إعداد/شمس نيوز
هو أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل، كان قبل إسلامه شديداً على المسلمين، ودَعَا النبي صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ قائلاً: "اللهم أعزّ الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب، أو عمرو بن هشام" يعنى أبا جهل، وخبر إسلامه مشهور.
عن ابن مسعود قال: كان إسلام عمر فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت إمامته رحمة، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلى فى البيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتلهم حتى تركونا فصلينا. وعن حذيفة قال: لما أسلم عمر كان الإسلام كالرجل المقبل لا يزداد إلا قربـًا، فلما قتل عمر كان الإسلام كالرجل المدبر لا يزداد إلا بعدًا.
واتفقوا على تسميته بالفاروق، ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه"، وهو الفاروق، فَرَّقَ الله به بين الحق والباطل.
وأجمعوا على كثرة علمه ووفور فهمه، وزهده وتواضعه، ورفقه بالمسلمين، وإنصافه، ووقوفه مع الحق، وتعظيمه آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشدة متابعته له، واهتمامه بمصالح المسلمين ، وإكرامه أهل الفضل والخير، ومحاسنه أكثر من أن تستقصى.. قام في الخلافة أتم القيام ، وجاهد فى الله حق جهاده، فجيّش الجيوش، وفتح البلدان، ومصّر الأمصار، وأعز الإسلام، وأذل الكفر أشد إذلال ، ففتح الشام، والعراق، ومصر، والجزيرة، وديار بكر، وأرمينية، واذربيجان، وإيران، وبلاد الجبال، وبلاد فارس، وخوزستان، وغيرها.. وكان عمر أول من دَوَّنَ الديوان للمسلمين، ورتب الناس على سابقتهم فى العطاء، وفى الإذن والإكرام، فكان أهل بدر أول الناس دخولا عليه، وكان علىّ بن أبى طالب أولهم، وأثبت أسماءهم فى الديوان على قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ ببنى هاشم وبنى المطلب ، ثم الأقرب فالأقرب. قال عثمان وعلى رضي الله عنهما في عمر: هذا القوى الأمين. (تهذيب الأسماء واللغات 2/3)
وأورد الإمام المناوي بعض أخباره، منها أن أبا موسى كنس بيت المال فوجد درهما، فمرّ به بُنىّ لعمر فأعطاه إيَّاه، فرآه عمر فى يده، فقال: أعطانيه أبو موسى. فقال: يا أبا موسى، ما كان في أهل المدينة بيت أهون عليك من آل عمر! أردت أن لا يبقى من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أحد إلا طالبنا بمظلمته؟ ورد الدرهم لبيت المال.
وكان يتعهد العميان والزَّمنى والعجائز والصبيان ليلا، ويحمل إليهم الماء والحطب بنفسه، ويُخرج عنهم الأذى، فيقول له بعض الناس: دعني أحمل عنك! فيقول: من يحمل عنى يوم القيامة ذنوبي ؟ .. وأُتى بمِسْك من الغنائم ليُعرض عليه، فمسك بأنفه لئلاّ ينال من رائحته شيئًا دون المسلمين فيُسأل عن ذلك.. ولما ولى الخلافة كان لا ينام ليلا ولانهاراً ويقول: إن نمت النهار ضيّعت الرعية، والليل ضيعت نفسى.. ولقيه عروة بن الزبير وهو يحمل قربة ماء على عاتقه، فقال: يا أمير المؤمنين لا ينبغي هذا. قال: لما جاءتني الوفود سامعين مطيعين دخلَت نفسى نخوة فأردت إذلالها، ومضى بالقربة إلى دار امرأة من الأنصار أرملة.. وكان يقول: احذروا أن تكونوا من الذين يجعلون ما رزقهم الله فى بطونهم وعلى ظهورهم.. ويقول: أكثروا من العيال فإنكم لا تدرون بمن تُرزقون.. ويقول: زِنُوا أنفسكم قبل أن تُوزَنُوا، وحاسبوها قبل أن تُحاسبوا، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ لا تخفى منكم خافية.. وكان نقش خاتمه: كفى بالموت واعظـًا.
