يرى الداعية الإسلامي والخطيب في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بغزة، الشيخ براء الغلبان، أن العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي تعرض له قطاع غزة في حرب "طوفان الأقصى"، أثَّر بشكل عميق وواسع النطاق على الجوانب الدينية والاجتماعية للمجتمع الغزي، حيث عانى السكان من تأثيرات متعددة على الروابط الأسرية والعلاقات المجتمعية وكذلك الدينية، مما أدى إلى تفاقم ظواهر الانحلال الأخلاقي والتفكك الاجتماعي، وهي إحدى النتائج المتوقعة للحروب وغياب الرادع.
وبلفت الداعية الغلبان، في حواره مع "شمس نيوز"، إلى أنه "رغم جميع الآثار السلبية التي خلفها العدوان على غزة، يبقى الدين مصدرًا رئيسيًا للصمود والتمسك بالأمل. ففي قلب المعاناة، يظل الإيمان بالله وسيلة للتغلب على الصعوبات، ورغم التحديات العميقة، يواصل المواطنون في غزة تمسكهم بمعتقداتهم الدينية كأداة للثبات الروحي والعزيمة في مواجهة كل محنة، ليبقى الدين في غزة صخرة صلبة لا تهتز في وجه الزمان".
ويحث الخطيب في وزارة الأوقاف بغزة، على التراحم والتضامن الاجتماعي الذي يحث عليه الإسلام، حيث إنه يمكن أن يكون عاملًا مهمًا في تقوية الروابط بين الأفراد خلال الأوقات العصيبة، فمساعدة الآخرين، سواء ماديًا أو معنويًا، تدعم الشعور بالانتماء والأمل وتقلل من مشاعر السلبية الاجتماعية التي قد تصاحب الأزمات والحروب.
ومن ناحية أخرى، يرى أن القرآن الكريم يوفر توجيهًا روحيًا يركز على الأمل والثقة في الله، في الآية "إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" هناك دعوة لتجاوز المصاعب بالثقة في أن الفرج قادم بعد الشدة، في هذه الآية، نجد تطمينًا للمؤمنين أن كل محنة تمر بها الأمة أو الفرد ستكون مؤقتة، وأن هناك دائمًا بصيص من الأمل في النهاية.
ووفقاً للداعية الغلبان، يمكن للأفراد أن يلجأوا إلى المجتمعات الدينية أو الدعم الروحي من خلال المشاركة في أنشطة دينية، مثل حلقات الذكر، أو الاستماع إلى الخطب التي تركز على مفاهيم الصبر، والتوكل على الله، والرجاء في رحمة الله، مشيراً إلى أن هذه الأنشطة تعزز من الثقة الذاتية وتوفر بيئة داعمة للناس الذين يمرون بأوقات عصيبة.
وفيما يلي نص الحوار كاملاً:
س1/ هل لاحظت تأثيرات سلبية على الممارسات الدينية نتيجة للدمار والتهجير؟ وما هي أبرز تلك الآثار التي خلفها العدوان على المواطنين في غزة؟
ج1/ يُعتبر الدين جزءًا لا يتجزأ من هوية المجتمع الفلسطيني في غزة، إذ يُمثل بُعدًا ثقافيًا وروحيًا واجتماعيًا عميقًا. لذلك، عندما تعرض هذا المجتمع للعدوان، لم يكن الضرر مقتصرًا على التدمير المادي فقط، بل امتد إلى عمق الممارسات الدينية والروحانية التي كانت تُشكل عماد الحياة اليومية للسكان. العدوان على غزة ألحق أضرارًا جسيمة ليس فقط في البنية التحتية والمساكن، بل طالت أماكن العبادة، والتجمعات الدينية، وخلخلت الاستقرار الروحي للمواطنين، مما ألحق ضررًا بالغا في ممارساتهم الدينية. في هذا السياق، نناقش أبرز الآثار الدينية السلبية التي خلفها العدوان، بدءًا من تدمير دور العبادة وصولًا إلى التغيرات النفسية والروحية العميقة التي طالت المجتمع الفلسطيني في غزة.
