غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر نفوذ المتطرفين في حكومة نتنياهو يهدد المسجد الأقصى

ملتقى القدس الثقافي: سيطرة المتطرفين على 28% من مقاعد حكومة نتنياهو مرتبط بالازدياد المطّرد لاستهداف هوية الأقصى وتقسيمه بين المسلمين واليهود وتقييد دخول المصلين إلى المسجد

تقرير: عادل القاضي

نشر “ملتقى القدس الثقافي” الذي عقد في عمان بالأردن، أمس الثلاثاء، تقدير موقف بعنوان “حكومة نتنياهو الرابعة وسلوكها المتوقع تجاه المسجد الأقصى”، خلص إلى أن “متطرفي المعبد” الذين يحلمون بإزالة المسجد الأقصى وبناء المعبد في مكانه قد حققوا قفزة خطيرة في النفوذ الحكومي؛ إذ استحوذوا على 7 مقاعد في حكومة نتنياهو المشكلة يوم 14 مايو/ أيار الجاري، بينها وزارات العدل والتعليم والسياحة والأمن الداخلي والاستيطان، أي إن 28% من مقاعد الحكومة باتت بأيديهم؛ ما يشكل خطرًا كبيرًا على المسجد الأقصى في المرحلة المقبلة.

متطرفو المعبد: صعود سياسي متواصل

التقدير، الذي أصدره الملتقى الذي يرأسه الأكاديمي الأردني البارز والوزير الأسبق د.إسحاق فرحان، وهو جمعية ثقافية أهلية تضم نخبةً من المثقفين والأكاديميين والشباب والنشطاء الأردنيين، تُعنى بنصرة القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية في كل المجالات الثقافية؛ استعرض التطور التاريخي للنفوذ السياسي لأولئك المتطرفين الصهاينة، مشيرًا إلى أنهم كانوا كتلة هامشية ضمن التيار القومي الديني المعارض خلال مرحلة نشأة الدولة الصهيونية، والتي هيمن فيها التيار العلماني اليساري الممثل بأحزاب ماباي والعمل وميرتس والذي كان يرى في اليهودية قومية فقط، ويعارض مساعي أولئك المتطرفين ومزاعمهم الدينية؛ لكونها تهدد أمن واستقرار المشروع الصهيوني من وجهة نظره.

ثم شهدت السنوات اللاحقة صعودًا للتيار الديني-القومي الذي كان حزب الليكود ممثله الأساس، حتى نجح هذا التيار في تشكيل أول حكومة عام 1977، ثم تناوب مع حزب العمل على قيادة الدولة الصهيونية خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي؛ وقد أتاح هذا الصعود مساحةً من حرية العمل لمتطرفي المعبد؛ حيث بدأوا خلال هذه الفترة بزيادة نشاطهم التنظيمي والميداني.

وبحلول عام 1999، لم يعد متطرفو المعبد يكتفون بمجرد تعاطف المستوى السياسي معهم؛ إذ تشكلت في ذلك العام كتلة “الاتحاد القومي” من مجموعة من التيارات الصهيونية المتطرفة، وشكل متطرفو المعبد شريكًا أساسيًا في تأسيس تلك الكتلة، وتمكنوا عبرها من إيصال أول ممثلين لهم في البرلمان عام 2003.

وتميزت هذه المرحلة الجديدة من تاريخ الدولة الصهيونية بالسيطرة المطلقة لليمين بزعامة الليكود على الحكم منذ عام 2001 وحتى الآن، ووصول رؤساء وزراء متعاطفين مع فكر ونشاط متطرفي المعبد، مثل أريئيل شارون وبنيامين نتنياهو، إلى سدة الحكم.

وخلال انتخابات عام 2006، تعزز الحضور الرمزي لمتطرفي المعبد في الكنيست ليصبح 3 نواب، لكن انتخابات عام 2009 شكلت محطة فارقة في تمثيلهم البرلماني؛ إذ نجحوا خلالها في إيصال 7 نواب من أصل 120، وهو ما يمثل 5.8% من حجم الكنيست.

وقد جاء تقدمهم هذا بفضل اختراقهم للحزب الحاكم ذاته (الليكود) من خلال مجموعة من النشطاء الشباب، أمثال داني دانون وزئيف ألكين وتسيبي حوطبلي، وبحلول 2009 تحوّل متطرفو المعبد إلى جماعة ضغط في المجتمع الصهيوني، تملك تمثيلًا محدودًا داخل البرلمان، تستطيع دفع أجندتها قدمًا.

