غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

الشعب المغربي ومعركة "طوفان الأقصى": الدفاع عن الهوية والتاريخ

شمس نيوز -

راغدة عسيران

تُعتبر الشعوب العربية الحاضنة الأساسية للمقاومة الفلسطينية. منذ بداية معركة "طوفان الأقصى" وحرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، سارعت بعض هذه الشعوب، ومنها الشعب المغربي، الى دعم المقاومة الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني في القطاع ومناطق أخرى من فلسطين، عبر المظاهرات الهائلة التي عمّت معظم المدن المغربية، وعبر الوقفات الاحتجاجية أمام البرلمان المغربي أو المقرات الأممية والقنصليات الأجنبية. وأظهرت الصور المتداولة على المنصات الاجتماعية وكذلك الكلمات والمقابلات أن الشعب المغربي يطالب بوقف الحرب الهمجية الصهيونية، وأنه يدعم المقاومة الفلسطينية في معركتها التحررية، ويطالب حكومته بإنهاء اتقافيات التطبيع مع كيان العدو، باعتبارها عار وخطر في الوقت ذاته، على الشعب المغربي.

أفادت الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، التي تضم عددا من الأحزاب والجمعيات المغربية، أنها نظمت 120 مظاهرة في 58 مدينة دعما لغزة، و"تنديدا بالصمت الدولي والخذلان تجاه المجازر "الإسرائيلية" بحق الفلسطينيين" وذلك للمرة الـ 26 على التوالي، بعد "نصف عام من الإبادة.. نصف عام من الخذلان" وجاء في بيانها أنها مستمرة في الحراك التضامني إلى حين وقف الحرب، ورفضها "المطلق لكل الاتفاقيات التطبيعية مع الكيان في مختلف المجالات".

لم تكتف المظاهرات بإدانة الحرب الصهيونية الهمجية على الشعب الفلسطيني، إذ نظمت "الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع" بالدار البيضاء، في 20 أبريل (نيسان) وللمرة الرابعة على التوالي، وقفة احتجاجية أمام القنصلية الأميركية، استنكارا لمواصلة دعم أمريكا المطلق، ومعها الدول الغربية، لحرب الإبادة التي يشنها هذا الكيان الغاصب على الشعب الفلسطيني لما يقرب من سبعة أشهر. ورفعت شعارات مناهضة للولايات المتحدة خلال الوقفة مثل: "إدانة شعبية.. لأمريكا الإرهابية"، "أمريكا أمريكا أمريكا.. عدوة الشعوب"، و"بايدن يا ملعون.. فلسطين في العيون"، و"يا بايدن يا كذاب.. أمريكا رمز الإرهاب". رغم منع المتظاهرين من تسليم رسالة احتجاج الى القنصلية، من قبل الأمن المغربي، أوضحت هذه الرسالة "الدور الانحيازي والمشارك للولايات المتحدة الأمريكية في الحرب على غزة، وهو دور متعدد الأبعاد بين الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والدبلوماسي، وتقديم كل أشكال الخبرات التكنولوجية والمعلومات الاستخباراتية" الى كيان العدو".

لم يسلم المتظاهرون المغاربة من القمع المؤسساتي، منذ اليوم الأول. لقد اعتقلت القوات الأمنية المغربية العشرات من المناضلين الذين يرفضون التطبيع ويدعمون المقاومة الفلسطينية، وهذا ما لا تتحمله السلطات المغربية، التي ربطت الاتفاقيات التطبيعية الأخيرة التي جاءت في سياق "اتفاقيات ابراهام" (التطبيع الرسمي)، بمسألة الصحراء الغربية، أي أنها ربطت "الوحدة الوطنية" بالصهيونية، كما يقول د. عزيز هناوي الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، ما مفاده، "أنت ضد التطبيع يعني أنت ضد الصحراء، وهذا الفخ الأكبر".

يتميّز المغرب عن سائر الدول العربية، فيما يخص القضية الفلسطينية، بمجموعة نقاط أبرزها: النقطة الأولى هي الارتباط العقدي والمعنوي والتاريخي بين شعوب المغرب العربي عموما وفلسطين والقدس. يؤكد د. هناوي أن العلاقة بين المغرب (الكبير) وفلسطين ليست علاقة "تعاطف"، الرابطة أكبر، تتجلى بالذاكرة الجمعية والسردية التاريخية. فلسطين هي عقيدة أولا، ثم كانت القدس والخليل هدفا مهما وأساسيا خلال الحج، و"المغربي يجمع بين الخليل والقدس"، وهناك الأوقاف للحجاج في المدينتين. تاريخيا، "استنجد صلاح الدين بالموحدين المغاربة" (لكنس الصليبيين)، وكان هناك حارة المغاربة، و"باب النبي" سابقا هو باب المغاربة. فأول جريمة صهيونية بحق العمران بعد احتلال القدس تمثل بهدم حارة المغاربة".

