غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

ما بعد 7 أكتوبر وما بعد حرب الإبادة على قطاع غزة

7 اكتوبر 2023
شمس نيوز - متابعة

أحدث "طوفان الأقصى" بشقيه (7 أكتوبر والمقاومة التي تلت،  وحرب الإبادة) تغييرا مفصليا في العالم، امتدّ الى نظرة الشعوب الى الكيان الصهيوني وداعميه، والتفافها حول المقاومة التي لم تعد مقاومة العدو الصهيوني وحده بل مقاومة الأنظمة المؤيدة له، في الوقت الذي انكشف فيه مدى توحّش العالم الغربي الاستعماري، حيث سقطت كل شعاراته التي بثها طوال عقود معتبرا إياها معيار الإنسانية. "طوفان الأقصى" بشقيه هو من ناحية، العبور الى فلسطين المحتلة من قبل ثلة من مجاهدي فلسطين واقتحام ثكنات جيش العدو الصهيوني ومستوطناته وتدمير فرقة غزة الصهيونية وخطف جنود وضباط ومستوطنين من أجل استبدالهم بالمئات من الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون العدو، بعضهم منذ أكثر من 40 عاما. ثم انخراط قوى المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية في المعركة وقوى محور المقاومة (من لبنان الى اليمن مرورا بسوريا والعراق وايران) وفقا للامكانيات العسكرية والسياسية في كل دولة أو لدى التنظيم المقاوم المشارك. واستمرت معركة طوفان الأقصى حوالي 15 شهرا.

من ناحية أخرى، شنّ العدو الصهيوني حرب إبادة جماعية على قطاع غزة، حيث أباد الحياة، فقتل ما يقارب 50 ألفا من سكانه، وجرح مئات الآلاف منهم، وخطف وعذّب، ودمّر المدن والقرى والمخيمات، والمزارع والمصانع، والطرقات، وكافة المؤسسات (من المستشفيات وأقسامها الى الجامعات) والبنية التحتية ومولدات الكهرباء... تمهيدا لعملية تهجير أهل القطاع من وطنهم.

لم تكن هذه الحرب ردا على عملية "طوفان الأقصى" البطولية كما ادعى، إذ كان يستعد لعدوان واسع على الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة وعلى المقاومة الإسلامية في لبنان وبيئتها الشعبية، للتخلص من القضية الفلسطينية، تمهيدا لصفقات اقتصادية تضم الدول الغربية وملحقاتها العربية. فلم تكن عملية "طوفان الأقصى" إلا ذريعة تمكّن العدو من استحضار الدعم العالمي له مصورا نفسه ضحية، بعد بث الأكاذيب حولها، كما فضحه الإعلام العالمي بعد أشهر.

دعمت الدول الغربية، أولها الولايات المتحدة، وملحقاتها العربية والإسلامية والعالمية حرب الإبادة ومؤّلت وقدّمت كل أنواع المساعدات الحربية والأمنية والمخابراتية، والبشرية والاقتصادية، والسياسية والإعلامية على مدى 15 شهرا، وما زالت تقدّم كل هذا الدعم حتى الآن. أضافة الى أنها قمعت هذه الدول شعوبها لمنع التضامن مع الشعب الفلسطيني ومقاومته، وابتدعت قوانين وقرارات متنوعة معاكسة لأنظمتها لتجريم الوقوف الى جانب الضحية ومحاصرة الدعم الشعبي العالمي لها، فتوّجت الولايات المتحدة هذا التجريم والقمع بملاحقة قضاة المحكمة الجنائية الدولية.

ما بعد 7 أكتوبر، وما بعد حرب الإبادة، يقف العالم أمام مفترق طرق، بسبب الهجمة الغربية، لا سيما الأميركية، لمنع الاستحقاقات المترتبة على حرب الإبادة. تسعى الولايات المتحدة، وخاصة بعد مجيء الرئيس ترامب الى السلطة، من إيقاف تدهور الوضع في كيان العدو وتمكينه ليستمر في عدوانه على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة (لبنان، سوريا، الأردن، مصر خاصة).

في المقابل، ما زالت المقاومة صامدة ومستمرة، رغم خسائرها البشرية الباهظة، وحولها شعوب العالم الرافضة للظلم والداعمة لأقدس قضية في عالمنا اليوم، القضية الفلسطينية. بين مواصلة حرب الإبادة بأشكال مختلفة (تدمير، تجريف المخيمات، تهجير، اغتيال، حصار وتجويع) ومواصلة المقاومة وتمكين وجودها وعملها في فلسطين والمنطقة، ما هو دور الشعوب العربية والإسلامية وقواها السياسية والاجتماعية في هذه المرحلة المفصلية ؟

ما كشفته معركة "طوفان الأقصى" في شقيها (المقاومة وحرب الإبادة) أن باستطاعة المقاومة توجيه ضربة قاسية لكيان العدو العنصري والمتغطرس، وتزعزع أمنه وتؤجج صراعاته الداخلية. فكشفت هشاشة كيان العدو الذي لا يملك أي مقومات صمود داخلية، كونه مستعمرة أجنبية على أرض ليست له، تضم مجموعات من البشر لا يربطها إلا جشع الاستفادة من انتمائها للعالم الغربي الاستعماري في منطقة غنية بالتاريخ والحضارة والثروات، وإن بقاءها في منطقتنا يعتمد أساسا على دعم غربي متواصل بسبب رفض شعوبنا لها.

