غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

مع بداية العام الجديد.. قطاع غزة بلا مقاعد دراسية ولا طلاب

مدارس غزة.jfif
شمس نيوز - مطر الزق

تحمل الطفلة نور فوق رأسها صينية ممتلئة بأقراص من العجين، بينما يداها اللتان اكتستا بالسواد تُمسك بجنبات الصينية بقوة؛ خشية من السقوط أثناء مرورها فوق حفر أحدثتها صواريخ الاحتلال، واغرورقت عيناها بالدموع، في اللحظة التي سألها مراسلنا عن اشتياقها للعودة إلى مقاعد الدراسة تزامنًا مع عودة زملائها الطلبة من الضفة الغربية المحتلة لمقاعدهم الدراسية للعام الجديد (2024-2025).

الطالبة "نور الرزي" هي واحدة من بين نحو 650 ألف طالب وطالبة في قطاع غزة حرموا من الدراسة للعام الثاني على التوالي؛ بسبب استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في القطاع منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي، والتي أدت لاستشهاد أكثر من 11500 طفل فلسطيني في سن التعليم المدرسي، وإصابة عشرات الآلاف من الأطفال بجراح وإعاقات جسدية وصدمات نفسية، كما أدت إلى استشهاد أكثر من 750 موظفاً من العاملين في حقل التعليم وأصيب الآلاف.

تحاول الطالبة “نور الرزي” (13 عامًا) ضبط توازنها الذي اختل نتيجة الحالة النفسية والشعورية التي أصابتها عندما سمعت بانطلاق العام الدراسي الجديد في الضفة الغربية المحتلة، واتكأت على حجر ألقته صواريخ الاحتلال بين الطرقات لتبرز هزل أقدامها، بهدف الحفاظ على صينية العجين وعدم إسقاطها حيث ينتظرها نحو 5 أشقاء في الخيمة ليسدوا جوعهم.

تردد “نور” بين شفتيها المرتجفة كلمات مؤثرة ومؤلمة تُعَبر عن عمق الاشتياق للعودة إلى مقاعد الدراسة، وهي تقول: "يا الله قديش اشتقت لصديقاتي وزميلاتي اشتقت لمريول المدرسة والقرطاسية ورائحة الكتب والدفاتر، من المفترض اليوم أن التقي بصديقاتي وألعب معهم، وكان قلبي سيمتلأ بالفرحة والسعادة، وكان يفترض أن أرى معلماتي واستمع لتوجيهاتهن".

توقفت “نور” بُرهة من الوقت لتعود إلى الواقع المُر مع صياح أحد الأطفال المارة وسط الخيام المتناثرة هنا وهناك لتردد: "أترى -تشير بإصبع السبابة إلى طفل حافي القدمين وملابسه مهترئة- هذا هو حالنا، هذه بيئتنا الحالية نبحث عن الماء والطعام منذ بداية الشمس ونركض وراء التكيات، لقد نسيت العلم والدراسة ولم أعد أذكر شكل القرطاسية، حتى رائحة الألوان نسيتها".

تهتم الطالبة نور بتفاصيل لباسها والتدقيق على صينية الخبز كل ثانية لتبين بأن الطلبة في قطاع غزة جل اهتمامهم اليوم هو تعبئة المياه والبحث عن الطعام وجمع الحطب والأوراق والنايلون لطهي الطعام، فلا وقت لديهم للدراسة أو تقليب الكتب والبحث في حقائبهم الدراسية عن الأقلام -والمحاية والبراية- لأن كل ثانية تعني حياتهم.

على ناحية أخرى من زوايا المخيم التي تحولت أرضيته لأخاديد لمجرى المياه الملوثة بين الخيام، يحاول الطالب “رائد البطنيجي” فك شيفرة الحروف المكتوبة على ورقة تبللت بالمياه، وبدأ يتأتئ بالقراءة؛ ليكمل الجملة بعد مضي بعض من الوقت إذ تقول الورقة: "من هو أول من آمن بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم من الصبيان؟".

وضع الطالب “رائد” (7 أعوام) كفَّ يساره على رأسه باحثًا عن الإجابة دون أن يعثر عليها، فيجيبه مراسلنا بابتسامة رقيقة "هو علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-"، ابتسم رائد وبانت أسنانه البيضاء ولمع شعاعٌ في عينيه متسائلًا: "كيف بدنا نقرأ ونتعلم والحرب مستمرة، نفسي أرجع للمدرسة لكن المدرسة دمرها الاحتلال، أنا بحب أنس وإبراهيم ومحمد ونبيل أصدقائي إلي استشهدوا في الحرب".

