غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر لماذا لا يحتاج الإسلام إلى إصلاح؟

مهدي حسن – الغارديان (ترجمة: كريم محمد)

في الأشهر الأخيرة، ترددت دعوات متكرّرة لإصلاح الإسلام، وهو الدين الذي يبلغ 1400 عام. “نحن نحتاج للإصلاح الإسلامي“، هكذا دعت النيوز ويك. وقالت الهفينجتون بوست: “الإسلام يحتاج إلى الإصلاح من الداخل“. وبعد مجزرة يناير بباريس، أشارت الفينانشيال تايمز إلى الموجودين في الغرب، والذين يعتقدون أنّ الرئيس المصري العلماني، عبد الفتاح السيسي، “يمكن أن يكون بمثابة مارتن لوثر العالم الإسلامي“. بيد أنّ هذا قد يكون صعبًا؛ لأنّ السيسي، وذلك وفقًا لما قالته هيومن رايتش ووتش، قد ساعد في هجمات قاتلة متعمّدة على المحتجّين السلميين، والتي قد تصل إلى “جرائم ضدّ الإنسانيّة”.

ثمّ هناك أيان حيرسي علي؛ وهي المؤلّفة صومالية الأصل، الملحدة، والمسلمة السابقة، وقد أصدرت كتابًا جديدًا يُسمّى: “الملحد: لماذا يحتاج الإسلام إلى إصلاح حاليًا؟“. وقد كانت تخرج على شاشات التلفاز، وعلى صفحات الرأي، لحثّ المسلمين، بشقيهما الليبرالي والمحافظ، للتخلّي عن بعض معتقداتهم الدينية الجوهريّة/ الأساسيّة، ريثما يتمّ الاصطفاف وراء لوثر مسلم. وسواء سوف يستجيب عمومُ المسلمين بشكلٍ إيجابيّ أم لا لدعوة الإصلاح من امرأةٍ وصفت إيمانهم بأنّه “مدّمر” و”عبادة عدميّة للموت” ينبغي أن تُباد، ورشَّحت بنيامين نتنياهو لنيل جائزة نوبل للسلام؛ فهذا أمرٌ آخر.

ليست هذه السردية بوليدة اللحظة. فهناك كاتبُ رأيٍ شهير بصحيفة النيويورك تايمز، هو توماس فريدمان، دعا إلى إصلاحٍ إسلاميّ يرجع إلى عام 2002م، وتتبّع الأكاديميّان الأمريكيّان تشارلز كريزر وميشيل برويرز أصول هذا “الإصلاح الموازي” إلى وقتٍ مبكّر من القرن العشرين، مشيرين إلى أنّ الصحفيين المُحافظين كانوا شغوفين، كما الأكاديميين الليبراليين، بالبحث عن مارتن لوثر مسلم.

وكما يبدو، فإن أيّ امرئٍ يريد أن يربح الحرب ضدّ التطرّف العنيف ويحفظ بيضة الإسلام، فضلًا عن تطوير الشرق الأوسط الراكد؛ ينبغي أن يكون في مصافّ هذه العمليّة. وعلى كلّ حال، وكما تقول الحجّة، فإنّ المسيحيّة قد أنجزت الإصلاح الديني، والذي أتبعه التنويرُ بالعلمانيّة والليبراليّة والديمقراطيّة الأوروبيّة الحديثة. فلماذا لا يستطيع الإسلام عمل الشيء نفسه؟ ولا يقدّم الغرب مساعدته في ذلك؟

بيد أنّ الحديث عن إصلاحٍ على غرار النموذج المسيحي للإسلام فيه الكثير من النفاق. ودعونا ننظر في فكرة “مارتن لوثر مسلم”. لوثر لم يكن مجرّد حامل 95 رسالة إلى باب كنيسة القلعة في فيتنبرغ عام 1517، أو فقط عارضَ انتهاكات رجال الدين داخل الكنيسة الكاثوليكيّة. فهو، أيضًا، طالب بأن يُضرب الفلاحون الثائرون الألمان ضدّ الأسياد الإقطاعيين بالرصاص، مُماثِلًا إيّاهم بـ”الكلاب المسعورة”، كما أنّه اختلقَ على اليهود أكاذيب في 1543؛ حيث اعتبرَ اليهود كـ”أهل الشيطان”، ودعا إلى تهديم منازلهم ومعابدهم. وكما لاحظ السوسيولوجي الأمريكيّ وعالِم الهولوكوست رونالد بيرجر، فإنّ لوثر ساعدَ على ترسيخ معادة السامية بوصف ذلك “العنصر الأساسيّ للثقافة وللهويّة الوطنية الألمانيتين“. ولذلك، يصبح من العسير أن يكون (يقصد لوثر) نموذجًا للإصلاح والحداثة عند المسلمين في 2015.

وأيضًا، فإنّ حركة الإصلاح البروتستانتيّة فتحت الباب على مصراعيه لسفك الدماء بشكلٍ لا مثيل له على مستوى القارّة بأكملها. هل نسينا الحروب الدينية الفرنسيّة؟ أو الحرب الأهلية الإنجليزية؟ عشرات الملايين من الأبرياء ماتوا في أوروبا، وأكثر من أربعين بالمئة من سكّان ألمانيا يُعتقد أنّهم قد قُتلوا في سنوات الحرب الثلاثين. فهل ما نُريده هو عالم ذو أغلبيّة مسلمة بالفعل، مُبتلى بالصراعات الطائفيّة والاحتلال الأجنبيّ ويحمل للآن إرثًا كبيرًا من الاستعمار، وكلّ ذلك باسم الإصلاح والتقدم بل والليبراليّة؟