وهذا ما يفسر الازدياد المطّرد لاستهداف هوية المسجد الأقصى المبارك، والتقدم غير المسبوق لمساعي تقسيمه بين المسلمين واليهود زمانيًا ومكانيًا، والتدخل الصهيوني الحكومي والإعلامي المتزايد في أعمال الأوقاف الأردنية، وفي تقييد دخول المصلين إلى المسجد.

تطور تمثيل متطرفي المعبد في الكنيست الإسرائيلي

[],g

 

من التمثيل النيابي للمشاركة في الحكومة

 

وقد شكلت انتخابات 2013، بحسب تقدير الموقف الذي أعده ملتقى القدس، قفزة من نوع جديد لمتطرفي المعبد؛ إذ انهارت خلال تلك الانتخابات كتلة “الاتحاد القومي”، وصعدت كتلة “البيت اليهودي” بزعامة نفتالي بينيت لتحل محلها، ولتصبح أكثر تمثيلًا لأطروحات متطرفي المعبد وأجندتهم، كما أن ممثليهم داخل حزب “الليكود” عززوا مواقعهم وتقدموا في الانتخابات الداخلية للحزب، وهذا مكنهم من الخروج بتمثيل نيابي هو الأكبر في تاريخهم، تمثل بـ 13 نائبًا شكلوا 10.8% من حجم الكنيست، توزعوا بين حزبين: “الليكود” (الحاكم) بـ 6 ممثلين لمتطرفي المعبد، و”البيت اليهودي”(الشريك في الائتلاف الحكومي) بـ 7 ممثلين، وتمكنوا من تسلم مسؤوليات قيادية في الكنيست مثل موقع نائب الرئيس، أو رئيس لجنة الداخلية والأمن.

 

وقد سمح هذا التقدم التشريعي بدخول أولئك المتطرفين إلى الحكومة الإسرائيلية لأول مرة في تاريخهم، وليحصلوا خلال تلك الحكومة على 4 مقاعد وزارية، هي الاقتصاد والإسكان والأديان وشؤون القدس، و5 مواقع كنواب وزراء، وهي مواقع رمزية محدودة التأثير كما يوضح التقرير، وحصلوا حينها على نيابات في وزارات الخارجية والدفاع والأديان والمواصلات والعلوم والتكنولوجيا.

 

 تطور تمثيل متطرفي المعبد في الحكومة الإسرائيلية

[],g2

نفوذ غير مسبوق في حكومة 2015

 

وخلال الانتخابات الأخيرة، حافظ متطرفو المعبد على حجم كتلتهم النيابية المقدرة بـ 13 نائبًا، وحافظوا على توزيعهم داخل حزبي “الليكود” و”البيت اليهودي”، كما أن ممثليهم داخل “الليكود” تمكنوا من التقدم أكثر لينتقلوا من مواقع نواب وزراء ليتولوا مواقع وزارية، كما أن دخول “البيت اليهودي” شريكًا حكوميًا مع نتنياهو في اللحظة الأخيرة مكّنه من فرض كثيرٍ من الشروط، بينها تسليم وزارة العدل للمتطرفة “أيليت شاكيد”.

 

وقد ترتب على هذا الفوز في انتخابات الكنيست الأخيرة، نفوذ حكومي غير مسبوق لمتطرفي المعبد؛ تمثل في 7 حقائب وزارية تشكل 28% من الحقائب في هذه الحكومة، 3 منها لوزراء من “البيت اليهودي” وهي: العدل (أيليت شاكيد)، والزراعة (أوري أريئيل)، والتعليم (نفتالي بينيت)، و4 منها لوزراء من “الليكود” هي: السياحة والأمن الداخلي (يريف ليفين)، والثقافة والرياضة (ميري ريغيف)، والاستيطان والشؤون الاستراتيجية (زئيف إلكين)، والعلوم والتكنولوجيا (داني دانون).

 

أما على مستوى مواقع نواب الوزراء الرمزية، فهناك نائبان من أصل 7 نواب وزراء، هما نائب وزير الدفاع إيلي بن داهان، ونائبة وزير الخارجية تسيبي حوطبلي، وهذا يعنى من جهة أخرى أن 9 من أصل 13 نائبًا من متطرفي المعبد تمكنوا من الوصول إلى مواقع حكومية، بعضها مؤثر وآخر رمزي.

