مجلة كونتر بنش
إذا ما قلت إن دولة إسرائيل لا ينبغي أن تكون موجودة، فأنا لا أكون معاديًا للسامية. ومع ذلك، فأنا معاد للصهيونية. وهناك اختلاف واضح بين الأمرين. فالشخص المعاد للسامية هو الشخص المتحامل على اليهود. وعلى الجانب الآخر، فإن الشخص المعاد للصهيونية هو الشخص الذي يعارض قطاع معين من اليهود يرون أن هذا الأمر حق لهم بموجب منحة إلهية بمقتضاها يتم إقامة دولة يهودية على الأراضي المقدسة وعلى حساب الشعب الفلسطيني الذي عاش هناك منذ ألفي عام.
فإقامة دولة يهودية في قلب العالم العربي لا يمثل فقط استمرارًا للاستعمار الأوروبي في فلسطين، بل ينطوي أيضًا على تطهير عرقي للفلسطينيين ويرسخ لنظام التمييز العنصري الذي تمارسه دولة مارقة دائمًا ما تنتهك القانون الدولي. وبالنظر إلى الواقع، والحقيقة القائلة بأن فلسطين هي الأرض المقدسة لثلاث ديانات، فإن الحل الوحيد للمشروع الصهيوني للدولة الإسرائيلية ومن يدعمها من الغربيين هو إقامة دولة واحدة: دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين يعيش فيها اليهود والعرب والمسيحيون بحقوق متساوية للجميع.
صعود الحركة الصهيونية
نشأت الحركة الصهيونية في أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر، وقامت بتشجيع اليهود الأوروبيين على الهرب من معاداة السامية عن طريق الهجرة إلى فلسطين ، التي كان يحكمها الأتراك العثمانيون في ذلك الوقت، بهدف إقامة دولة يهودية على الأرض المقدسة. وقد رفعت هذه الهجرة نسبة السكان اليهود في فلسطين من 4% في عام 1850 إلى 11% في عام 1917، وهو العام الذي أعلنت فيه الحكومة البريطانية وعد بلفور الذي نص على: “إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وسوف تبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية“.
وفي أعقاب هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، حكمت بريطانيا وفرنسا دول المنطقة في ظل نظام الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم (وهي المنظمة التي سبقت الأمم المتحدة). ولكن الحرب العالمية الثانية نتج عنها سقوط الإمبراطوريات الأوروبية وحصول المستعمرات في جميع أنحاء العالم على الاستقلال. وتبعًا لذلك، استقل كل من لبنان عام 1943، وسوريا 1946 عن فرنسا. بينما تحررت الأردن من الحكم البريطاني عام 1946. وكان الاستثناء هو فلسطين. والتي كانت تحكمها بريطانيا منذ عام 1922.
وكان لدى فلسطين جميع الحقوق كجاراتها بأن تصبح دولة مستقلة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ولكن المشروع الصهيوني المدعوم من الغرب حال دون حدوث ذلك. وطبقًا لوعد بلفور، سعت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا لضمان إقامة دولة يهودية في فلسطين. وفي ظل الحكم البريطاني، ارتفع عدد السكان اليهود في فلسطين من 11% في عام 1922 إلى 32% في عام 1948، وقد وصل الكثيرون منهم إلى فلسطين بعد انتهاء الحرب.
وفي عام 1947، أقرت منظمة الأمم المتحدة المقامة حديثا قرار تقسيم فلسطين دون أي تشاور مع الشعب الفلسطيني. واشتملت الخطة على منح اليهود 56% من فلسطين لتصبح دولة إسرائيل اليهودية. و43% من الأراضي الفلسطينية لإقامة دولة فلسطينية. وعلى الرغم من الأغلبية العربية في فلسطين، إلا أن نصيب إسرائيل من الأراضي كان أكبر من أجل استيعاب الهجرة المتوقع زيادتها ليهود أوروبا. بينما الـ1% المتبقي من الأراضي الفلسطينية والذي يتكون من مدينة القدس المقدسة أصبح تحت الوصاية الدولية وتديره الأمم المتحدة.