وقال: حج سنة ثلاث وعشرين ـ وهى السنة التى استشهد فيها، فلما نفر من مِنى أناخ بالأبطح، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم كبر سنى، وضعفت قوتى، وانتشرت رعيتى، فاقبضنى إليك غير مُضيِّع ولا مُفرِّط، فما انسلخ ذو الحجة حتى قُتل شهيداً.. (الكواكب الدرية 1/89باختصار)
وأما ما كان من خبر استشهاده فقد رُوى عن حفصة رضى الله عنها، أن عمر رضى الله عنه قال: اللهم ارزقنى شهادة فى سبيلك، واجعل موتى فى بلد رسولك صلى الله عليه وسلم . فقلت: أنى يكون هذا؟ فقال : يأتيني به الله إذا شاء . (الدين الخالص للسبكي 7/215)
قال الإمام النووى: وختم الله تعالى لعمر رضى الله عنه بالشهادة وكان يسألها، فطعنه العِلج عدو الله أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة وهو قائم فى صلاة الصبح حين أحرم بالصلاة. طعنه بسكين مسمومة ذات طرفين .(تهذيب الاسماء واللغات 2/13)
وعن عمر بن ميمون قال: إني لقائم ما بيني وبين عمر إلاَّ عبد الله بن عباس غداة أُصيب، وكان إذا مرّ بين الصفين قال: استووا. حتى إذا لم ير فيهن خللا تقدم فكبر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس ، فما هو إلا أن كبّر فسمعته يقول: قتلني ـ أو أكلني الكلب حين طعنه ، وصار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يميناً ولا شمالاً إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً، مات منهم سبعة ... وتناول عمر بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه ، فمن يلى عمر فقد رأى الذي أرى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون غير أنهم فقدوا صوت عمر وهم يقولون سبحان الله سبحان الله ، فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف صلاة خفيفة، فلما انصرفوا قال: يا بن عباس انظر من قتلني؟ فجال ساعة ثم جاء فقال: غلام المغيرة. قال: الصَّنَع ؟ قال: نعم. قال: قاتله الله، لقد أمرتُ به معروفاً، الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدّعى الإسلام .. فاحتُمل إلى بيته، فانطلقنا معه، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فقائل يقول: لابأس، وقائل يقول: أخاف عليه . فأُتى بلبن فشربه فخرج من جرحه، فعرفوا أنه ميت ، فدخلنا عليه، وجاء الناس يثنون عليه، وجاء رجل شاب فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقدمٍ فى الإسلام ما قد علمت، ثم توليت فعدلت، ثم شهادة. قال : وددت أن ذلك كان كفافاً لا لي ولا عليّ. فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض، قال: ردوا علىّ الغلام. قال: يا بن أخي ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك . يا عبد الله بن عمر، انظر ما علىّ من الدّين، فحسبوه فوجدوه سبعة وثمانين ألفا أو نحوه . قال إن وفّاه مال آل عمر فأدّه من أموالهم، وإلا فسل فى بنى عدى بن كعب، فإن لم تف أموالهم فسل فى قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأدّ عنى هذا المال . انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل لها : يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً ـ قل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يُدفن مع صاحبيه. فمضى فسلّم واستأذن، ثم دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكى، فقال: يقرأ عليك عمر السلام ويقول لك: يستأذن أن يُدفن مع صاحبيه . فقالت : كنت أريده لنفسي، ولأوثرنّه اليوم على نفسى. فلما أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء . قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك ؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذنت . قال: الحمد لله، ما كان شيء أهم إلىَّ من ذلك، فإذا أنا قُبضت فاحملوني ، ثم سلّم وقل: يستأذِن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردّتني فردّوني إلى مقابر المسلمين.
وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء يسرن معها، فلما رأيناها قمنا، فولجت عليه فبكت عنده ساعة، فاستأذن الرجال، فولجت داخلاً لهم، فسمعنا بكاءها من الداخل ، فلما قُبض خرجنا به فانطلقنا به ، فسلم عبد الله بن عمر وقال: يستأذن عمر. قالت: ادخلوا ، فَأُدْخِلَ فَوُضِعَ هنالك مع صاحبيه.(صفة الصفوة لابن الجوزى 1/257)
وقيل له: ألا تستخلف ولدك؟ قال: يكفى واحدٌ من آل الخطاب يجىء يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه، وقد جعلتها شورى فى الستة الذين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض. (الكواكب الدرية 1/90)
وعن عثمان بن عفان قال: أنا آخركم عهدًا بعمر، دخلت عليه ورأسه فى حجر ابنه عبد الله، فقال له: ضع خدى بالأرض. قال: فهل فخذي والأرض إلا سواء؟ قال : ضع خدى بالأرض لا أم لك.. وسمعته يقول: ويلي وويل أمي إن لم تغفر لي، حتى فاضت نفسه. (صفة الصفوة 1/257،291)
قال سعد بن أبى وقاص : طُعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين ، ودفن يوم الأحد صبيحة هلال المحرم ـ قال معاوية : كان عمر ابن ثلاث وستين.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: لما غُسل عمر وكُفن وحُمل على سريره وقف عليه علىّ عليه السلام فقال: والله ما على الأرض رجل أحب إلىّ أن ألقى الله تعالى بصحيفته من هذا المسجّى بالثوب. (صفة الصفوة 1/ 291،292)
عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: رأس أبى بكر عند كتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورأس عمر عند حَقْوَى أبى بكر.(الطبقات 3/209)
وعن جرير قال: كنت عند معاوية فقال: توفى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة، وتوفى أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وقُتل عُمر وهو ابن ثلاث وستين سنة. (تاريخ الطبري 3/420).