مع اقتراب نهاية شهر رمضان المبارك، تتجدد تساؤلات الكثير من الفلسطينيين، وخاصة المغتربين في البلاد العربية أو الأوروبية، سواء كان تواجدهم في الغربة قديماً أو اضطرارياً بسبب الحرب على غزة، حول أحكام زكاة المال والفطر ومقدارهما، وكيفية إخراجهما.
وقال عضو المجلس الأعلى للإفتاء في فلسطين، وعضو هيئة التدريس في جامعة الأزهر بغزة، فضيلة الأستاذ الدكتور نعيم سمارة المصري، إن زكاة المال هي ركن أساسي من أركان الإسلام، وهي طُهرة للمال وبركة في الرزق، وفي ظل الظروف التي يمر بها الفلسطينيون، خاصة أهل غزة الذين يعانون من العدوان واللجوء، فإن إخراج الزكاة لهم من أوجب الواجبات وأعظم القربات.
وأفتى د. المصري، في حوار خاص مع "شمس نيوز"، بجواز تحويل أموال الزكاة نقداً من المزكي إلى محفظة الفقير أو حسابه البنكي بالتطبيق، إن كان يستطيع أن يتعامل بها في التسوق والشراء، نظراً لعدم ضبط السوق المالي في الحوالات المصرفية وارتفاع تكلفة تسييل الأموال في غزة.
لكنه أوضح أن "الفقير إن كان يحتاج إلى السيولة فعلى المزكي أن يدفع النسبة المطلوبة لتسييل المال، ولا تُخصم من الفقير، فإذا لم يدفعها ودفعها الفقير لا تبرأ ذمته مما خُصِم من الفقير؛ وذلك لأن أجرة وتكلفة وصول الزكاة كاملة ليد الفقير على المزكي".
وفي حال عدم القدرة أو الرغبة بالتعامل على هذه الصورة، فإن الدكتور المصري ينصح يسجل صاحب المال مبلغ زكاة ماله الواجب وتُكتب به وصية بأنه حق للفقراء متى أمكن الوفاء به يُخرج إليهم".
وفيما يلي نص الحوار:
أجرى الحوار: وليد المصري
س1/ ما حكم إخراج زكاة المال؟ وما شروطها ومقدارها؟
زكاة المال زكاة المال هي ركن أساسي من أركان الإسلام، وهي فريضة واجبة على كل مسلم تتوفر فيه شروطها، وهي ركن من أركان الإسلام، دلّ على وجوبها الكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: "وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ" (البقرة: 110)، كما قال النبي ﷺ: "بني الإسلام على خمس.. وذكر منها إيتاء الزكاة".
ويشترط لإخراج زكاة المال، أن يبلغ المال النصاب، وقد حدد المجلس الأعلى للإفتاء في فلسطين نصاب الأموال التي تجب فيها الزكاة بمبلغ 5600 دينار أردني، ومقدارها الواجب إخراجه هو 2.5% من المال إذا حال عليه الحول (مرّ عليه عام هجري كامل).
س2/ هل يجوز إخراج زكاة المال عبر التطبيق البنكي أو المحافظ الإلكترونية مثل محفظة بال باي إذا كان الفقير المستحق لديه هذه الوسائل؟
الأصل في الزكاة أن تصل ليد مستحقها غير منقوصة فإن كانت تحتاج إلى تكلفة نقل حتى تصل للفقير، فقد قرر الفقهاء أن هذه الأجرة تكون على المزكي صاحب المال، ويعتبر تحويل مبلغ زكاة المال نقداً من المزكي إلى حساب الفقير والمستحق لها استلام لهذه الزكاة وتكون مجزئة، وهذا الحكم في الوضع العادي والبلد المستقر في معاملاته المصرفية وحوالاته المالية، أما عندنا في غزة في غزة التي ترزح تحت الحرب والعدوان فإن الحكم يختلف؛ بسبب عدم توفر السيولة النقدية، وعدم ضبط السوق المالي في الحوالات المصرفية، وارتفاع تكلفة تسييل الأموال، ولهذه الظروف الطارئة نقول إنه يجوز تحويل أموال الزكاة على محفظة الفقير أو حسابه البنكي بالتطبيق إن كان يستطيع يتعامل بها في التسوق والشراء، فإن كان الفقير يحتاج إلى السيولة فعلى المزكي أن يدفع النسبة المطلوبة لتسييل المال ولا تخصم من الفقير.