وقد دعمت الجماعات اليهودية قرار التقسيم، وعارض الفلسطينيون والدول العربية المحيطة القرار، واستندوا إلى أنه ينتهك مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة والذي بمقتضاه يجب أن يكون للفلسطينيين الحق في أن يقرروا مصيرهم. ولم يتم تنفيذ الخطة. ومع ذلك، فقد أعلن السكان اليهود في فلسطين من جانبهم إقامة دولة إسرائيل في 14 مايو 1948 .
الاستعمار الأوروبي الجديد
بنهاية عام 1949، وفقًا للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي، دمرت إسرائيل أكثر من 400 قرية فلسطينية، وارتكبت مذابح بحق الآلاف من المدنيين وقامت بتهجير ما يقرب من مليون فلسطيني قسرًا، والذين انتهت بهم الحال إلى مخيمات اللاجئين في الدول العربية المجاورة. وبعبارة أخرى، وفقًا لبابي، في حين عانى الشعب اليهودي لتوه من أهوال الهولوكوست، كان الصهاينة يمارسون التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني.
وقد سمحت عملية التطهير العرقي هذه بتوسع إسرائيل وتطويق 77% من الأراضي الفلسطينية عدا القدس الشرقية، والضفة الغربية، وقطاع غزة. وعلى مدار السنوات الثلاث التالية، هاجر 700000 يهودي إلى إسرائيل جاءوا بشكل رئيس من أوروبا. وقد شكّل هذا الاستعمار اليهودي لفلسطين امتدادًا للاستعمار الأوروبي؛ حيث تحولت سلطة السيطرة على الشعب الفلسطيني من الحكومة البريطانية إلى اليهود الأوروبيين متمثلة في شكل الدولة الإسرائيلية الجديدة.
وفي أعقاب حرب عام 1967 ضد العديد من الدول العربية (سوريا والأردن ومصر) احتل الجيش الإسرائيلي الـ23% المتبقية من فلسطين (القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة). وقد استجاب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حيال ذلك بتمرير قرار رقم 242 مطالبًا فيه: “بانسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من أراضٍ احتلتها في الصراع الأخير“. ومنذ ذلك الوقت، استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو في مجلس الأمن في 41 مناسبة لضمان عدم تنفيذ العديد من قرارات مجلس الأمن التي تدين الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع.
وبعدما تم إجبار الفلسطينيين على العيش تحت الاحتلال الإسرائيلي العسكري غير القانوني بعد حرب عام 1967، قررت منظمة التحرير الفلسطينية أن تجعل الكفاح المسلح محور حملتها من أجل الحصول على دولة فلسطينية. وبعد 20 عامًا من الاحتلال العسكري القمعي المستمر وعدم استعداد المجتمع الدولي لفرض قرارات الأمم المتحدة، أصبحت قطاعات من المجتمع الفلسطيني أكثر راديكالية على نحو متزايد وتم تشكيل حركة المقاومة الإسلامية حماس. وقد بدأت حماس باستخدام التفجيرات الانتحارية كتكتيك لها في وقت مبكر من التسعينيات؛ لعدم قدرتها على مجاراة تفوق الجيش الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة في حرب تقليدية. وبداية من عام 2001، بدأت حماس أيضًا في إطلاق صواريخ بدائية وغير دقيقة من معاقلها في قطاع غزة إلى داخل إسرائيل.
وعلى الرغم من أن إسرائيل قامت بسحب جيشها من قطاع غزة في عام 2005، إلا أنها فرضت في العام التالي حصارًا عسكريًا على تلك البقعة الصغيرة من الأرض، استطاعت من خلاله فرض تحكمات صارمة على وصول الأفراد والأغذية والأدوية وغيرها من المواد إلى قطاع غزة. ويقول محللون إن الحصار الإسرائيلي المتواصل لقطاع غزة الذي يعيش فيه 1.8 مليون نسمة قد خلق أكبر سجن في العالم.
