يرفع الطفل عليَّ يده عاليًا محاولًا لفت انتباه المكلومين وسط صراخات مدوية ودخان يتصاعد من كل مكان، يصرخ بأعلى صوته "أنا هنا، يا ماما، أنا هنا"، أجابته أصواته مرعوبة، "ما تخفش انت بخير!"، فقد طار جسد عليًّ كـ"جسد والده وشقيقاته الخمسة" المبتورة فوق العمارة المقابلة لعمارتهم من قوة القصف المدوي الذي استهدف الشقة السكنية التي لجأ إليها والده "فرج" بعدما أُجبر على النزوح من حي الشجاعية شرق مدينة غزة.
"عليَّ فرج" 6 أعوام الناجي الوحيد هو ووالدته من مجزرة إسرائيلية مرعبة وقعت في شارع اليرموك وسط مدينة غزة، راح ضحيتها نحو 22 مواطنًا غالبيتهم أطفال من عائلتي "فرج وشحتو"، لتضاف الجريمة لسلسلة من جرائم الإبادة التي تنتهجها "إسرائيل" منذ السابع من أكتوبر (2023).
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
بدأت حكاية الطفل "علي" ووالدته "نهى" عندما وصلت عقارب الساعة نحو الخامسة مساءً من يوم الخميس (24 إبريل 2025) حينها كان الصغير يشاهد أفلام الكرتون عبر الهاتف، بينما والدته تنهمك في صناعة وجبة "المعكرونة" لسد جوع أطفالها، وفنجان قهوة لشقيقها محمد، قبل أن تنقلب الأحداث رأسًا على عقب.
فجأة عمَّ الظلام في مطبخ "نهى" وساد غبار ودخان من كل جانب، سقطت "نهى" على الأرض مصابة بجروح وحروق، وبعد دقائق معدودة من الانفجار الضخم أدارت عينيها يمنة ويسرة باحثة عن أطفالها وزوجها وشقيقها محمد؛ صارخة: "فرج، محمد"، لا أحد يجيبها، حاولت السير في شقتها فلم تجد جدران الشقة وكل ما وجدته أكوام من الحجارة، وبعد أن حاولت النزول على سلم الدرج لمحت صغيرها "عليَّ" يصرخ من شدة الألم الذي أصابه بعدما طار بجسده على العمارة السكنية المجاورة من شدة الانفجار.
أشارت نُهى بيدها التي تنزف دمًا، "عليَّ، عليَّ، هيني يَّما، ما اتخافش"، في تلك اللحظة صعد مجموعة من الشباب على الشقة المستهدفة لإنقاذ المصابين فطلبت منهم بسرعة: "هي ابني الحقوا فش حدا بالشقة كلهم طاروا على سطح العمارة المقابلة"، لحظات قليلة ووجدت نفسي في سيارة الإسعاف بسبب الحروق والاصابات التي لحقت بي.
وفي تلك الاثناء التقط الصحفي "محمود شلحة" مقطع فيديو للطفل عليَّ أثناء تواجده فوق العمارة السكنية المجاورة لعمارتهم، تحيطه ركام الشقة، وجثة والده وشقيقاته عبارة عن أشلاء ممزقة، وانتشر الفيديو عبر منصات التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم.
يجلس "حمزة فرج" عمَّ الطفل "عليَّ" على سرير المرض في مستشفى الهلال الأحمر الكويتي، بعينين دامعتين يقول لمراسل "شمس نيوز": "استشهد نحو 20 شخصًا في الاستهداف بينهم أخي فرج وبناته الخمسة (زينا - لين - رزان - سعاد – جوري) ولم يبقَ سوى عليَّ ووالدته نُهى، ليشهدا على جريمة جديدة من جرائم الاحتلال الإسرائيلي".
"مشهد عليَّ يلوح بيده من فوق العمارة المقابلة تُفقد الإنسان عقله، ومشاهدة أشلاء الصغيرات الخمس مؤلمة جدًا، لم نشاهدها ولم نتوقع مشاهدها في الأحلام ولا في الخيال، كلهم أطفال ايش ذنبهم يا عالم".
في الثالث من إبريل 2025 نزحت أسرة فرج من حي الشجاعية قسرًا نتيجة التوغل البري الإسرائيلي لمنطقة تلة المنطار، وكان على فرج النزوح إلى مكان آمن يقول شقيقه حمزة: "لا يوجد مكان آمن في غزة مطلقًا، لم يجد فرج مكان لإيوائه سوى شقة أنسبائه من عائلة شحتو، فكان هناك قدره المحتوم وقدر أطفاله".
"ما فعله الاحتلال هو إجرام بحق الإنسانية، كل الي ماتوا أطفال صغار، والوضع في قطاع غزة صعب جدًا لا مساعدات لا أكل لا شراب الوضع هنا لا يطاق الحصار مطبق والاحتلال يرتكب كل يوم جريمة بحق الانسان الفلسطيني، أين العالم!؟ أين الإنسانية والمؤسسات الدولية!؟"، يقول حمزة وقلبه يحترق على حالة الطفل "عليَّ" نجل شقيقه فرج.
وعن وضع عليَّ بعد الحادث الصعب يقول حمزة: "علي أصيب بكسور في جسده، وشظايا في كافة أنحاء جسده، وما زال يتلقى العلاج في المستشفى الميداني غرب غزة".
اخترنا لكم: بالصور فلسطينيان من غزة يخترقان الحدود لصناعة "حلوى الشتوي" في أوروبا
ويأمل حمزة كغيره من سكان قطاع غزة بأن يتوقف شلل الدم الفلسطيني وحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر (2023) وما زالت مستمرة لتحصد أكثر من 52 ألف شهيد ومفقود وأكثر من 116 ألف جريح ومصاب.
وارتكبت "إسرائيل" خلال 560 يومًا من حرب الإبادة المتواصلة نحو (12 ألف) مجزرة، إذ أباد خلالها (2.172) عائلة بالكامل ومسحها من السجل المدني بقتل الأم والأب وجميع أفراد الأسرة، ونحو (5070) عائلة أبادها الاحتلال ولم يتبقَ منها سوى فردًا واحدًا فقط.
