يصل القاهرة، اليوم، وفد "إسرائيلي" لبدء جولة جديدة من التفاوض غير المباشر مع المقاومة الفلسطينية، من أجل محاولة التوصّل إلى اتفاق تهدئة. وبالتزامن أيضاً، يصل وفد قطري إلى مصر للشروع في مباحثات «مطوّلة ومعمّقة» من أجل تقريب وجهات النظر بين ما طلبته «حماس» في ردّها على «الاتفاق الإطاري»، وما يريده "الإسرائيليون"، وفقاً لما نقلت مصادر مطّلعة عن مسؤولين مصريين إلى «الأخبار»، وأكّده القيادي في حركة «حماس»، أسامة حمدان، في مؤتمر صحافي في بيروت أمس، إذ أعلن حمدان أنه «في إطار متابعة ما قدّمناه من أفكار، سيتّجه وفد من قياده الحركة برئاسة (نائب رئيسها في قطاع غزة) خليل الحيّة إلى القاهرة»، مضيفاً أن «نتنياهو وحكومته يسعيان بشتّى الطرق، إلى إطالة أمَد العدوان».
وبالفعل، تعتقد أوساط المقاومة الفلسطينية أن «نتنياهو حاول إلقاء مسؤولية فشل المفاوضات على حركة حماس، ولكنه تفاجأ بردّ الحركة الذي اعتبره الوسطاء إيجابياً في العموم، وهو يسعى إلى تصعيد الخطاب، وربّما يتّجه إلى التصعيد ميدانياً لتضييق احتمالات التوصّل إلى صفقة».
لكن، في الوقت عينه، ثمّة في الفصائل من يرى أن «تصعيد نتنياهو الكلاميّ، هو تمهيد للدخول في المفاوضات، وهو يردّ بذلك على مطالب المقاومة، ويدخل التفاوض بسقف مرتفع».
وتأمل مصر وقطر، اللتان بدأتا مشاورات مكثّفة منذ مساء أمس (الأول) الثلاثاء، الوصول إلى صيغة جديدة من الاتفاق في أقرب وقت ممكن. وبينما سيبقى الوفد القطري في القاهرة لمناقشة أمور عدّة، فإن مساحات التوافق بين الجانبين شهدت اتساعاً كبيراً خلال الساعات الماضية، في وقت دخل فيه مسؤولون أتراك على خطوط قنوات الاتصال، بالإضافة إلى مسؤولين سعوديين أبدوا اهتماماً وتفاعلاً غير مسبوقيْن، وسط توقّعات بدور أكبر لأنقرة والرياض في المرحلة المقبلة. وتتوقع القاهرة، التي ترى غالبية التعديلات التي طرحتها «حماس»، «منطقية»، عودة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إليها، في حال التقدّم في المفاوضات، بعد الزيارة التي يجريها للأراضي المحتلة. ويقدّر المسؤولون المصريون، بحسب المصادر، أن «تستغرق المفاوضات الجديدة 10 أيام على الأقلّ، قبل البدء بهدنة ضمن المرحلة الأولى من الصفقة".
في المقابل، وفي مؤتمر صحافي مسائي، قال رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، إنه «لا يوجد حل سوى الانتصار الحاسم وألّا تبقى حماس في غزة مجدداً»، مشيراً إلى أنه أبلغ بلينكن أنه «في اليوم الأول بعد أن ننتهي من هذه الحرب، ستكون غزة منزوعة السلاح ولا وجود لحماس». وبشأن ردّ «حماس»، قال إن «الاستسلام لمطالبها لن يؤدّي إلى تحرير المختطفين (...) وسيجلب كارثة على إسرائيل». لكنه عاد وأشار إلى أنه على الرغم من «(أننا) لم نلتزم بأي وعود في الصفقة المطروحة»، فـ«المفاوضات مستمرّة». وبعد تصريحات نتنياهو، أبدى بلينكن مرونة كبيرة تجاه رد «حماس» الذي ناقشه مع الحكومة "الإسرائيلية"، لافتاً، في مؤتمر صحافي، إلى أن «هناك أموراً من الواضح أنها غير مقبولة في رد حماس. لكننا نعتقد أن ذلك يفسح مكاناً للتوصل إلى اتفاق، ونحن نعمل على ذلك». وأضاف بلينكن: «أعتقد أن رفض نتنياهو مقترح حماس يتعلق بوجود عناصر غير مشجعة فيه». وفي ما خص الوضع في رفح، شدّد على أن «أي عملية عسكرية تقوم بها "إسرائيل" يجب أن تأخذ في الاعتبار المدنيين".