كشفت معركة "طوفان الأقصى" أن أغلبية دول الغرب الاستعماري، متواطئة كليا مع كيان العدو في حربه ضد الشعب الفلسطيني وحركات المقاومة وبيئاتها الشعبية، لا سيما الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا. يستمد كيان العدو عدوانيته وعنصريته وعنجهيته من الأساس الفكري والتاريخي الذي بنى عليه الغرب الاستعماري كياناته في أوروبا وأستراليا وأميركا.

التوحّش الصهيوني إزاء شعب فلسطين وشعوب المنطقة وليد توحّش الاستعمار الغربي إزاء الشعوب الإفريقية والأميركية والآسيوية. لقد أباد الاستعمار الغربي مئات الآلاف من البشر من أجل سيطرته على ثروات العالم وتحكّمه بها. فلذلك، معركتنا ضد الكيان الصهيوني هي في الوقت ذاته معركة ضد النفوذ الغربي الاستعماري، ما يفسّر الدعم اللامحدود للكيان الصهيوني خلالها. بالتالي، مواجهة النفوذ والمصالح الغربية، الأميركية والبريطانية والألمانية خاصة، من خلال المقاطعة الاقتصادية لبضائعها وفضح إعلامها تعدّ إحدى الوسائل الشعبية للدفاع عن القضية الفلسطينية والقضايا العربية التحررية.

من أجل الدفاع عن الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة المفصلية، حيث يتكالب الأعداء (دول ومؤسسات وقوى عالمية)، ومساندة مقاومته، على الشعوب العربية والإسلامية وأحزابها وقواها ومؤسساتها الوطنية رفض كل المقترحات السياسية التي يقدمها الغرب الاستعماري لحلّ القضية الفلسطينية، إما بالتهجير مجددا، إما بإقامة دولة فلسطينية على أساس "حل الدولتين"، الذي يعني فعلا استمرار الاستيطان ومطاردة المقاومين وحصار كل مدينة أو مخيم يرفض الاحتلال، والذي يعني أيضا الركون الى ما ستقدمه الدول الاستعمارية لإسكات الصوت الفلسطيني الحرّ، والتبعية المطلقة للكيان الصهيوني والغرب الاستعماري والمؤسسات المالية المشتركة مع بعض الدول العربية.

الدفاع عن الشعب الفلسطيني ومقاومته الشريفة يعني التمايز عن خطاب الأنظمة العربية والإسلامية، التي تراعي الدول الغربية الاستعمارية من أجل بقائها في السلطة واستمرارية مصالحها.

ماذا يعني أن يكرّر الجميع، دولا وأحزابا وقوى سياسية، أنهم ضد تهجير الشعب الفلسطيني في الوقت الذي تستمر الحرب عليه في الضفة الغربية ويدمّر العدو مئات المنازل، ويستمر حصار العدو على قطاع غزة لمنع إدخال البيوت الجاهزة ومنع سفر الجرحى إلا بعد موافقته وموافقة الولايات المتحدة، ويستمر الضغط الرسمي العربي على حركات المقاومة لجعلها تتنازل عن طروحاتها السيادية ؟

هل أصبحت الأحزاب والقوى السياسية صدى لأنظمتها ؟ لم تعد تكفي، التصريحات المنددة للمقترحات الصهيو-أميركية (التهجير)، وخاصة في هذه المرحلة، بل عليها التصدي للنفوذ الغربي الاستعماري من خلال بث الوعي بين الشباب وتكثيف الحملات الإعلامية الداعمة للمقاومة، والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني باستعادة أرضه وتحرير كامل التراب الفلسطيني.

الدفاع عن الشعب الفلسطيني ومقاومته وحركات مقاومة العدو الصهيو-أميركي في الوطن العربي يتطلب إعلاما واعيا يواجه أكاذيب الصهاينة وأتباع أميركا في بلادنا ويفكّك مفاهيمهم ومصطلحاتهم المتصهينة ونظرتهم الاستعمارية الاستشراقية، ويبث في المقابل أقوال ومفاهيم المقاومين، من فلسطين الى لبنان واليمن، ويتابع أخبارهم وينقلها لأوسع شرائح ممكنة في العالم، ويستبدل لدى الأجيال الصاعدة قصص "الأبطال" الوهمية الغربية بقصص أبطالنا الحقيقيين الذين يتحررون اليوم من سجون العدو والذين ما زالوا في ميدان المواجهة.

بقلم: راغدة عسيران