س3/ ماذا إن دفع الفقير قيمة تسييل المال بعد استلام الزكاة عبر المحفظة أو التطبيق البنكي؟
إذا لم يدفع المزكي قيمة تسييل المال ودفعها الفقير لا تبرأ ذمته مما خصم من الفقير؛ وذلك لأن أجرة وتكلفة وصول الزكاة كاملة ليد الفقير على المزكي.
وفي حال عدم القدرة أو الرغبة بالتعامل على هذه الصورة فإننا ننصح بأن يسجل صاحب المال مبلغ زكاة ماله الواجب وتكتب به وصية بأنه حق للفقراء متى أمكن الوفاء به يُخرج إليهم والله ولي التوفيق.
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
س4/ هل يجوز نقل زكاة الفطر أو المال من بلد إلى آخر؟
للعلماء أقوال في نقل زكاة المال من بلد المزكي إلى مكان آخر، فمذهب الحنفية وغيرهم من التابعين أن نقل زكاة المال من بلد لآخر مكروه تنزيهاً؛ مراعاةً لحقوق الجوار، إلا إذا كان النقل إلى ذوي قرابةٍ محتاج، فإنه لا يكره بل يتعين نقلها إليه، لما روي في مجمع الزوائد من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يقبل الله صدقة من رجل وله قرابة محتاجون إلى صلته)، وفي نقلها إليهم تحقيق للمقصود من الزكاة وهو سد حاجة المحتاج والمطلوب شرعاً وهو صلة الرحم ففيه جمعاً بين الصدقة وصلة الرحم.
وعن شيخ الإسلام أنه قال: (يجوز نقل الزكاة وما في حكمها لمصلحة شرعية)، وهو أصح قولي العلماء إذا كان النقل لفقراء أشد حاجة من فقراء بلد المزكي أو لكونهم قرابة، ويقوي ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذوي الرحم ثنتان صدقةٌ وصلة) رواه الترمذي.
وبناءً على ما سبق والحاجة الملحة والمصلحة الظاهرة في وضع أهل غزة فإنه يجوز دفع زكاة مال المغتربين من الفلسطينيين وغيرهم وإرسالها إلى الأسر الفقيرة في غزة وهم كثر، وإن كانت لذي رحمٍ وقرابة فتجمع بين الصدقة وصلة الرحم.
س5/ ماذا عن زكاة الفطر؟
زكاة الفطر فقد شرعت لسد حاجة الفقراء في مكان الصائم أي محل إقامته لأنها مواساة لفقراء البلد التي يقيم فيها الصائم وإحسان لهم، لكن بسبب الوضع المترتب على الحرب في غزة فإن زكاة فطر المغتربين يجوز إرسالها إلى فقراء غزة عموماً أو الأقارب والأرحام ويكون فيها امتثال للعبادة وهي صدقة الفطر وصلة للرحم.
وإذا كان المنفق والمعيل لهؤلاء المغتربين مقيم في غزة، فهنا يكون الأمر أكثر وضوحاً ومشروعية، مع مراعاة أن تكون قيمة الزكاة التي يخرجها المغترب أو تُخرج عنه بقدر الواجب عليهم من زكاة في بلد إقامتهم ، فمثلا لو كان المغترب في السعودية أو مصر أو تركيا أو بلد أوربية يخرج مقدار زكاة الفرد عندهم في محل إقامته ويرسلها إلى أقاربه من الفقراء في غزة بما يعادلها من عملة عندنا بحيث يستلمها الفقير غير منقوصة ولا محملة تكلفة النقل والتحويل ، ويجوز للمغترب أن يوكل من يخرجها عنه شريطة عدم تأخيرها إلى ما بعد وقت صلاة العيد لأنها لا تجزء بعد الصلاة.