وفي الوقت نفسه، لم تواصل إسرائيل فقط احتلالها غير الشرعي للضفة الغربية والقدس الشرقية، بل زادت على ذلك بانتهاكها القانون الدولي عن طريق التهجير القسري للمجتمعات الفلسطينية وتشجيع اليهود على الانتقال إلى الأراضي المحتلة. ويُقدّر الآن أن هناك ما يقرب من نصف مليون يهودي يعيشون في مستوطنات غير قانونية في الضفة الغربية والقدس الشرقية على الرغم من قرارات الأمم المتحدة التي تطالب بتفكيك تلك المستوطنات.
وقد قامت إسرائيل أيضًا ببناء جدارًا عملاقًا يعرف باسم الجدار العازل في الضفة الغربية من لأجل فصل المستوطنات غير الشرعية عن المجتمعات الفلسطينية، ومن أجل الحد من حركة الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، قامت إسرائيل بتشييد مناطق صناعية، بالاضافة إلى إنشاء المستوطنات غير الشرعية، في الضفة الغربية التي يضطر العمال الفلسطينيون لها للحصول على أجور منخفضة وظروف عمل سيئة.
ويشكل التناقض الشديد في الحقوق الممنوحة لكل من المستوطنين اليهود مقارنة مع الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة نظامًا من التمييز العنصري. وفي الحقيقة، كما قال جون دوجارد ،محامي حقوق الإنسان بجنوب أفريقيا والمقرر السابق لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة،: “ليس لدي أي تردد في القول بأن جرائم إسرائيل هي الأسوأ على الإطلاق من تلك الجرائم التي تم ارتكابها بواسطة نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا“.
وفي عام 1947، وهو العام الذي سبق إعلان إسرائيل عن نفسها كدولة ذات سيادة، عاش الفلسطينيون في 94% من فلسطين. واليوم، يعيشون في مجرد 15% بالإضافة إلى ما يقرب من 5 مليون يعيشون في مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية والدول المجاورة. وتعد الكثافة السكانية في مخيمات اللاجئين الفلسطينية من بين أعلى الأماكن كثافة سكانية على وجه الأرض. فعلى سبيل المثال، يعيش أكثر من 10000 لاجئ في مخيم الأمعري على مساحة واحد كيلو متر مربع في الضفة الغربية، وهو ما يبلغ خمسة أضعاف الكثافة السكانية لمدينة نيويورك. وكما أخبرني أحد لاجئي الجيل الثالث بمخيم الأمعري: “لدينا حلم العودة إلى أرضنا. ولكن كم من الوقت سوف يستغرق ذلك، وأي جيل سوف يفعل ذلك .. نحن لا نعلم“.
والعدد الحقيقي للفلسطينيين الذين قتلوا في الصراع المستمر منذ فترة طويلة، هو واقع محجوب عن الكثيرين في الغرب. فعلى مدار ال 15 عامًا ماضية، وفقُا لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بتسيلم، تم قتل 8701 بواسطة الإسرائيليين، وفي المقابل قتل 1138 إسرائيليُا بواسطة الفلسطينيين. حتى يوجد نفس التباين الشديد في الأرقام بالنسبة لعدد الأطفال الفلسطينيين الذين قتلوا بمجموع 1772 طفلُا قتلوا خلال نفس الفترة، مقابل 93 طفلًا إسرائيليًا.