1. تدمير دور العبادة والمرافق الدينية: ضياع الرموز الروحية، المساجد، التي تشكل قلب الحياة الروحية والدينية في غزة، كانت من أولى الأهداف التي تعرضت للدمار في العدوان. هذا التدمير لم يكن مجرد حدث عارض، بل كانت له تداعيات عميقة على الحياة الدينية والروحانية للمواطنين:
* الاستهداف المباشر للمساجد: تم استهداف العديد من المساجد بالقصف المباشر، بعضها دُمِّر بالكامل بينما تضرر البعض الآخر بشكل كبير. هذه الأماكن التي كانت تمثل الملاذ الروحي اليومي للناس، خاصة في صلوات الفجر والمغرب وصلاة الجمعة، أصبحت خارج الخدمة. صلاة الجماعة، التي تشكل جزءًا مهمًا من الحياة الروحية اليومية للمسلمين، أصبحت صعبة أو مستحيلة بالنسبة للكثيرين. وبذلك، فقد المجتمع الفلسطيني ليس فقط مكانًا للصلاة بل أيضًا مركزًا اجتماعيًا وروحيًا كان يجمعهم في لحظات من الصفاء والإيمان.
* تدمير مراكز تحفيظ القرآن والهيئات الدينية: تعرضت العديد من مراكز تحفيظ القرآن الكريم والمعاهد الدينية للقصف، مما أثر على عملية التعليم الديني التي كانت تُنفذ فيها. فقد كانت هذه المراكز بمثابة بيوت علمية تُخرِّج الأجيال الناشئة وتعلمهم قيم الإسلام، ولكن تدميرها أدى إلى فقدان مصدر أساسي من مصادر التعليم الروحي.
2. تعطيل الممارسات الدينية والشعائر الجماعية: تحديات الروح في زمن الحروب
كان العدوان سببًا في تعطيل العديد من الممارسات الدينية اليومية، مما جعل من الصعب الحفاظ على طقوس العبادة بشكلها التقليدي:
* إعاقة الصلاة في المساجد: مع تدمير الكثير من المساجد وتعرض البعض الآخر للهجوم، أصبح من الصعب أداء الصلاة جماعة في المساجد. وفي العديد من الحالات، كانت العائلات تضطر إلى الصلاة في منازلها أو في أماكن بديلة. حتى صلاة الجمعة، التي تشكل ركنًا هامًا من شعائر المسلمين، أصبحت تقام في أعداد أقل، وأحيانًا يتم تأديتها بشكل فردي أو في جماعات صغيرة.
* تعطيل شعائر الأعياد: الأعياد الإسلامية، مثل عيد الفطر وعيد الأضحى، عادة ما تكون لحظات تجمع ديني واجتماعي حيوية. ومع تدمير أماكن العبادة، أصبح الاحتفال بتلك المناسبات صعبًا. صلاة العيد، التي تجمع الآلاف من المسلمين في الساحات والمراكز الدينية، كانت محطمة بسبب الهجمات الهمجية والممنهجة.
* صلاة التراويح في رمضان: شهر رمضان، الذي يُعد من أقدس شهور السنة للمسلمين، أصبح مأساويًا في ظل العدوان، فقد حالت المخاوف الأمنية وتدمير المساجد من إقامة صلاة التراويح بشكل جماعي، مما أثر على روحانية الشهر المبارك، الذي يتميز بتجمعات دينية كبيرة.
