غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

هل تنجح "إسرائيل" في إيجاد حلّ جذريّ لمعضلة قطاع غزة؟

رشقات صاروخية تجاه الكيان

 

شرحبيل الغريب

تعدّ معضلة قطاع غزة، من وجهة نظر إسرائيلية، إحدى أهم القضايا الحاضرة دائماً في العقل السياسي و الأمني الإسرائيلي، وأكثر القضايا الشائكة في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فهي ذات أبعاد محدّدة تتركز في النظرة الأمنية والسيطرة السياسية من جهة، والجانب الإنساني والصورة الدولية التي تتشكل في كل محطة من محطات الصراع المستمر، من جهة أخرى.

ثمة سؤال يطرح نفسه، خلال كل جولة مواجهة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وبين "إسرائيل" أو بعدها، كذلك تعززت تساؤلات كثيرة في الشأن ذاته بشكل أكبر بعد عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023، وقدمت "إسرائيل" منذ تلك اللحظة سيناريوهات متعدّدة وخططاً أمنية وعسكرية مستعينة بخبراء وجنرالات عسكريين إسرائيليين بهدف إيجاد حلّ جذريّ لهذه البقعة الجغرافية التي أرّقت وما زالت تؤرق "إسرائيل"، أمنياً وسياسياً وعسكرياً، تارةً قدّم نتنياهو أهدافاً معلنة لتغيير الواقع في قطاع غزة، وتارة أخرى، استعان بخطة أكاديميين، كما لجأ إلى ما عُرِف بـ"خطة الجنرالات". فهل نجحت "إسرائيل" إلى يومنا هذا في فرض رؤية متكاملة تشمل حلّاً جذرياً لقطاع غزة؟ 

تاريخياً، تمنّى ايتسحاق رابين، أحد رؤساء وزراء "إسرائيل" السابقين، أن يستيقظ يوماً من نومه ويجد غزة قد ابتلعها البحر، ومن بعده تمنّى ايتسحاق شامير الأمنية ذاتها حتى اضطر أن ينسحب من غزة عام 2005 لما شكّلته من حال استنزاف أمني كبير، وعلى خطاهما يسير بنيامين نتنياهو منذ أكثر من 15 شهراً من حرب عسكرية متواصلة استخدمت فيها "إسرائيل" كل أنواع القتل والإبادة والتدمير في سبيل تغيير الواقع في قطاع غزة، وها هي تبحث عن خطة الخلاص منه بالحصار تارةً والتجويع تارةً والتلويح بالتهجير تارةً أخرى، ومن قبلها جرّبت طرقاً وحلولاً اقتصادية في محاولة للاحتواء والتدجين حتى جاءت عملية "طوفان الأقصى" وانفجرت في وجهها، وأثبتت فشل كل السياسات الإسرائيلية، فهل تنجح "إسرائيل" هذه المرة في إيجاد حلّ جذريّ لمعضلة قطاع غزة؟ 

سأستحضر للإجابة عن هذه التساؤلات جزءاً يسيراً مما صدر حديثاً من مراكز الأبحاث الرسمية في "إسرائيل" واعترافات أخرى لمسؤولين إسرائيليين، ومعها قراءة تحليلية معمّقة للمشهد الذي آلت إليه الأوضاع في غزة مع عودة الحرب الإسرائيلية بأشكال مختلفة.

نشر معهد أبحاث "الأمن القومي" في جامعة "تل أبيب" تقريراً عن دراسة حديثة لحلّ معضلة "إسرائيل" في قطاع غزة، وقدّم ثلاثة سيناريوهات وبدائل واضحة، تمحورت حول إعادة احتلال قطاع غزة بالكامل وإقامة حكم عسكري فيه، واستمرار الحصار المفروض على القطاع وإبقاء حكم حماس ضعيفاً حتى الانهيار الذاتي، وإقامة حكم مدني بديل لحماس مع إبقاء المسؤولية الأمنية بأيدي "إسرائيل. 

