"كنتُ أبحث عن فستان الزفاف وأرسم مع خطيبي ملامح مستقبلنا وأحلامنا الجميلة؛ لكن بغمضة عين قُتل الحلم، وتبددت الفرحة، وبدأتُ أبحث عن مركز لتركيب طرف صناعي لقدمي التي بُتِرت جراء الاستهداف الإسرائيلي"، هكذا بدأت الفتاة صابرين الخيري حديثها مع مراسل "شمس نيوز"، حيث انقلبت ملامح الفرح إلى الحزن والألم.
بدموعٍ ساخنة تتساقط على وجنتيها، وحرقة تصيب قلبها، تروي صابرين قصة استعدادها للزفاف الذي كان مقرراً بعد أسبوع من نهاية عيد الفطر.
صابرين الخيري في العشرينات من عمرها، أنهت دراستها الجامعية في كلية الحقوق، وهي من مدينة غزة، ومنذ بداية حرب الإبادة نزحت مع أسرتها جنوب وادي غزة، وهناك نزحت أكثر من أربع مرات نتيجة التحذيرات الإسرائيلية.
انتظرت صابرين بفارغ الصبر ككل الغزيين بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي؛ لتعود إلى بيتها، وتبنى مستقبلها، وتعيد رسم حياتها من جديد مع خطيبها.
ومع إعلان وقف إطلاق النار في الثامن عشر من يناير 2025م، عادت صابرين وخطيبها إلى غزة مشياً على الأقدام: "قطعتُ مسافة لأكثر من 12 ساعة من جنوب القطاع إلى شماله، وهناك كان الألم بمشاهد الدمار المخيفة، ورغم ذلك قررتُ مع خطيبي البدء بتجهيز حفل الزفاف".
استعدادات حفل الزفاف
وحدد العاشقان موعد الزواج بعد عيد الفطر بأسبوع واحدٍ، تقول صابرين: "كنتُ أبحثُ عن مكان في غزة المدمرة لإقامة حفل الزفاف فوق الركام؛ لنخلق الفرح رغم الألم والمعاناة".
تُمسك صابرين يد والدتها، وتركض معها إلى الأسواق؛ لتجهز ملابسها وسط فرحة تغمر قلب الأسرة المكلومة، توضح لمراسل "شمس نيوز" إلى أنها تمكنت من شراء ما يلزمها ولم يبق لها سوى فستان الزفاف.
هنا توقفت صابرين عن سرد الحكاية، وعادت لشريط ذاكرتها، وهي تمسح دموعها: "عثرتُ على فستان جميل جداً، لكن كنتُ أرغب في استئجاره قبل أيام من زفافي لأحافظ على جماله".
ثوانٍ قليلة وعادت صابرين إلى مرارة الواقع، وهي تقول: "قبل ساعات قليلة من الجريمة كنتُ أشعر بفرحةٍ كبيرة لا سيما بعد تمديد خط التيار الكهربائي للمنزل، فهذه المرة الأولى التي نشاهد الكهرباء منذ بداية حرب الابادة".
"لم نعد بحاجة لقطع مسافات طويلةٍ بحثاً عن نقطة شحن للجوالات أو البطاريات، ولحظة وصول الكهرباء شعرنا بفرحة كبيرة، وبدأ الأطفال "مريم" و"جود" و"ورد" يرقصن من الفرحة" أضافت صابرين.
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
اللحظات الأخيرة
دار الحديث بين صابرين ووالدتها وبنات عمها في الساعة الأخيرة، عن أملهم في أن تتكلل جهود الوسطاء في استمرار وقف إطلاق النار بعد انتهاء المرحلة الأولى، كما تطرقوا للحديث عن الأشياء التي تنقصها لاستكمال فرحتها، وبيَّنت أنها وضعت رأسها على الوسادة، وهي تحلم بتحقيق الأمن والسلام لشعبنا ومرور يوم فرحها بهدوء.
في تلك اللحظة كانت عقارب الساعة تدور إلى نحو الثانية عشر ليلاً، وكانت طائرات الاحتلال تحلق في سماء قطاع غزة، قبل أن تلقي جحيم صواريخها فوق رؤوس المدنيين النائمين في بيوتهم؛ ليطال أحد الصواريخ منزل الفتاة "صابرين الخيري".
كابوس مرعب
عمَّ المكان ظلام دامس وتصاعدت ألسنة النيران والدخان، أحدهم يصرخ بحرقة وسط الشارع: "وينكم يا عالم.. يا عالم.. يا عالم.. الحقوني رجلي مش حاسة فيها".
ثوانٍ قليلة وعادت صابرين إلى غفوتها، ثم انتبهت وأكلمت: "عندما كان المسعفون ينقلوني من مكان إلى آخر كنت أصحى وأصرخ رجلي رجلي؛ لكن كنتُ أعتقد أن هذا حلماً أو كابوساً، ولم أتخيل مطلقاً أن يكون حقيقة، خاصة أن آخر شيء فعلته هو عندما وضعت رأسي على الوسادة".
تستذكر صابرين أن بنت عمها مريم (9 أعوام) كانت تنام بجانبها في تلك الليلة، وتشير إلى أنه وبعد الاستهداف بساعات علمت أن مريم ارتقت شهيدة وأن (جود 10 أعوام وورد 4 أعوام) أصيبتا جراء القصف الإسرائيلي.
أصعب ما مرت به الفتاة "صابرين" هو عندما علمت ببتر قدمها، تقول: "الاحتلال قتل فرحتي، ودمر حلمي، وبدلاً من البحث عن فستان الزفاف بدأتُ أبحث عن طرف صناعي لقدمي".
لسنا أرقاماً
تشعر صابرين بخيبة أمل ويأس من شعوب العالم الإسلامي والعربي والعالم الحر؛ لعدم تحركهم لوقف الابادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" منذ السابع من أكتوبر للعام 2023م.
ووجهت "صابرين" رسالة للعالم نيابة عن جميع أهالي قطاع غزة، تقول فيها: "نحن عبارة عن أرواح، من حقنا أن نعيش، أن نحلم، وأن نخطط لمستقبلنا، نحن لسنا أرقاماً، نحن بشر نحمل أحلام المستقبل، أوقفوا هذا الإجرام الإسرائيلي، تحركوا وكفى صمتاً وخذلاناً".