3. التأثيرات النفسية والروحية: بين الحزن العميق وفقدان الأمل
الحروب، بما تتركه من دمار وقتل وتهجير، لا تؤثر فقط على البنية التحتية، بل تترك أيضًا جراحًا نفسية وروحية عميقة:
* الصدمة الروحية والأزمة الإيمانية: العدوان المتواصل أدى إلى حالة من الصدمة الروحية لدى العديد من المواطنين. مع مشاهد الدماء والدمار وفقدان الأحباء، بدأ الكثير من الناس يتساءلون عن حكمة المعاناة والعدالة الإلهية. هذا الشعور بالصدمة الروحية جعل البعض يعاني من أزمة إيمانية، حيث وقعوا في تساؤلات عميقة حول معاناتهم: هل هي اختبار؟ أم عقاب؟
* الغضب واليأس من المجهول: العدوان المستمر والقتل العشوائي خلَّف وراءه مشاعر من الغضب العميق. هذا الغضب، المدفوع بالفقدان المستمر للعائلات والأصدقاء، قد يحوّل بعض الأفراد إلى التفكير في ردود فعل عنيفة أو التشدد الفكري. في ظل هذه الظروف، قد يجد البعض أنفسهم يفقدون الأمل في رحمة الله أو في قدرة الإنسان على بناء مستقبل أفضل.
* الإحباط وفقدان الأمل الروحي: بالرغم من أن الدين كان وما يزال مصدرًا للقوة والصبر، إلا أن الوضع القاسي خلق حالة من الإحباط لدى الكثيرين. أصبح البعض يشعر بالعزلة الروحية بسبب غياب المراكز الدينية وأماكن العبادة، وأثر ذلك سلبًا على قدرتهم على الحفاظ على الإيمان والطمأنينة في قلوبهم.
4. التهجير وفقدان الهوية الدينية: النزوح القسري والتشرد الروحي
التهجير الجماعي بسبب العدوان كان له أثر بالغ في تدمير الروابط الدينية والاجتماعية التي كانت توحد المجتمع الفلسطيني:
* فقدان أماكن العبادة: مع نزوح آلاف العائلات إلى أماكن بعيدة عن مدنهم الأصلية، وجدوا أنفسهم في مخيمات أو ملاجئ تفتقر إلى الأماكن الدينية المنتظمة، مما زاد من مشاعر الغربة الروحية. لم يعد من السهل الوصول إلى المساجد لأداء الشعائر، مما أثر على الاتصال بالله وعلى الروح الجماعية.
* تفكك الروابط المجتمعية: المسجد لم يكن مجرد مكان للصلاة، بل كان أيضًا مركزًا اجتماعيًا حيويًا حيث يتم تبادل الأخبار والدعم الروحي. مع التهجير، فقد العديد من الناس هذه الروابط، مما تسبب في عزلة اجتماعية ودينية زادت من معاناتهم.
خاتما: الدين كقوة صمود في وجه المعاناة
رغم جميع الآثار السلبية التي خلفها العدوان على غزة، يبقى الدين مصدرًا رئيسيًا للصمود والتمسك بالأمل. في قلب المعاناة، يظل الإيمان بالله وسيلة للتغلب على الصعوبات. ورغم التحديات العميقة، يواصل المواطنون في غزة تمسكهم بمعتقداتهم الدينية كأداة للثبات الروحي والعزيمة في مواجهة كل محنة، ليبقى الدين في غزة صخرة صلبة لا تهتز في وجه الزمان.
س2/ هل يمكن أن تؤثر حالة القتل والتدمير المستمر على مفهوم الصبر والتوكل على الله لدى المسلمين في غزة؟ وكيف يمكن للمجتمع إعادة بناء هذا المفهوم؟
ج2/ في ظل حالة القتل والتدمير المستمر التي يعيشها أهالي غزة، تتعرض مفاهيم الصبر والتوكل على الله إلى اختبار حقيقي. فعندما يواجه الناس كارثة بعد كارثة، وتزداد المعاناة من فقدان الأرواح وتدمير المنازل والمرافق، قد يبدو أن الصبر يصبح أمرًا شبه مستحيل، وقد يتساءل البعض عن جدوى التوكل على الله في مواجهة هذا الكم الهائل من الظلم والمآسي. لكن الحقيقة أن هذه المحن هي جزء من اختبار الحياة، وقد تكون فرصة لفهم أعمق وأصدق لمفهوم الصبر والتوكل على الله.