وكان وصف المسؤولون "الإسرائيليون" ما تضمنّه ردّ «حماس»، بـ«المبالغات»، متناولين، في حديث مع نظرائهم المصريّين، طول مدة الهدنة المُقترحة، والتي قالوا إنها «أمر صعب التنفيذ في الوقت الحالي لاعتبارات إسرائيلية داخلية». كما اعترض هؤلاء على مسألة «الانسحاب العسكري الكامل من القطاع»، و«طبيعة تحرّك القوات الإسرائيلية»، معتبرين أنه «أمر يستحيل تحقيقه على أرض الواقع، لكونه مرتبطاً بإعلان هزيمة لا يمكن لأي سياسي إسرائيلي تحمّل تبعاتها».
كما أبلغ الإسرائيليون نظراءهم المصريين بأن «عملية إدخال المساعدات ستتواصل وفق الآليات المتّبعة من دون توقف»، مع الإشارة إلى وجود بعض أعمال التفتيش الإضافية التي قد تستغرق وقتاً، وهو ما سيزيد تعقيد عملية تدفق المساعدات، القليلة أساساً.
وفي السياق عينه، اعتبرت «القناة 12» العبرية أنه «على الرغم من تصريحات نتنياهو، إلا أن "إسرائيل" لم تبلغ قطر ومصر برفضها لمطالب حماس حول صفقة التبادل». وأشارت إلى أنهم «في الكيان يعتبرون أن جواب حماس «غير مرتبط بالواقع» وينتظرون أن تتوصّل الحركة إلى حلّ». لكن القناة قدّرت «أنه إذا تمّ التوصّل إلى اتفاق معقول، فإن الأغلبية في مجلس الوزراء سوف تدعمه".
كذلك، نقل مسؤولون مصريون عن نظرائهم الأميركيين، اعتراض واشنطن على مطالب «حماس»، وهو ما واجهه المفاوضون المصريون، مشدّدين على «ضرورة تبنّي واشنطن لفكرة وقف الحرب لفترة أطول»، مشيرين إلى أنه «يمكن البناء على هذه الفكرة، مع تقديم ضمانات أميركية تفيد التزام "إسرائيل" بوقف أي أنشطة عسكرية في قطاع غزة».
ويواجه الموقف المصري تحدّييْن أساسييْن: أولهما؛ عمليّة عسكرية مرتقبة في رفح، إذ بحسب محلّل الشؤون العسكرية في قناة «كان» العبرية، روعي شارون، فإن «الاستنباط الوحيد في تصريح نتنياهو هو أنه أصدر تعليماته للجيش "الإسرائيلي" بالعمل في رفح، لكن دون ذلك مشكلتان:
1. - هناك أكثر من مليون من سكان غزة في رفح ولم يتقرّر بعد أين سيتمّ إجلاؤهم.
2. - يجب إقناع المصريين للعمل في رفح.
وكلتا المشكلتين تتعلّقان بقرارات على المستوى السياسي "الإسرائيلي"، وفقط بعد حلّهما سيكون الجيش "الإسرائيلي" قادراً على تنفيذ عمليته العسكرية هناك»، بحسب شارون.
وفيما يتخوّف المصريون من توقّف عمل «وكالة الأونروا»، نهاية الشهر الجاري، بعد تعليق عدة دول تمويل الوكالة، ينتظرون الاطّلاع من نظرائهم "الإسرائيليين" على تفاصيل تصوّراتهم لإدخال المساعدات إلى غزة من دون الوكالة الأممية، وذلك خلال النقاشات مع الوفد العسكري الذي يتوقّع أن تستمرّ زيارته للقاهرة لعدة ساعات فقط. كما طلبت مصر من الجانب "الإسرائيلي" التوقف عن «التصريحات غير المسؤولة»، بشأن رفح، معتبرة أن هذه التصريحات «تزيد من تعقيد الأمور»، وسط التشديد على عدم إحداث مخالفات جوهرية لما جرى التنسيق بشأنه خلال الأسابيع الماضية.