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام

ببراءة الطفولة المفقودة بل المدفونة في قطاع غزة يلفت الطالب “رائد” إلى أن هذه السنة الثانية التي تضيع من أعمار الطلبة دون مدارس وجامعات، فيقول: "المفروض أقعد في المدارس وانتقل من مرحلة لمرحلة تدريجيًا لأستطيع تلقى العلم والقراءة والكتابة كأمي وأبي وجميع إخوتي".

لا يخفي “رائد” حزنه الشديد لضياع عام دراسي مضى وعام قادم، فقال بحزن شديد: "نريد أن نتعلم كباقي طلاب العالم، احنا أطفال من حقنا أن نمارس العلم وننجح ونصل لأعلى المراتب. أنا بدي أصير دكتور كيف بدي أحقق حلمي والحرب مستمرة بلا توقف".

تزامنًا مع انطلاق العام الدراسي الجديد (2024-2025) في الضفة الغربية المحتلة أطلقت وزارة التربية والتعليم موقعًا إلكترونيًا للطلبة النازحين في قطاع غزة للعودة إلى الدراسة؛ لكن طلقة إسرائيلية واحدة قادرة على أن تفشل هذا القرار من جذوره.

“محمد عبد الكريم” وهو أحد المعلمين في المدارس الحكومية أستشاط غضبًا عندما سمع بإطلاق موقع إلكتروني، لأسباب عدة من ضمنها أن قطاع غزة يشهد حرب إبادة منذ السابع من أكتوبر الماضي وما يصيب المواطن من تداعيات تلك الحرب من نزوح واستهداف واستشهاد وإصابات وتدمير وانقطاع للإنترنت والكهرباء.

يدرك المعلم “محمد” أن انقطاع الطلبة عن الدراسة للعام الثاني على التوالي سيؤثر على تحصيلهم العلمي، مشيرًا إلى أن استمرار الحرب يؤدي إلى تجهيل الطلبة والتأثير على وعيهم وتحصيلهم العلمي وأخلاقهم وتربيتهم، إذ تعد المدرسة هي الركن الأساسي الأول في التربية.

 

عشرات المدارس دمرت

وتعمد الاحتلال الإسرائيلي استهداف عشرات المباني المدرسية والإدارية؛ ما تسبب بخروج نحو 92% منها عن الخدمة، وقد ذكر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في تقريرٍ له،  أن الاحتلال استهدف خلال الشهر الأخير فقط 16 مبنىً مدرسيًا، ما تسبب بتدميرها واستشهاد وإصابة مئات النازحين.

ودعت وزارة التربية والتعليم في قطاع غزة الأممَ المتحدة والحكومات والمنظمات والمؤسسات الدولية للتدخل العاجل لحماية الأطفال في قطاع غزة من سادية هذا المحتل وتعطشه لدمائهم واستمرار حرمانهم من حقهم في الأمن والحماية والتعليم.

وأشارت التربية في بيان لها، إلى أن أقل ما يمكن تقديمه في ظل استمرار العدوان، وعدم وضوح آفاق وفرص وقف إطلاق النار، هو التدخل العاجل من كافة الجهات؛ لتوفير مساحات تعليمية وترفيهية آمنة للأطفال في كافة مناطق قطاع غزة، والضغط على الاحتلال لإدخال المواد اللازمة للتعليم في أوقات الطوارئ، كالغرف الصفية المؤقتة وملحقاتها والقرطاسية والمواد والوسائل التعليمية.

وأكدت الوزارة أنها تعمل مع كافة الشركاء وفق الإمكانات المتاحة على تفعيل عدد من الخيارات والبدائل التربوية والتعليمية، والتي يتم من خلالها تنفيذ عدد من الأنشطة التعليمية والترفيهية وبرامج الدعم والتفريغ النفسي داخل مراكز الايواء وخارجها.

اخترنا لكم: مقاومةٌ طِبِيَّةٌ.. "إبراهيم خلف" يكافح الأمراض الجلدية بتركيبٍ دوائيٍّ فريدٍ!