تأثيرات القتل والتدمير على مفهوم الصبر والتوكل:
* الصبر أمام التحديات:
في أوقات الألم والدمار، قد يشعر الإنسان بالضعف والتشتت، ويجد صعوبة في التمسك بالصبر كقيمة. قد يتساءل البعض: هل الصبر يعني الاستسلام للألم؟ هل يمكن أن يكون هناك معنى في الصبر عندما تتوالى المصائب؟ لكن في الواقع، الصبر في الإسلام ليس فقط تحمل الألم، بل هو الثبات أمام التحديات مهما كانت قاسية. هو القدرة على مواصلة السير رغم العواصف، والإيمان بأن الله مع الصابرين. في غزة، قد يصبح الصبر سبيلاً للتكيف مع الواقع المؤلم، وهو ليس خضوعًا للظروف بل مقاومةٌ لها بروح قوية وواعية.
* التوكل على الله في مواجهة الصعاب:
التوكل على الله ليس مجرد ترك الأمور للقدر، بل هو العمل الجاد والذهاب بكل الوسائل الممكنة مع الإيمان الكامل بأن النتائج بيد الله. وفي أوقات مثل تلك التي يعيشها الفلسطينيون في غزة، قد يزداد التحدي في فهم معنى التوكل على الله عندما تصبح الأمور خارجة عن السيطرة. ولكن التوكل الحقيقي هو أن نبذل جهدنا في تغيير الواقع، ثم نفوض أمرنا إلى الله، عالمين أن بيده كل شيء. في غزة، التوكل يصبح تحفيزًا للمضي قدمًا، مهما كانت الظروف، مع اليقين أن الله يرحم عباده ويساندهم في المحن.
إعادة بناء مفهوم الصبر والتوكل في المجتمع:
* التركيز على المعاني العميقة للصبر:
لإعادة بناء مفهوم الصبر في أوقات الأزمات، يجب أن يتم التأكيد على أن الصبر ليس مجرد مقاومة للألم، بل هو قوة روحية تسمح للإنسان بالنمو في داخله. من خلال المحاضرات الدينية والخطب التي تذكر المسلمين بصبر الأنبياء في مواجهاتهم مع الأذى، يمكن تحفيز الأمل في نفوس الناس. على سبيل المثال، قصة نبي الله أيوب عليه السلام، الذي صبر على مرضه وفقدانه لكل شيء، تُعتبر نموذجًا قويًا للثبات في الشدائد. الصبر هو تذكير بأن الله قريب من عباده، وأنه لا يتركهم في محنتهم.
* إعادة تفسير التوكل:
التوكل على الله يجب أن يُفهم على أنه تكامل بين الأخذ بالأسباب والاعتماد الكامل على الله. قد يشعر البعض في غزة بأن الظروف الخارجة عن إرادتهم تجعلهم غير قادرين على تغيير الواقع، ولكن التوكل هو أن يعمل الإنسان كل ما بوسعه، ثم يترك النتائج لله، مطمئنًا إلى أن الله لن يخذلهم. إنه اعتماد على الله مع السعي والتخطيط والتفاعل مع الواقع بإيجابية.
* الدعم الاجتماعي والنفسي:
في مثل هذه الظروف الصعبة، يعتبر الدعم الاجتماعي والنفسي حجر الزاوية في إعادة بناء فهم الصبر والتوكل. عندما يتكاتف المجتمع معًا ويتبادلون الدعم، سواء كان معنويًا أو ماديًا، يتمكن الأفراد من تجاوز شعور العزلة واليأس. التضامن بين الناس يخلق بيئة من الأمل، مما يعزز الإيمان بأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة المحن. تفعيل دور الأسرة، الأصدقاء، والجيران في مساعدة بعضهم البعض يشكل عاملًا رئيسيًا في تقوية الصبر.
