، وكان له دور كبير في تغيير خطط إدارة (الرئيس الأميركي جو) بايدن".
واعتبر الدبلوماسي العربي أن "المقاومة وحماس ألحقتا بإسرائيل هزيمة استراتيجية على المستويين العسكري والسياسي"، مشيراً إلى أن "ما جرى تحقيقه من مكاسب مهمة للقضية الفلسطينية يجب أن يُؤمّن باتفاق واضح لإنهاء العدوان، وتحقيق مكاسب تحافظ على حاضنة المقاومة الشعبية".
وتعليقاً على عدم إحراز تقدم في التوصل إلى اتفاق حتى الآن، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة مخيمر أبو سعدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الذي يعرقل اتفاق صفقة تبادل الأسرى من جديد هي الخطوط الحمراء لدى كلا الطرفين، فحركة حماس من ناحيتها لديها شروط، وهي أن أي صفقة يجب أن تشمل وقفاً شاملاً ونهائياً لإطلاق النار، وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى خارج حدود قطاع غزة، وإعادة الإعمار"، مشيراً إلى "ما قاله حمدان في ما يخص الحرب".
أضاف أبو سعدة: "من ناحيتها، لا تزال إسرائيل تصر على استمرار الحرب، وأنه من دون تحقيق النصر الكامل والحاسم، كما يقول نتنياهو، فلن يكون هناك وقف لإطلاق النار".
وتابع: "لذلك لا تزال المواقف متباعدة، ولكن على أي حال، ما نعرفه أنه لا يزال يوجد على الطاولة اتفاق إطار -كما قال حمدان-، وليس اتفاق واضح الملامح بخصوص التوصل إلى صفقة تبادل أسرى، ولذلك حتى اللحظة، لا توجد ردود إيجابية".
ورأى أنه "على أي حال، يمكن أن نتوقع، مع زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة، أن يكون هناك تقدم في هذه الصفقة، بحيث يضغط على إسرائيل لقبول اتفاق الإطار، ويضغط على حماس من خلال الوسطاء للقبول بهذا الاتفاق، ولذلك هناك تقدم بسيط، ولكن حتى اللحظة لا توجد موافقة نهائية بسبب الخطوط الحمراء لكل طرف".
بدوره، قال الناشط الفلسطيني -المصري رامي شعث، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "بلا شك، ليست لدينا التفاصيل، ولكن الأزمة الرئيسية هي أن حماس تدرك، مثل كل الشعب الفلسطيني، أن ورقة الضغط الرئيسية هي الأسرى لدى المقاومة في غزة، وبالتالي لا يوجد فلسطيني يقبل بتبادل لهؤلاء من دون ضمانات كافية حول وقف إطلاق نار نهائي ودخول المساعدات وإعادة الإعمار".