في تصعيد سياسي وشعبي غير مسبوق في "إسرائيل"، هددت المعارضة بالدعوة إلى إضراب عام في حال رفض رئيس حكومة الاحتلال "الإسرائيلي"، بنيامين نتنياهو، الامتثال لقرار المحكمة العليا بتجميد إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، رونين بار.
ويؤكد خبراء ومحللون متخصصون في الشأن "الإسرائيلي"، أن الصراع بين اليمين الحاكم واليسار المعارض بدأ يصل إلى ذروته، وهو بحسب سياسيين "إسرائيليين" يهدد وجود "الدولة" وحكم القانون، وسيتجه لفوضى قد تصل في ذروتها إلى حرب أهلية بين المعارضة في الشارع من جهة وجهاز الشرطة الذي يتبع للمتطرف في اليمين الحاكم وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير.
وقمعت الشرطة "الإسرائيلية" المتظاهرين في "تل أبيب" والقدس، الذين خرجوا محتجين على إقالة رئيس الشاباك، ومطالبين بإتمام صفقة تبادل الأسرى.
ونشرت هيئة البث الرسمية "الإسرائيلية"، مقاطع مصورة تظهر قمع قوات الشرطة لعدد من المتظاهرين في تل أبيب والاعتداء عليهم بالضرب.
وما أجج الشارع تصريحات "نتنياهو" التي أطلقها قبل أيام، والتي بدت كتحدٍ للمحكمة العليا التي جمدت قرار الحكومة بإقالة رئيس الشاباك، رونين بار، قوله إن "رونين بار لن يبقى على رأس الشاباك، ولن تندلع حرب أهلية، وإسرائيل ستبقى دولة ديموقراطية"، بالإضافة إلى اعتقال الشرطة اللواء المتقاعد، أمير هاشكل، أحد أبرز قادة المظاهرات ضد حكومة "نتنياهو".
وكشفت نتائج استطلاع "إسرائيلي" للرأي، أمس الجمعة، أن "66 بالمئة من الإسرائيليين غير راضين عن أداء نتنياهو لمهامه، بينما رأى 70 بالمئة أن الحكومة تفضل المصالح السياسية على مصلحة الدولة ومواطنيها".
جاء ذلك في استطلاع جديد للرأي أجراه معهد "لازار" لصالح صحيفة "معاريف".
وفق إعلام "إسرائيلي"، بدأ رئيس حكومة الاحتلال "الإسرائيلي"، بنيامين نتنياهو، الأربعاء الماضي، إجراء مقابلات مع مرشحين لتولي منصب رئيس "الشاباك" خلفاً لرونين بار.
ويأتي ذلك بعد أن رفضت المحكمة العليا "الإسرائيلية"، الثلاثاء، طلب نتنياهو إلغاء تجميد قرار إقالة بار، مشددة على أن الأخير لا يمكن إقالته قبل 8 إبريل/ نيسان المقبل، وهو موعد جلسة المحكمة للنظر في الالتماسات التي تقدمت بها المعارضة ضد القرار.
ومع ذلك، سمحت المحكمة لنتنياهو بإجراء مقابلات مع مرشحين جدد لمنصب رئيس الشاباك.
ما يفعله "نتنياهو" عرقلة للتحقيقات أم انقلاب على "الدولة"..
واعتبر الباحث والمختص في الشأن "الإسرائيلي"، عادل شديد، إن ما يعطي الجرأة لـ "نتنياهو" للتعدي على السلطة القضائية ووضعها خلف ظهره، وعدم الاكتراث بالحراك الشعبي في الشارع هو أن المعارضة الإسرائيلية ضد حكومة اليمين غير منسجمة ولا يوجد لها قيادة ولا حتى برنامج يشكل بديلاً عن برنامج الحكومة الحالية، بحيث يدفع الرأي العام في "إسرائيل" تبنيه والالتفاف خلفه.
ويرى شديد، أن "وجود 68 عضواً في الكنيست الإسرائيلي يقفون خلف هذه الحكومة ويدعمونها قد يشجعها كي تذهب إلى أبعد من ضرب قرارات المحكمة الإسرائيلية العليا بعرض الحائط، ولا ننكر أن ذلك سيشكل انعكاسات سلبية وبالغة الأهمية في التركيبة الجيوسياسية في داخل (إسرائيل)".
وأردف: "نقف اليوم أمام لحظة حاسمة بين اليمين واليسار واستفتاء حقيقي حول البرنامج الذي سيتبناه الشارع، وبالتالي التحول إلى دولة دكتاتورية بدلا من ديموقراطية كما يراه مناوئو نتنياهو".
وختم بالقول، بأن "الرهان اليوم على قدرة المعارضة على الذهاب إلى تعطيل مؤسسات الدولة ومن ضمنها الجيش والنقابات المهنية وغيرها، فإن الأمر سيكون له تداعيات كبيرة ستشكل ضغطا كبيراً على الحكومة وتثنيها عن المسار السياسي المتطرف الذي تسير فيه".