* الإيمان بالتحول والتغيير:
من خلال التأكيد على فكرة أن كل محنة تحمل في طياتها فرصة للتغيير والنمو، يمكن للمجتمع أن يعيد البناء الروحي والنفسي لفهم الصبر والتوكل. يجب أن يُذكر الناس بأن الله لا يترك عباده في معاناتهم، وأن النصر في النهاية قريب. كما أن الأمل في المستقبل يعد أحد العناصر الأساسية لتطوير الصبر والتوكل، لأن المؤمن يعلم أن الفرج قريب.
أختم وأقول بأنّ إعادة بناء مفهوم الصبر والتوكل في ظل الأوضاع المأساوية التي يعايشها أهل غزة يتطلب عملاً جماعيًا من الجميع: من العلماء الذين يعيدون تفسير هذه المفاهيم، إلى المجتمع الذي يوفر الدعم النفسي والاجتماعي، إلى الأفراد الذين يواصلون العمل والسعي مع اليقين أن الله معهم. الصبر يصبح قوة وعزيمة، والتوكل على الله يصبح عملًا مستمرًا يجمع بين الجهد والتفويض إلى الله في النتائج. وبين الألم والأمل، يبقى الصبر هو السلاح الأقوى في مواجهة التحديات، والتوكل هو النور الذي يهدي الطريق نحو الفرج.
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
س3/ فيما يتعلق بالجوانب الاجتماعية، كيف أثر العدوان على الروابط الأسرية والمجتمعية في قطاع غزة؟ وهل ازدادت ظواهر التفكك الاجتماعي نتيجة للعدوان؟
ج3/ العدوان العسكري الذي تعرض له قطاع غزة في حرب الطوفان كان له تأثير عميق وواسع النطاق على الجوانب الاجتماعية للمجتمع الغزي، حيث عانى السكان من تأثيرات متعددة على الروابط الأسرية والعلاقات المجتمعية، مما أدى إلى تفاقم ظواهر التفكك الاجتماعي. كان لهذه الحرب العديد من الأبعاد النفسية والاجتماعية التي انعكست على كل فرد في المجتمع الفلسطيني، لكن في الوقت ذاته، ظل هذا المجتمع يواجه التحديات بروح من الصمود والتضامن.
1. تأثير العدوان على الروابط الأسرية:
* التهجير والدمار: تسبب العدوان في تدمير آلاف المنازل، مما أدى إلى تشريد العديد من العائلات التي وجدت نفسها دون مأوى أو موارد. الأسر التي كانت تتأقلم مع ظروف الحياة اليومية، أصبحت فجأة تفتقر إلى الأمان والاستقرار. الفقدان المفاجئ لموارد الحياة اليومية كان له تأثير كبير على الروابط الأسرية، حيث أصبح من الصعب على الأسر الحفاظ على تماسكها في ظل الظروف القاسية.
* الفقدان: الحرب أسفرت عن فقدان العديد من أفراد العائلات، سواء نتيجة للقتال المباشر أو القصف. الفقدان لا يعد مجرد خسارة مادية أو جسدية، بل كان أيضًا مصدرًا للصدمات النفسية التي أثرت على استقرار الأسر. من خلال هذه التجربة، واجه العديد من الأطفال والنساء تحديات إضافية، حيث أصبحوا مضطرين لمواجهة الحياة دون دعم المعيل أو وجود مساحة آمنة تشعرهم بالراحة.
* زيادة العنف الأسري: الضغط النفسي والاقتصادي الذي خلفته الحرب أدى إلى تفاقم الأزمات الأسرية، مع زيادة في حالات العنف الأسري. الأجواء المضطربة والظروف الاقتصادية الصعبة خلقت بيئة أكثر توتراً داخل الأسر، مما أثر بشكل خاص على النساء والأطفال الذين كانوا في الغالب أكثر الفئات تضررًا.