النقطة الثانية هي وجود جالية صهيونية من أصل مغربي، قديمة في الكيان المحتل، لها ارتباطات عائلية ومجتمعية واقتصادية مع الجماعة اليهودية في المغرب، والثالثة هي مسالة الصحراء التي تحظى بإجماع شبه تام لدى الشعب المغربي، فكانت الخدعة التي بسببها ظاهريا تم توقيع اتفاقية التطبيع الرسمية بين المغرب وكيان العدو. والرابعة هي قدم التطبيع بين النظام المغربي وكيان العدو، إذ كان تطبيعا سياسيا واقتصاديا غير رسمي، والنقطة الخامسة، هي طبيعة النظام المغربي القمعي المرتبط بالنفوذ الأجنبي، الفرنسي خاصة، كما أكّده اغتيال المناضل الوطني الكبير المهدي بن بركة (أكتوبر 1965)، والذي انتج نخبة ثقافية واقتصادية متغربة ومتفرنسة، تسهّل التطبيع المجتمعي مع كيان العدو.

اليهود في المغرب

خلافا للدول العربية المطبّعة، ارتبط المغرب بالحركة الصهيونية، وثم بالكيان الصهيوني باكرا، من خلال الجماعة اليهودية المغربية التي كانت وما تزال جزء منها، تعيش في المغرب، كما أن هذه الجماعة اليهودية المغربية كان مسارها مختلفا عن مسار الجماعات اليهودية التي عاشت في المغرب العربي (الجزائر وتونس خاصة).

في كتابه "يهود المغرب، تاريخهم وعلاقاتهم بالحركة الصهيونية" (2007)، كشف د. أحمد الشحات هيكل أن الهجرة الفعلية اليهودية من المغرب الى كيان العدو لم تبدأ قبل الحرب العالمية الثانية، لكن كان اليهود المغاربة بعلاقة مع المنظمات الصهيونية في الغرب (فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا) منذ تأسيس الحركة الصهيونية. كان اليهود المغاربة يدفعون الأموال (الميسورين منهم) الى الحركة الصهيونية عن طريق شراء "الشيقل" و"أسهم استيطان الأراضي". كان توجههم مسيحاني أكثر من سياسي: "مجمل القول، إنه لم تكن توجد صهيونية بشقها السياسي العلماني في أوساط يهود المغرب، وإنما كانت توجد صهيونية تحمل طابع الخلاص المسيحاني، حيث نظر الى الصهيونية على أنها استمرار لليهودية".

خلال فترة الاحتلال الفرنسي الذي انتهى عام 1956، حاربت الإدارة الفرنسية الحركة الصهيونية المغربية لكونها حركة دينية وليست علمانية، ورفضت منح الجنسية الفرنسية الى اليهود المغاربة كما فعلت في الجزائر. يقول د. عزيز هناوي إن "فرنسا كانت تريد اليهود لصالحها"، ما سهّل لاحقا توجههم الى كيان العدو. فكانت ضد تهجيرهم الى الكيان الصهيوني، ولكن، فيما بعد، شاركت المدارس الفرنسية، لا سيما "الأليانس"، في صهينة اليهود المغاربة، الى جانب "الاتحاد الصهيوني في المغرب"، الذي "افتتح فصول لتدريس اللغة العبرية، حيث تلقى التلاميذ محاضرات عن تاريخ الاستيطان والفكرة الصهيونية".

يقسم د. أحمد الشحات هيكل عملية تهجير اليهود المغاربة الى فلسطين، قبل وبعد إقامة الكيان الصهيوني، الى 5 مراحل، تبدأ المرحلة الأولى عام 1947، أي قبل استقلال المغرب، والمرحلة الخامسة عام 1964. تولى جهاز الموساد الصهيوني ترتيب التهجير، وتم الاتفاق مع فرنسا بأن يكون سريا لعدم إثارة غضب الملك والقوى الوطنية. بعد استقلال المغرب في العام 1956، ورغم تاريخ الحركة الوطنية المغربية التي لم تميّز بين المسلمين واليهود، قرّرت جماعات يهودية، من المدن والقرى، الالتحاق بالكيان، لأسباب عدة، منها تخوّفها من الحركة الوطنية، والأزمة الاقتصادية في المغرب. فكانت الهجرة انتقائية، أي تم ترحيل الشباب بين 12 و14 سنة خاصة، لتعليمهم مبادئ الصهيونية وجعلهم جنودا للكيان. ثم جاء الضغط الغربي على السلطات المغربية لتسريع عملية التهجير بعد غرق سفينة مهاجرين سريين كانت قد أبحرت باتجاه اسبانيا، واتهام السلطات المغربية بالمسؤولية. "بلغ عدد الذين هاجروا من المغرب بين 1948 و1963 نحو 200 ألف و347 يهوديا، وفق إحصائيات الوكالة اليهودية" ويشير د. هناوي الى أن 260 ألف يهودي مغربي التحقوا بالكيان الاستيطاني فيما لم يبق في المغرب إلا بضعة آلاف، وهكذا تم بتر مكوّن ديني من المجتمع المغربي.

