بقلم: رامي الغف
أعتقد أن جميع السفارات والقناصل الدبلوماسية في عالمنا العربي بشكل عام وفي وطننا بشكل خاص هذا إن لم أكن مخطئا، تتفق على إن مصلحة المواطن والوطن، لابد وأن تكون فوق كل مصلحة وهذا من بديهيات وأهداف الأنظمة الداخلية لكل سفارات العالم ، ولكن ما يثير اهتمامي هو إن الكثير من سفراءنا ودبلوماسيونا ومسئولي وأعضاء وكوادر هذه السفارات وبالذات ممن أصبحوا مسئولين في سفاراتنا المبجلة، لا يهمهم سوى مصالحهم الشخصية ولو على حساب المواطن بل وعلى حساب الوطن ..! فالملاحظ من خلال تصريحات السفراء الذين يتبوءون منصب السفير أو القنصل ينادون بأن مصلحة المواطن هي ما يهمهم وكلٌ طبعا حسب نوعية التصريح الذي يدلي من خلاله بدلوه.
ولكن الملاحظ أن البعض من سفرائنا في واد والمواطن في واد آخر، بمعنى أن المواطن لا يملك شيئا وهو بحاجة لكل شيء، والسفير يملك كل شيء ولا ينجز إلا ما تقتضيه مصالحه، وما يثبت مركزه، وما يقوي وجوده، وما يعزز مكانته، والاهم من كل ذلك ما يعيد اختياره مرة ثانية وثالثة في منصبه!
على المواطن أن يبقى في مكانه يراوحه، فبعد استقرار السفراء في مكاتبهم الوثيرة، وتربعهم في كراسيهم الفخمة ، تبدأ مرحلة الترقب والانتظار وتظل عيون وأفكار وتطلعات المواطن ترنو لوعودهم، ويوم يجر يوما وشهر يجر شهرا وعام يجر عام ويطول الصبر والتحمل وما تزال على ما كانت العقد، وأول إجراء يقوم به السفير الجديد، هو إتلاف أرقام هواتفه القديمة واستبدالها بجديدة طبعا مع احدث الأجهزة وآخر الصيحات، وبعد شهرين أو ثلاث تغيير محل إقامته فمنطقة السكن والبيت البسيط لا يليقان به بعد الآن، وبسطاء المواطنين يقرفونه فدائرة معارفه الجديدة يجب أن تكون من عالية القوم، ثم أين يذهب بهذه الرواتب والمخصصات الدولارية وماذا يفعل بها ؟ طبعا يحولها إلى شراء الأراضي والفلل والسيارات، وليقل المواطن ما يقول حتى لو خبط رأسه بالحيط.
إن سفراءنا يدلون بتصريحاتهم عبر وسائل الإعلام العربية والغير عربية المختلفة ومن خلال مكاتبهم الفخمة المكيفة التي تبرزهم وكأنهم يتكلمون باسم الوطن والمواطن الفلسطيني كله، وخصوصا من الذين يضعون علم وطننا الغالي فلسطين خلفهم، ويجلسون خلف مكاتب فخمة وغالية الثمن، وهؤلاء هم أكثر المصرحين كذبا، فما يتقاضوه من رواتب ومخصصات وامتيازات جعلتهم يعيشون حياة يفتقر إليها الملايين من أبناء شعبنا الفلسطيني، بل إن ما يتقاضوه من حجم تلك الامتيازات يمكن لها أن تطعم الآلاف من الفقراء والمعدمين والمقهورين والمسحوقين من الناس البسطاء الذين لا هم لهم إلا قضاء يومهم بشره وخيره.
سبحان الله الولي الرزاق، الذي يهب إناسا مالا وجاها وغناء، ويهب إناسا فقرا وبؤسا وشقاء، أما الصغار من المسئولين والموظفين الانتهازيين والمتزلفين والمنافقين والأفاقين في أي سفارة من سفاراتنا فهم إذا ما تكلموا عن النزاهة والشفافية والأخلاق فإنك تقف مذهولا عند حجم ما يطلقوه من حكم وثوابت وشعارات ولكن الحقيقة غير ذلك بتاتا.
إن الكثير من أعضاء سفاراتنا إما رجال أعمال أو مسئولي شركات استثمارية أو حتى نوادي ومؤسسات ماليه، وبكلمات أخرى مجموع غالبية السفراء يشكلون معظم أعضاء السلك المالي الاقتصادي في الدول التي يخدمون بها، وعدد ليس قليلاً منهم يسيرون أمورهم وفقاً لمبدأ "أخدمني بخدمك وحكلي بحكلك. والمتابع لحركة مصالح أعضاء هذه السفارات يستطيع أن يستشف العلاقة المصلحية بين فئة السفراء والقناصل والدبلوماسيون.