* التأثير على النساء والأطفال: النساء في غزة عانين من ضغوط مضاعفة في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة، حيث كانت الأم في الغالب تتحمل مسؤولية العناية بالأطفال وسط ظروف شديدة القسوة. أما الأطفال، فقد كانوا الأكثر تأثرًا نفسيًا، سواء بسبب فقدان أحد الوالدين أو لأنهم شهدوا مشاهد العنف والموت، وهو ما خلق جيلًا يعيش في حالة من القلق والخوف المستمرين.
2. تفكك الروابط المجتمعية:
* الضغط الاقتصادي والاجتماعي: أدى العدوان إلى تدمير البنية التحتية والمرافق الحيوية مثل الأسواق والمصانع، مما أسفر عن فقدان العديد من الأشخاص لمصادر رزقهم. هذا التدمير انعكس على الحياة اليومية، حيث زادت معدلات البطالة بشكل غير مسبوق، ما أثر على الروابط الاجتماعية. أصبح العديد من الناس يعيشون في حالة من العزلة الاجتماعية بسبب العجز عن تلبية احتياجاتهم الأساسية.
* انقطاع الخدمات الأساسية: توقف العديد من الخدمات الحيوية مثل الكهرباء، الرعاية الصحية، والتعليم نتيجة للدمار الكبير الذي طال البنية التحتية. هذا التوقف أثر على التفاعل الاجتماعي وأدى إلى عزلة الأسر عن بعضها البعض، خاصة في ظل القيود المفروضة على التنقل بسبب الحصار والعدوان المستمر. كما أن الأطفال حُرموا من التعليم، مما أثر على مستقبلهم الاجتماعي والاقتصادي، وزاد من معدلات الجهل والفقر في المجتمع.
* العدوان العسكري الذي تعرض له قطاع غزة في حرب الطوفان كان له تأثير عميق وواسع النطاق على الجوانب الاجتماعية للمجتمع الغزي، حيث عانى السكان من تأثيرات متعددة على الروابط الأسرية والعلاقات المجتمعية، مما أدى إلى تفاقم ظواهر التفكك الاجتماعي. كان لهذه الحرب العديد من الأبعاد النفسية والاجتماعية التي انعكست على كل فرد في المجتمع الفلسطيني، لكن في الوقت ذاته، ظل هذا المجتمع يواجه التحديات بروح من الصمود والتضامن.
3. التضامن المجتمعي والروح الفلسطينية:
رغم كل التحديات التي واجهها المجتمع، كان هناك أيضًا تجسيد لروح التضامن والتعاون. تكاتف الجيران والأسر في مواجهة التحديات اليومية كان يعكس قوة الروابط المجتمعية في ظل الأزمة. وبالرغم من الصعوبات، كانت هناك محاولات لتوفير الدعم النفسي والاجتماعي لأولئك الذين فقدوا أقاربهم أو تعرضوا للدمار. ورغم أن هذا التضامن لم يكن كافيًا للتغلب على كل التحديات، إلا أنه كان مصدرًا للراحة والاطمئنان للكثيرين.
هذا التضامن يعكس جانبًا إيجابيًا في المجتمع الفلسطيني، حيث لا يزال الأمل قائمًا في إعادة بناء ما تم تدميره. ورغم الصعوبات، استمر الشعب الفلسطيني في مواجهة الحروب والآلام بروح من الإصرار والرجاء.
4. التأثيرات النفسية المستمرة:
* الصدمات النفسية: الحرب كانت مصدرًا رئيسيًا للضغط النفسي الشديد على الأفراد، وخاصة الأطفال الذين عاشوا في بيئة مليئة بالصدمات النفسية. القلق، والاكتئاب، واضطرابات ما بعد الصدمة كانت من بين التأثيرات النفسية التي عانى منها الكثيرون. كان من الصعب على العديد من الأفراد العودة إلى حياتهم الطبيعية بعد التجارب المؤلمة التي مروا بها.
* التأثير على الأجيال المقبلة: الحرب أثرت بشكل عميق في جيل كامل من الأطفال الذين نشأوا في بيئة مليئة بالعنف والدمار. فقد حرموا من التعليم، والأمان، والاستقرار، مما يجعل من الصعب عليهم التكيف مع الحياة الطبيعية. هذه الصدمات ستستمر في التأثير على مستقبلهم، سواء على المستوى النفسي أو الاجتماعي.