 

تهديد متصاعد للأقصى

 

ووفقًا لهذه المعلومات، فمن المتوقع -وفقًا للتقرير الذي أصدره ملتقى القدس الثقافي- بأن متطرفي المعبد سيحاولون -انطلاقًا من هذا التطور في مكانتهم السياسية- استغلال نفوذهم الجديد وغير المسبوق في وزارة العدل والقضاء بتكريس التقسيم الزماني للمسجد بين المسلمين واليهود، ومحاولة سن قانون يكرسه، كما توقع أن يستخدموا نفوذهم في وزارة الأمن الداخلي في مزيد من التقييد لدخول المصلين إلى الأقصى، وإجراءات حصاره، وتأمين الحماية للمقتحمين اليهود.

 

أما نفوذهم في وزارة السياحة، فتوقع التقرير أن ينعكس بتسريع حجم وسرعة أعمال تأهيل الحفريات تحت الأقصى وفي محيطه، وبتعزيز سيطرة جمعيات متطرفي المعبد كجهات شريكة في تأهيل وإدارة تلك المواقع.

 

انتقل متطرفو المعبد إذن بحلول 2015 من جماعة ضغط -تملك كتلة نيابية مؤثرة ونفوذًا حكوميًا محدودًا- إلى جزء مركزي من تركيبة التيار القومي-الديني الذي يسيطر على الحكم منذ 2001، وباتوا يسيطرون على وزارات مؤثرة، وإن لم يصلوا بعد إلى مرحلة السيطرة على الحكم، ولم يستحوذوا على الوزارات الأكثر تأثيرًا.

 

وبناءً على ما تقدم، فيمكن توقع الاتجاه العام لسلوك حكومة نتنياهو الرابعة بتركيبتها المعلنة يوم 14 مايو/ أيار الجاري على النحو التالي:

  • يتوقع أن تسعى الحكومة الإسرائيلية الجديدة إلى توظيف النظام القضائي، وسلطة وزيرة العدل على الادعاء العام في تثبيت إجراءات التقسيم الزماني للأقصى، والذي بدأه متطرفو المعبد وسهّلته الحكومات السابقة وتبنته الحكومة الأخيرة بشكلٍ ضمني، وربما يتطور الأمر إلى محاولة تشريع قانون إسرائيلي جديد يكرس تقسيم ساعات الصلاة بين المسلمين واليهود في المسجد الأقصى.

  • كان متطرفو المعبد في “الليكود” قد قدموا خلال دورة الكنيست السابقة مسودة خطة داخلية للتقسيم المكاني للمسجد الأقصى بتخصيص الساحات الشرقية في محيط باب الرحمة لصلاة اليهود بشكلٍ دائم، وتعزيز مواقعهم في الحكومة الحالية سيشكل دافعًا لتمرير هذا المخطط، وربما يدفع للبحث في مخططات أكبر وأخطر على وحدة المسجد الأقصى المبارك.

  • استحواذ متطرفي المعبد على وزارة السياحة والأمن الداخلي من المتوقع أن تُرى آثاره في تسريع وتيرة وزيادة ميزانية توسيع وتأهيل الأنفاق تحت المسجد الأقصى وفي محيطه، وتعزيز سيطرة جمعيات متطرفي المعبد على تلك الأعمال.

  • سلطات متطرفي المعبد في مجالات العدل والأمن الداخلي والسياحة مرشحة بقوة لأن تُترجم إلى مزيد من التدخل في أعمال الصيانة والإعمار التي تجريها الأوقاف الأردنية، وإلى ممارسة مزيد من الهيمنة عليها والتدخل في بنيتها الداخلية، وفي أعمال الحراس ووظائفهم، وفي الحد من حركتهم.

  • أما على مستوى منع المصلين المسلمين من دخول المسجد، والتحكم بحركة الدخول والخروج فستشهد في الغالب تدخلًا أكبر من الشرطة والأجهزة الأمنية الإسرائيلية. ولن يكون مستغربًا اتخاذ دعاية تسهيل دخول المصلين المسلمين في شهر رمضان بشكلٍ واسعٍ مدخلًا لها جريًا على أسلوب السنتين السابقتين؛ إذ إن التركيز الإعلامي على حرية دخول المصلين المسلمين يشكل مدخلًا لمطالبة متطرفي المعبد بحرية دخول اليهود إلى الأقصى في المقابل.