ورأت الدراسة أن أمام "إسرائيل" ثلاثة بدائل لإنهاء الحرب على قطاع غزة لا رابع لها، ويبقى السؤال الأبرز، أي من هذه السيناريوهات تستطيع "إسرائيل" فرضه على قطاع غزة؟ 

أعلنت "إسرائيل" منذ اللحظة الأولى للرد على عملية "طوفان الأقصى" عن أهدافها الاستراتيجية لهذه الحرب، وسعت إلى تحقيقها بالقوة العسكرية المفرطة لكنها لم تنجح، وحاولت إقامة نظام حكم عشائري أكثر من مرة وفشلت، وفرضت ما عُرِف بـ"خطة الجنرالات" بالقوة العسكرية وتهجير سكان شمال غزة وفشلت مرة أخرى، حتى بات الإقرار بالفشل الصريح من صاحب الخطة الجنرال غيورا آيلاند، رئيس مجلس "الأمن القومي" الإسرائيلي السابق لموقع "واللاه" العبري أن "إسرائيل" فشلت في تحقيق أهداف الحرب على قطاع غزة، وهي غير قادرة على فرض حلّ لها.

إقرار إسرائيلي آخر ممن أعدّ الدراسة الحديثة في "إسرائيل" نشرها مدير معهد "الأمن القومي" الإسرائيلى ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق تمير هايمان، أن معضلة حماس في قطاع غزة ليست سهلة كما يتصوّر البعض، فهي ملتزمة بفكرة المقاومة أيديولوجياً، ومحاولات إخفائها عن وجه الأرض من خلال حرب عسكرية ليست ممكنة. 

ويذهب هايمان في دراسته إلى ما سمّاه السيناريو الأسوأ لحلّ معضلة غزة في محاولات "إسرائيل" تنفيذ مخطط التهجير، إذ يشير إلى أنه حتى لو تم تهجير نصف مليون فلسطيني إلى دولة أخرى فهذا لن يحلّ المشكلة جوهرياً. وخلصت هذه الدراسة بنظرة طويلة الأمد إلى إعادة طرح السؤال الأبرز مجدداً، ما الخطة التي يمكن فرضها على قطاع غزة كمعضلة قائمة في وجه "إسرائيل"؟ هل هناك خطة بالفعل، وهل هناك قدرة على فرضها؟ 

واقع قطاع غزة، أمنياً وسياسياً واقتصادياً، لا يخفى على أحد، فهو منطقة جغرافية مساحتها 365 كيلو متراً مربعاً محاصرة منذ أكثر من سبع عشرة سنة من كل حدودها البرية والبحرية وحتى الجوية. 

الحلول التي حاولت "إسرائيل" فرضها خلال المراحل السابقة قبل "طوفان الأقصى" أثبتت فشلها، وكل ما طرحته كانت حلولاً ترقيعية أو عبارة عن إطفاء حرائق كانت تشتعل بين الحين والآخر لا حلول جذرية، في وقت نادى الشعب الفلسطيني مراراً وتكراراً بحقه في أن يعيش كبقية دول العالم بحرية وكرامة ورفع الحصار ووقف كل أشكال العدوان، لكن "إسرائيل" لم تكن تعي حجم المشكلة و تفاقمها إلى أن وصلت إلى هذا الحد.

 الاستراتيجية الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر كانت تركز في كل تصريح رسمي إسرائيلي على عناوين ثلاثة، القضاء على حماس وقدراتها العسكرية، واستعادة الأسرى بالقوة العسكرية وتحقيق ردع طويل المدى، وفي نظرة وقراءة للمشهد من ناحية أمنية، يبدو واضحاً أنه وحتى تاريخ كتابة هذا المقال، لم تفلح "إسرائيل" في تحقيق أي من أهدافها، رغم ما خلّفته من تدمير كبير لقطاع غزة، ولم تهزم حماس بل تتفاوض معها لتحرير أسراها بصفقات تبادل بعد الفشل في تحريرهم بالقوة العسكرية، وفشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق الردع الخاص بسلاح الصواريخ والأنفاق، فحماس ومعها بقية الفصائل الفلسطينية لا تزال تقاوم بل وقصفت مدينتَي "تل أبيب" و "أسدود" المحتلّتين حديثاً برشقة صاروخية خالفت كل التقديرات والتوقعات الأمنية في "إسرائيل" التي يسوّقها نتنياهو وقادة الأمن بأن المقاومة في غزة هزمت و انتهت، وأن "إسرائيل" باتت على مرمى حجر من تحقيق النصر المطلق، لكنها في حقيقة الأمر، هي تائهة في خريطة أنفاق تحت الأرض وعاجزة عن إيجاد حلّ جذريّ لها.

