بات الحصول على أي نوع من الدواء في محافظة شمال قطاع غزة المحاصرة مهمة شاقة وشبه مستحيلة، وتحتاج إلى جهد ومخاطر جمة.
وازدادت هذه المهمة تعقيداً بعد مرور أكثر من 75 يوماً على العملية الإسرائيلية العميقة في المحافظة وتدميرها المنظومة الطبية بالكامل، وعدم سماحها بإدخال أي نوع من الأدوية إليها.
وعدا الوفيات الكثيرة التي طالت المرضى وغيرهم بسبب نقص الأدوية، أصيب ما تبقى من مرضى ومواطنين في المنطقة بمضاعفات صحية وخصوصاً بين المسنين والأطفال والمصابين بالأمراض المزمنة بعد نفاد جميع الأدوية من منازلهم وأي مكان آخر.
ويضطر المواطنون إلى المجازفة والمخاطرة والذهاب إلى مناطق في مدينة غزة للحصول على الأدوية، ومن ثم العودة في ظل مخاطر شديدة تحدق بهم نتيجة الحصار المحكم الذي تفرضه قوات الاحتلال على المنطقة.
وحتى في مناطق مدينة غزة لا تتوفر معظم الأدوية وتشهد أسعار ما توفر منها ارتفاعاً مهولاً يصل إلى أكثر من عشرة أضعاف سعرها ما قبل العدوان.
فمثلاً تباع حبة المسكن الواحدة بعشرين شيكلاً مقابل شيكل واحد قبل الحرب، فيما تشهد أسعار المضادات الحيوية المتوفرة أيضاً ارتفاعاً كبيراً.
ويفقد معظم المواطنين في المنطقة القدرة المادية على شراء الأدوية بسبب ارتفاع أسعارها كما هو الحال مع المواطن ديب العسلي، والذي يحتاج بشدة لأدوية خاصة بطفله الصغير الذي يعاني من أمراض أصابت عينيه وصدره.
وأوضح أنه بالكاد يستطيع توفير الحد الأدنى من العلاج لابنه لإبقائه على قيد الحياة بسبب صعوبة تحركه وخروجه من جباليا.
وقال العسلي لـ"الأيام": إنه ومنذ الاجتياح الإسرائيلي للمنطقة تمكن من الخروج ثلاث مرات فقط باتجاه مدينة غزة، تمكن خلالها من توفير اقل من الحد الأدنى من الدواء لطفله الذي لم يتجاوز العامين.
أما المواطن حاتم الفحام فلم يستبعد أن يفقد حياة اثنين من أبنائه خلال أيام، في ظل النقص التام في الأدوية الخاصة بعلاج مرضهم المزمن الناتج عن النقص المتواصل في البوتاسيوم.
وأوضح أن الأطباء اخبروه بأن ابنيه قد يفقدان حياتهما في أي وقت إذا لم يتناولا الأدوية اللازمة.
وبين الفحام لـ"الأيام" انه وحتى اللحظة يعجز عن توفير العلاج لنفاده من الشمال ومدينة غزة.
أما المريضة ليلى رجب فتعاني هي الأخرى من عدم قدرتها على شراء الأدوية المتقدمة الخاصة بعلاج مرض السكر المرتفع.
وقالت لـ"الأيام": لا يتوفر هذا العلاج في أي نقطة طبية، فيما يتوفر في السوق السوداء بأسعار مرتفعة تصل إلى أربعة أضعاف ما كان عليه قبل الحرب.
وأوضحت أنها تضطر إلى تناول أدوية بدائية للتخفيف من حدة ارتفاع السكر في الدم ولكن دون جدوى.
وأخطر ما يواجه مرضى ضغط الدم المرتفع نفاد الأدوية اللازمة، وإقدام المرضى على تناول أدوية يعتبرونها بديلة قد تشكل خطراً على حياتهم كما يؤكد الصيدلاني
سمير عبد المنعم لـ"الأيام" الذي أوضح أنه اضطر لإقناع اكثر من مريض بعدم تناول أدوية على عاتقهم الشخصي ودون استشارة أطباء ولو على الأقل عبر الهاتف.
وقال: إنه يتفهم الوضع الصعب الذي يعيشه المرضى المحاصرون في شمال غزة، ولكن هذا ليس مبرراً لتناول أدوية قد تكون قاتلة وتأتي بنتائج عكسية.
وأخرجت قوات الاحتلال القطاع الطبي في شمال غزة عن الخدمة، خاصة المشافي الرئيسة الثلاثة ونحو عشرة مراكز وعيادات طبية منتشرة في المنطقة، كما قامت بتدمير جميع سيارات الإسعاف والخدمات الطبية، ما أدى إلى إنهاء أي قدرة على تنفيذ تدخلات طبية في المنطقة.