  • شكلت الدعوات المسبقة لاقتحامات جماهيرية يهودية للمسجد الأقصى -والتي كان يدعو لها الحاخامان موشيه فيغلين نائب رئيس الكنيست، ويهودا غليك أحد قادة متطرفي المعبد- معارضة داخلية صهيونية لكونها تستفز ردود فعلٍ فلسطينية وإسلامية واسعة، وتفشل أحيانًا بسبب ذلك. في المقابل، كانت الفئة الأوسع من نشطاء المعبد في الكنيست تنفذ اقتحاماتها بشكلٍ مفاجئ، ودون إعلان مسبق، مما يفوّت على الفلسطينيين فرصة الاستعداد والحشد لصد تلك الاقتحامات. وتراجع المكانة السياسية للحاخام فيغلين، في مقابل مواصلة بقية نشطاء المعبد لتقدمهم، إشارة إلى تفوق نهجهم، وهذا يعني بلغة أخرى أن الاقتحامات المقبلة للسياسيين من متطرفي المعبد ستكون مفاجئة ودون إعلان مسبق يسمح بالاستعداد الشعبي لها، وهذا من شأنه أن يكرس عدم قدرة الفلسطينيين على وقفها.

 

سبل مواجهة متطرفي المعبد

 

وقد سعى التقرير في مواجهة ذلك، لوضع تشخيص للمرحلة المقبلة، وللأخطار المتوقعة فيها، وشدد على أن استراتيجية “الانحناء للعاصفة” المتبعة حاليًا لن تجدي؛ لأن القادم في كل انتخابات من المتوقع أن يكون مزيدًا من تعزيز النفوذ والمواقع لأولئك المتطرفين.

 

 وأشار إلى أن تعاظم نفوذ هؤلاء المتطرفين الصهاينة “هو اتجاه تاريخي عميق ومتصاعد في المجتمع الصهيوني، وليس مجرد عاصفة عابرة يمكن مواجهتها بالتكيف والانحناء“.

 

وأكد التقرير على ضرورة تعزيز أسباب القوة التي كانت تسهم في حماية المسجد الأقصى، والمتمثلة بالمقاومة والرباط الشعبي في المسجد وإدارة الأوقاف الأردنية له، والقانون الدولي الرافض للتغييرات التي تجريها إسرائيل كقوة محتلة؛ لأن هذه العناصر تعرضت للتآكل خلال المرحلة الماضية في وقت متزامن مع تعزيز نفوذ متطرفي المعبد، وهو ما يشكل خطرًا جسيمًا على مصير المسجد إن استمر.

 

وقد خص التقرير القيادة الأردنية بتوصية خاصة بقوله: “إن المسؤولية الأردنية الرسمية عن المسجد الأقصى تعني بأن المواجهة مع الحكومة الإسرائيلية الحالية ليست خيارًا يمكن تجنبه”؛ لأنها بتركيبتها الحالية “ستكون هي من سيسعى للمواجهة، وستحرص على تقليص وتهميش المسؤولية الأردنية عن المسجد الأقصى وصولًا إلى نزعها تمامًا”.

 

وشدد على أن هذا يحتم خيارات أردنية رسمية وشعبية مختلفة عن الخيارات الحالية، تضع المسجد الأقصى وحمايته في قلب التحديات المرتقبة، وفي قلب الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية والإعلامية الوطنية، ويتطلب سلوكًا وحدويًا إيجابيًا وبنّاءً، يستشعر نقاط القوة الأخرى؛ سواء كانت في الرباط الشعبي في المسجد الأقصى وتكثيفه، أو في تقدير المصلحة الحيوية المترتبة من الهبة الشعبية المتواصلة في القدس وضرورة استمرارها وتعزيزها، واستعادة الجهد الدبلوماسي النشط والبناء الذي نجح في إدراج القدس على لائحة اليونيسكو للتراث الإنساني العالمي، والتراث الإنساني المهدد بالخطر في ثمانينيات القرن الماضي، وعدم الاكتفاء بإدارة الأزمة عبر المجلس التنفيذي لليونيسكو كما يجري حاليًا.

 

ونوّه التقرير إلى أن عمليات المقاومة الفردية في القدس شكلت رأيًا عامًا صهيونيًا محدودًا معارضًا لتكرار الاقتحامات التي كان يدعو لها نائب رئيس الكنيست الحاخام موشيه فيغلين، والحاخام يهودا غليك الذي تعرض لمحاولة اغتيال أصيب فيها إصابة خطرة في العام الماضي؛ إلا أن هذا الرأي العام كما يبدو كان محدودًا وانحصر تأثيره في “فيغلين” فقط في أوساط “الليكود”؛ إذ احتل مراتب متأخرة في الانتخابات الداخلية وفشل في العودة إلى الكنيست، بينما واصل المتطرفون الشباب نجاحهم وتقدمهم.