حكومة اليمين تحاول الإطاحة بالسلطة الإسرائيلية العليا..
من جانبه، يرى المتخصص في دراسة الشؤون الإسرائيلية، الأكاديمي عمر جعارة، أن الصراعات قوية ما بين السلطة التنفيذية (الحكومة) والسلطة القضائية، التي ترى نفسها المرجعية الوحيدة القادرة على البت في القضايا المفصلية للدولة، كون "إسرائيل" لا تملك دستوراً مرجعياً يحتكم له، وهذا الصراع يصل اليوم لمرحلة حساسة، لأن "نتنياهو" يحاول تغيير هذا العرف ونزع كل الصلاحيات في المؤسسات الإسرائيلية وتجريدها من استقلاليتها ووضعها في يده.
وبين "جعارة"، أن ما يدفع المؤسسات الإسرائيلية للنزول للشارع والدعوة لذلك هو تخوفها من جعل "نتنياهو" حكومته حكومة فوق القانون وأن تتصرف من دون رقابة في أكثر الفترات حساسية تاريخياً بـ "إسرائيل"، وهذا ما ترفضه المعارضة وغيرها من اليساريين والليبراليين في كل المؤسسات الإسرائيلية، لذلك التخوف من وجود حكومة لا تخضع للقانون هو ما يؤجج الاحتقان ويدفع المزيد من الإسرائيليين للشارع.
وأكد بأن دخول "إسرائيل" في حالة إضراب عام، كما تهدد النقابات الإسرائيلية فسيكون مفترق طرق صعب على حكومة "نتنياهو" وقد يطيح بها في حال دخل الاحتجاج هذه المرحلة التي ستعطل وتشل حركة "الدولة" بالكامل.
هروب "نتنياهو" نحو البراغماتية لتنفيس الشارع..
أما الباحث في الشؤون الإسرائيلية في مركز القدس للدراسات، ياسر منّاع، فيرى بأن الخلاف الذي بدأت وتيرته بالتصاعد بشكل متسارع في الأيام الأخيرة داخل "إسرائيل" وهو خلاف قديم ومتجدد بين الليبراليين الذي يسيطرون على الاقتصاد والمؤسسات العمالية والقضاء وغيرها من المؤسسات، المتخوفة من سيطرة اليمين على مفاصل "الدولة" ووضع السلطات في يد شخص دكتاتوري (نتنياهو) إلى الأبد.
ولفت "منّاع"، إلى أن "نتنياهو" اليوم يقود انقلابًا كبيرًا لتحقيق تغيرات جذرية لصالح المشروع اليميني لأول مرة في تاريخ "إسرائيل" مستغلاً الحرب على غزة، بل ومستغلاً كل تلك الجبهات التي فتحها في المنطقة وهذا كله يحظى بدعم إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
واستدرك "لكنه (نتنياهو) اليوم أمام خيارين؛ إما بفتح حرب جديدة وعنوانها التهديد النووي الإيراني، أو تحوله إلى سياسة براغماتية وإيجاد حلول سياسية بعيداً عن الحلول العسكرية لتنفيس الشارع، وفي حال ذهب للخيار الثاني سيكون هذا بحد ذاته انتصارًا للمشروع بحيث يكون قد امتص غضب الشارع تماماً".
من جانبه، قال رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة النجاح الفلسطينية، الأكاديمي رائد نعيرات، إن غياب قيادة حقيقية للمعارضة الإسرائيلية يجعل الموقف أكثر تعقيداً، خصوصاً في ظل الدعم الأمريكي الأعمى لشخص "نتنياهو" ومشروعه، وهذا الموقف بحد ذاته يشكل عقبة أمام المعارضة لمواجهة مشروع اليمين الذي يحدث اليوم انقلاباً جذرياً في "إسرائيل" منذ إعلان تأسيسها عام 1948.
وبين الأكاديمي "نعيرات"، أن ما قد يشكل نقطة فارقة في هذا الصراع، هو تنفيذ تهديدات مؤسسات الدولة بإضراب عام وشل حركة كافة المؤسسات الإسرائيلية، وهو ما سيدفع "نتنياهو" لإيجاد مقاربة سياسية تعمل على تنفيس الشارع الإسرائيلي مقابل إعطائه حصانة مطلقة، وهذه هي لعبة الابتزاز التي يقوم بها "نتنياهو" اليوم.
وتشهد "إسرائيل" حالة من الغليان في الشارع جراء احتجاجات عارمة كان عنوانها الاعتراض على رفض حكومة "نتنياهو" قرار المحكمة العليا بتجميد إقالة رئيس الشاباك، وهو ما اعتبرته المعارضة تعدياً على السلطة القضائية العليا التي تعتبر المرجعية العليا في "إسرائيل"، حتى وصل الأمر إلى تهديد نقابة العمال الإسرائيلية (الهستدروت) بالإضراب الشامل.