فبين فترة وأخرى تنقل الوسائل الإعلامية العربية والغير عربية بعض أخبار سفراءنا ودبلوماسيونا الذين يمثلونا في الدول الصديقة والشقيقة والتي تجعل مواطننا الفلسطيني يغوص في تفكيره وتأملاته، ويخرج بسؤال يصعب إجابته بسهولة، ألا وهو هل سفراءنا وقناصلنا ودبلوماسيونا الأشاوس الذين يقطنون في فنادق خمسة نجوم وفي شقق ضخمة وفيلل فاخرة على الطراز الأول خرجوا من رحم شعبنا وينتمون إليه ويعانون معاناتهم ويعيشون أحزان وطنهم وهمومه وشجونه؟ وهل فعلاً يريدون مصلحة وفلاح شعبهم ووطنهم العليا؟ فواقع الحياة الدبلوماسية يعطي إجابات تناقض ما يصرح به السفراء والقناصل والدبلوماسيون الفلسطينيين في كل مكان.
قبل سنه تقريبا اجتمعت القيادة الفلسطينية وعلى رأسهم الرئيس أبو مازن في مدينة رام الله بوجود وزير الخارجية بكافة السفراء والقناصل والدبلوماسيون المنتدبون على الدول العربية والأمريكية والأوروبية لخدمة شعبنا وجالياتنا الفلسطينية في هذه البلدان، وتحدث الرئيس بما يملي عليه ضميره مؤكدا على إبراز قضيتنا الفلسطينية في كافة المحافل الدولية والعربية، إضافة إلى خدمة أبناء شعبنا النازحين واللاجئين والقاطنين والمهجرين في هذه الدول، وانتهى الاجتماع على أكمل وجه وعاد سفرائنا ودبلوماسيونا إلى أماكن عملهم وسكناهم، يقودون سيارات مصفحة يناهز سعر الواحدة ألاف الدولارات إضافة إلى حصولهم على رواتب حماية بمئات الآلاف من الدولارات شهريا, وتكلفة السيارات المصفحة وهذه الزيادة التي يحصل عليها سفرائنا ودبلوماسيونا الأشاوس تساوي ملايين الدولارات من ميزانية السلطة سنويا, فتكاليف بهذا المستوى يحصل بها أعضاء سفاراتنا من أجل زيادة رفاهيتهم وأموالهم، لأن أغلب أموال الحماية تذهب إلى جيوب سفرائنا وتملأ كروشهم المنتفخة, علما من الصعب بل المستحيل أن تجد اجتماع واحد لسفارة فلسطينية واحدة هذه بدون غياب أو حتى إذا حصل أصلا، وفي أغلب الأحيان يؤجل إقرار القرارات بسبب غياب السفير أو من ينوبه.
لقد كان من الأجدر لأعضاء سفاراتنا في هذه البلدان أن يأنبوا أنفسهم بسبب تقاعسهم عن أداء واجبهم اتجاه شعبهم وقيادتهم التي وضعت الثقة بهم وهم لم يخدموا لا قضيتهم ولا أبناء شعبهم هناك, فهل المتقاعس في أداء واجبه يكرموه بهذه المبالغ الطائلة من أموال الشعب الذي هو في أشد الحاجة لها لما يمتلك بين فئاته عوائل لا تمتلك أسقف تؤويها من برد الشتاء أو تدفع عنها حر الصيف وتفترش الميادين وتلتحف السماء من قلة ما في اليد، بل هناك عوائل تنام فارغة البطون وملابسها التي ترتديها لم تبدلها من عشرات الأيام لأنها لا تمتلك غيرها, وأعضاء سفرائنا ودبلوماسينا يسبحون بالنعيم والرفاه!!! فهل توجد نقطة وصل أو التقاء ما بين صورة شعوبنا الفلسطيني وسفرائنا الأشاوس؟
هذه ومضة، فالمعلوم أن الكثير من الحكومات في العالم تصرف مبالغ لسفراتها لأنها مطلوبة منها أولا وأخيرا أنشأت لخدمة مواطنيها والدفاع عن حقوقهم وقضاياهم، وباعتبار إن هذا من واجب الدولة، وفي بعض سفاراتنا المبجله نجد أن المواطن لم يحظى لا بالخدمات والبرامج وبالإغاثة ولا بفرص عمل ولا بإحقاق الحقوق وأتعس شريحة هم فئات الطلاب الذين يتعلمون بالدول الشقيقة والصديقة!! فأين سيذهب هذا الطالب؟ فقد حرمتموه حقوقه ومنعتموه من أن يجد لنفسه فرصة عمل أو حتى تحقيق أماله وأحلامه التي تغرب من أجلها.
*أخر الكلام
دعوة من القلب لوزارة الخارجية الفلسطينية أن تنتبه جيدا إلى ما يقوم به من ينتمي إليها من المسئولين والنفعيين والمفسدين من السفراء والقناصل والدبلوماسيين، ويقفوا بوجههم، لأن ما يقوم به هؤلاء السفراء والدبلوماسيون الجشعون إنما يعكسون صورة سلبية عن هذه السفارة أو تلك والتي تعتبر كما قلنا سلفا مصلحة المواطن والوطن الفلسطيني الغالي فوق كل اعتبار مما يحتم عليهم أن يثبتون لشعبنا إن من يجعل مصلحته الشخصية فوق مصلحة المواطن والوطن لا ينتمي إليهما.