ليس الإسلام كالمسيحية. الديانتان غير متشابهتين، وهناك مَن هو جاهلٌ بعمق، يروّج لخلاف هذه الرؤية، أو لمحاولة فرض رؤية أوروبيّة للتاريخ بشكلٍ خطيّ على أغلبيّة الدول المسلمة المختلفة في آسيا أو إفريقيا. كلُّ دينٍ له تقاليده الخاصّة ونصوصه، وأتباع كلّ دين يتأثرون بالجغرافيّة السياسيّة والعمليّات الاجتماعيّة والاقتصاديّة بطرق شتّى وكثيرة. إن لاهوت الإسلام ولاهوت المسيحيّة عالمان متباعدان، بشكلٍ استثنائيّ؛ فالأوّل، على سبيل المثال، ليس لديه طبقة رجال دين على غرار طبقة رجال الدين الكاثوليك تُذعن لبابا معيّن إلهيًّا. لذا؛ فمَن الذي سوف يستهدفهم “الإصلاح الإسلامي“؟ وعلى أيّ بابٍ ستُحمل الـ95 رسالة؟ (يقصد رسائل مارتن لوثر كينج).

الحقيقة هي أنّ الإسلام قد حقّق أنواعًا خاصّة من الإصلاح، بمعنى تجريد التراكمات الثقافيّة، وعمليّة التنقية المُفترضة له. لم ينتج الإسلام إسلامًا متسامحًا ولا تعدّديًا، ولا مدينة فاضلة، أو دولًا أسكندنافية على الفُرات. بدلًا من ذلك، أنتج المملكة العربيّة السعوديّة.

لم يبدأ الإصلاح منذ منتصف القرن الثامن عشر بالضبط، عندما جاء محمد بن عبد الوهاب. فماذا عرض على جماهير الجزيرة العربيّة، خطيب المتجوّلين هذا الذي تحالف مع آل سعود؟ لقد عرضَ عليهم إسلامًا متقشّفًا يُطهّر مما يعتقده بِدعًا، والذي خالفَ قرونًا من المدارس الدينية والآراء المترسّخة، ورفض سلطة العلماء التقليديّة أو السلطات الدينية.

قد يجادل البعض لو أنّ أحدًا يستحقّ لقب “لوثر مسلم“، فإنّه محمّد بن عبد الوهاب الذي هو في نظر ناقديه، شاركَ لوثر في تزّمته مع كراهية الراهب المسيحي تجاه اليهود. ابن عبد الوهاب مثار جدل في العقيدة الإسلاميّة، يكتب مؤلّف سيرته الذاتية ميشيل كاروفرد: “أدانَ كثيرًا من الإسلام [السائد] في عصره“؛ مما أدّى إلى طرده من عائلته لهرطقته.

لا تسئ فهمي. بالطبع، يحتاج العالم ذو الأغلبية المسلمة، والذي يعاني، إلى الإصلاح: سياسيًّا، واجتماعيًّا واقتصاديًّا، ونعم، دينيًّا أيضًا. المسلمون يحتاجون إلى إعادة اكتشاف تراثهم التعدّدي، فالتسامح والاحترام المتبادل يتبدّى، مثلًا، في خطاب الرسول إلى رهبان دير سانت كاترين، أو تعايُش القرون الوسطى في إسبانيا المسلمة.

لذلك؛ فهم لا يحتاجون إلى دعوات كاذبة لإصلاحٍ إسلاميّ من غير مسلمين أو من مسلمين سابقين؛ لأنّ الإلحاح على ذلك يوضّح كم هي دعوات ضحلة ومُغرقة في التبسيط، وكيف أنّها غير تاريخيّة بل وضدّ التاريخيّة، وذلك من قبل بعض القادة الغربيين المعلّقين بشأن هذا الأمر. إنّها من أسهل ما يمكن بالنسبة إليهم؛ لأنّها، ظاهريًا، تبدو لتجفيف الجدالات المُحتدمة حول التطرّف العنيف، لتصل إلى مجموعة من الكليشيهات والشعارات وبعض الموادّ المسجّلة، بدلًا من التنقيب عن الأسباب الأصليّة أو النزعات التاريخيّة لذلك؛ فالأسهل أن يظل المتطرّفون ونقّاد الإسلام كما هُم، في حين يتمّ تجاهل تيار علماء الإسلام والأكاديميين والنشطاء.

فقد قوبلت حيرسي علي، على سبيل المثال، بسلسلة من الإطراءات والأسئلة خفيفة الظلّ في مقابلاتها مع وسائل الإعلام الأمريكية، من نيويورك تايمز إلى فوكس نيوز. ومن المُحبط، أن إعلاميًّا كوميديًّا هو جون ستيورات في برنامجه اليومي كان قد أشار إلى حيرسي على أن بطلها الإصلاحيّ (يقصد لوثر) أراد “نموذجًا أنقى من المسيحيّة“، وساعد على إنتاج “آلاف السنين من العنف والفوضى“.

واعتذارًا للوثر، لو أنّ أحدًا أراد فعل نفس الشيء في دين الإسلام اليوم، فإنّه قائد “تنظيم الدولة الإسلاميّة” أبو بكر البغدادي الذي "ينهب ويغتصب" تحت ذريعة “نموذج أطهر” للإسلام -والذي، بطبيعة الحال، لم يكن من مناصري اليهود، على حدّ سواء. وهؤلاء الذين يطالبون ويصرخون -بتبسيط شديد-، من أجل إصلاحٍ إسلاميّ؛ لا بدّ أن يكونوا حذرين من أمنيتهم هذه.

المقال يعبر عن رأي كاتبه