بسبب ضعف السلطة المركزية المغربية وتبعيتها للدول الامبريالية، يسعى الكيان الصهيوني لزعزعة وحدة المجتمع من خلال "أسرلة" اليهود المغاربة الباقين، من جهة، وبتر مكوّن آخر من المجتمع وصهينته، المكوّن الأمازيغي (البربر)، من جهة أخرى.

يفسّر د. هناوي أن هذا السعي ليس جديدا، بل ظهرت بوادره قبل عقود من الزمن، والتطبيع الرسمي جاء ليكرّس عملية تفكيك المجتمع وأنه "رافعة لتزوير الهوية والتاريخ". يضيف أن هناك عملية مغربة "الإسرائيليين من أصل مغربي" عبر اعتبارهم "مواطنين مغاربة" يدخلون الى المؤسسات الرسمية ويتلاعبون بها لصالح كيان العدو، الى جانب "أسرلة" اليهود الباقين واعتبارهم مواطنين "إسرائيليين" يجب حمايتهم، بالإضافة الى صهينة الأمازيغ باعتبارهم أصل اليهود المغاربة والسكان الأصليين في المغرب، أي "ربط اليهود المغاربة بالأمازيغ، وربط الصهيونية بالأمازيغية من البوابة اليهودية"، ما يعني أن هناك عملية تزوير للتاريخ والهوية، وذلك بمشاركة نخب كوّنتها الدولة الفرنسية لضرب وحدة المجتمع المغربي. لهذه الأسباب، يصرّح د. هناوي "نحن ضد التطبيع من أجل المغرب ثم من أجل فلسطين".

مسألة الصحراء الغربية

وقعت المملكة المغربية على اتفاقية التطبيع مع كيان العدو(10/12/2020)، بمشاركة الولايات المتحدة التي تعهّدت بالاعتراف بسيادة المغرب على منطقة الصحراء الغربية، إلا أن وصول الديمقراطيين الى الحكم في الولايات المتحدة عقّد الأمر ولم يحصل المغرب، الى الآن، على هذا الاعتراف. واليوم، تنبّه المغاربة الى أن مسألة الصحراء لم تكن إلا خدعة من جانب الصهاينة والموالين لهم في الولايات المتحدة والمغرب، لمنع التحركات الشعبية ضد التطبيع، حيث تم ربط التطبيع بما يسمى "الوحدة الوطنية" (أي سيادة المغرب على الصحراء الغربية)، وبسبب مسألة الصحراء، وافق سعد الدين العثماني، الذي شغل منصب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (مقرّب من الأخوان المسلمين) بين 2004 و2008، على هذه الاتفاقية حين كان يترأس الحكومة (2017-2021)، ما أدى الى سقوط الحزب في الانتخابات التشريعية، إضافة الى أسباب أخرى.

تشكّل مسألة الصحراء الغربية بؤرة توتر في المغرب العربي وإفريقيا بشكل عام، وتمنع توحيد الجهود لمواجهة النفوذ الأجنبي والصهيوني في القارة. ومنذ اتفاقية التطبيع الرسمي بين المغرب وكيان العدو، تدفّق المسؤولون الصهاينة الى المغرب وتم التوقيع على عدة اتفاقيات أمنية وعسكرية، ما صعّد التوتر بين المغرب والجزائر، البلد الداعم لجبهة البوليساريو في الصحراء. يؤكد الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم الجزائرية، د.عبدالرزاق مقري ان التطبيع المغربي مع كيان العدو يشكّل تهديدا للجزائر أيضا، "لأن أي بلد تتواجد "إسرائيل" على حدوده، ليست مسالة بسيطة.. هذا يشكّل خطرا استراتيجيا.. دفع ثمنه مغربيا حزب العدالة والتنمية".

واليوم، اجتمعت الأحزاب المغربية، الإسلامية واليسارية وغيرها، لمساندة الشعب الفلسطيني في معركته التحررية، مطالبة بوقف التطبيع الرسمي وغير الرسمي مع الكيان الصهيوني الذي نهش المجتمع المغربي ويهدّد تماسكه. لكن، كما يقول د. المقري، ما زالت الأحزاب العربية، بما في ذلك الإسلامية، تعمل تحت سقف الأنظمة، ولم تتجرأ الى الآن، اختراق هذا السقف، وابتداع أساليب جديدة لنصرة المقاومة الفلسطينية، شعبيا ونخبويا. يتطلب هذا الاختراق التخلص من التبعية الفكرية والاقتصادية للغرب الاستعماري، ومحاصرة النخبة المرتبطة به، والتمسك بالمبادئ الأخلاقية والدينية والوطنية مهما كانت التحديات.