ختاماً أقول: أنّ حرب الطوفان في قطاع غزة كانت بمثابة اختبار قاسي على المجتمع الفلسطيني، حيث تم اختبار الروابط الأسرية والمجتمعية في ظروف غاية في الصعوبة. ورغم الآلام والتحديات، بقي المجتمع الفلسطيني يحمل شعلة الأمل والتضامن، في مسعى مستمر لإعادة بناء ما دمرته الحرب. ورغم التفكك الاجتماعي الذي تفاقم بفعل العدوان، تبقى الروح الفلسطينية مقاومة لكل التحديات، وهي تسعى دائمًا للنهوض من جديد، رغم كل الآلام التي مر بها المجتمع.
س4/ هل ترى أن العدوان الإسرائيلي قد ساهم في ازدياد الضغوط النفسية والاجتماعية على المواطنين، وكيف يمكن علاج هذه الضغوط من خلال الدين؟
ج4/ بالتأكيد، العدوان الإسرائيلي المستمر، سواء في فلسطين أو في أماكن أخرى، يخلق أزمات إنسانية ضخمة ويزيد الضغوط النفسية والاجتماعية على المواطنين. فالعديد من الناس يواجهون في هذه الظروف آثارًا سلبية على مستوى الصحة النفسية، مثل القلق، والتوتر، والاكتئاب، وصعوبة النوم، وذلك بسبب العنف المستمر، الهدم، التهجير، وفقدان الأحبة. كما أن الخوف من المستقبل وعدم الأمان يعزز من هذه الضغوط. هؤلاء الأشخاص يجدون أنفسهم يعيشون في حالة دائمة من الهلع والترقب، ويعانون من تأثر علاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية.
في مثل هذه الأوقات، قد يكون الدين مصدراً مهماً للتخفيف من هذا العبء النفسي، حيث يتيح للناس سبلًا للراحة النفسية والتماسك الروحي. في الإسلام، هناك مفاهيم تركز على الصبر، والتوكل على الله، والاحتساب، وهي مفاهيم قد تساعد الأفراد في تجاوز الأوقات الصعبة. على سبيل المثال، يُشجع المسلمون على الصلاة، التي تعد وسيلة للتواصل مع الله، ويجدون فيها راحة من همومهم وقلقهم. الدعاء كذلك يعد من وسائل العلاج الروحي التي يمكن أن تساعد الشخص في التخفيف من مشاعر اليأس أو الاضطراب النفسي.
من ناحية أخرى، القرآن الكريم يوفر توجيهًا روحيًا يركز على الأمل والثقة في الله، في الآية "إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" هناك دعوة لتجاوز المصاعب بالثقة في أن الفرج قادم بعد الشدة، في هذه الآية، نجد تطمينًا للمؤمنين أن كل محنة تمر بها الأمة أو الفرد ستكون مؤقتة، وأن هناك دائمًا بصيص من الأمل في النهاية.
كذلك، مبدأ التراحم والتضامن الاجتماعي الذي يحث عليه الإسلام يمكن أن يكون عاملًا مهمًا في تقوية الروابط بين الأفراد خلال الأوقات العصيبة. مساعدة الآخرين، سواء ماديًا أو معنويًا، تدعم الشعور بالانتماء والأمل وتقلل من مشاعر العزلة الاجتماعية التي قد تصاحب الأزمات.
أيضًا، يمكن للأفراد أن يلجأوا إلى المجتمعات الدينية أو الدعم الروحي من خلال المشاركة في أنشطة دينية، مثل حلقات الذكر، أو الاستماع إلى الخطب التي تركز على مفاهيم الصبر، والتوكل على الله، والرجاء في رحمة الله. هذه الأنشطة تعزز من الثقة الذاتية وتوفر بيئة داعمة للناس الذين يمرون بأوقات عصيبة.