إنسانياً، تمارس "إسرائيل" سياسة التدمير وعقاباً جماعياً و تجويعاً مقصوداً وممنهجاً لأكثر من 2 مليون فلسطيني، وهذا انعكس سلباً على صورتها عالمياً بل وزاد من عزلتها في كثير من المحافل، ووجّهت لها انتقادات لاذعة دولياً بأنها ترتكب جريمة ضد الإنسانية بحق شعب بأكمله. 

القناعة الفلسطينية في معادلة الصراع بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل" وصلت إلى نتيجة مفادها أن الصمود في وجه آلة الحرب المدعومة أميركياً أوروبياً هو انتصار بحد ذاته، ما دامت الاستراتيجية الإسرائيلية فشلت بعد كل هذا القتل والإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتدمير في تحقيق صورة نصر واضح أو حسم نتيجة الحرب لصالحها، بل إن استمرار الحرب بات يشكل استنزافاً طويل الأمد لـ"إسرائيل" و"جيشها" المرهق، و احتمالات توسع دائرة الحرب على جبهات أخرى، وهذا في حدّ ذاته يعدّ تحدياً أمنياً طويل المدى لا تقدر عليه "إسرائيل" التي تواجه انقسامات عميقة وتصدعات داخلية مستمرة.

اعتقدت "إسرائيل" أن انسحابها من قطاع غزة عام 2005 كان الفكرة الأنجع لها، و أن ذلك سيحدّ من الاشتباك بينها وبين حماس وفصائل المقاومة، لكنها تناست أو تغافلت الواقع الذي فرضته على غزة ونتائجه على هذه البقعة الجغرافية،فكانت النتائج عكس ما تمنّت. 

أثبتت التجارب على مدار محطات الصراع بين حماس والمقاومة أن اعتماد "إسرائيل" على سياسة الردع العسكري لم يحقق أياً من أهدافها في القضاء على قدرات المقاومة الفلسطينية، أو منعها من إعادة بناء نفسها وقوتها من جديد، أو منع إطلاق الصواريخ أو ترميم الأنفاق، وهي ما زالت معرضة في كل حين لقصف صاروخي من المقاومة أو عمليات مباغتة بطرق مختلفة. 

كما أثبتت كل الحكومات الإسرائيلية على مدار تاريخ "إسرائيل" أنها لم تطرح مشروعاً استراتيجياً يشكّل حلّا جذرياً لمعضلة قطاع غزة، وأن كل ما قدّمته يشكّل إدارة صراع مع الفلسطينيين عبر أدوات ردع مؤقتة وحصار طويل الأمد ورفض أي مسار سياسي يمكن أن يوصل القضية الفلسطينية إلى حلّ سياسي ويعيد الحقوق إلى الشعب الفلسطيني.

أكثر من ذلك، أن هذه الحكومات الإسرائيلية على مدار تاريخها لم تستطع أن تضع استراتيجية واضحة للتعامل مع غزة، وهذا نابع من قناعة لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن قطاع غزة منطقة لا حلول لها، وينظرون إليها ككيان معاد فيه لاجئون يطمحون للعودة إلى أراضيهم المحتلة، وعليه يندرج سلوك "إسرائيل" في قطاع غزة على عناوين القتل والإبادة الجماعية والتطهير العرقي كعناوين لهذه الحرب المستمرة. 

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".