وبالنظر إلى هذا التاريخ، فإن الادعاءات المتكررة من الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بأن العمليات العسكرية الإسرائيلية ما هي إلا مجرد عمليات دفاع عن النفس تناقض الواقع القائم على الأرض. وبالتأكيد هذا العنف الذي يمارسه أشخاص تم إجبارهم على العيش تحت حكم احتلال عسكري غير شرعي عنيف وحصار، هو الذي يجب أن يتم اعتباره نوعًا من أنواع الدفاع عن النفس. وبعد كل هذا، يتم النظر إلى المقاومة الفرنسية للاحتلال النازي لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية على أنها كفاح بطولي من أجل التحرر الوطني. وفي تناقض تام، يتم وصم المقاومين الفلسطينيين بأنهم “إرهابيون”.
وعلى الرغم من قصارى الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى بالإضافة إلى توجه وسائل الإعلام الرامي إلى تصوير إسرائيل على أنها الضحية في هذا الصراع، فإن الأرقام تعد من أكبر الأدلية على أي من الطرفين يقوم أكثر بعمليات القتل وأي من الطرفين يعاني من الوفاة أكثر من الطرف الآخر. بينما تشكّل الحقيقة التي تنص على أن شعبًا تم إجباره على العيش تحت حكم احتلال عسكري أجنبي غير شرعي، ويتم تصويره على أنه معتدي، نموذجًا مثاليًا لازدواجية الخطاب.
التعاون مع المستعمرين
يعد هذا التوسع الإسرائيلي العنيف للسيطرة على جميع فلسطين من أجل تحقيق الحلم الصهيوني الأوروبي الذي بدأ في أواخر القرن التاسع عشر. للأسف، تواطأ بعض القادة الفلسطينيين على مدار العقدين الماضيين مع المشروع الصهيوني. وقد شهدت مفاوضات أوسلو للسلام خلال التسعينيات اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل، وفي المقابل سمحت إسرائيل للفلسطينيين بمنطقة حكم ذاتي محدودة في أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع ذلك، أرجأت ما تسمى بعملية السلام معالجة مسألة حاسمة وهي “حق العودة” للاجئين الفلسطينيين.
وقد تم إجراء أول انتخابات تشريعية فلسطينية في إطار إتفاقية أوسلو في عام 1996 وفازت فيها حركة فتح ،الحزب السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي ترأست حكومة السلطة الفلسطينية الجديدة بعد ذلك. وقد بدأت السلطة الفلسطينية في تلقي مساعدات كبيرة من الحكومات الغربية. وفي المقابل، تتعامل السلطة الفلسطينية أمنيًا مع السكان الفلسطينيين في المناطق المحتلة التي تحكمها نيابة عن إسرائيل. وبعبارة أخرى، بنفس الطريقة التي تعاملت بها الإدارة الهندية والشرطة التي حكمت المستعمرة الهندية نيابة عن المستعمر البريطاني، وقد خدمت السلطة الفلسطينية المستعمرين الإسرائيليين في الأراضي المحتلة في مقابل تلقي المساعدات الغربية وتخفيض الحضور العسكري الإسرائيلي.
وكان الهدف من تدفق المساعدات الأجنبية، وخاصة تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، هو تحقيق ‘سلام اقتصادي‘ عن طريق السماح لقطاعات السكان الفلسطينيين للحصول على راحة مادية مؤكدة دون تحدي الاحتلال الإسرائيلي المستمر وتوسع المستوطنات اليهودية المستمرة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والتي تنتهك كلا من اتفاقية أوسلو والقانون الدولي. وفي إشارة إلى محادثات السلام والمتوقفة منذ فترة طويلة، صرح مؤخرًا جون دوجارد المقرر السابق لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة: “أعتقد أن استراتيجية إسرائيل والولايات المتحدة أيضًا تكمن ببساطة في السماح للمحادثات بأن تستمر دائمًا إلى الأبد، في حين تستولي إسرائيل على مزيد من الأراضي، وتسيطر على الأراضي الفلسطينية“.
وفي الوقت نفسه، فإن النموذج الاقتصادي الناشئ في الضفة الغربية غير مستدام؛ لإنه يعتمد بالكامل تقريبًا على المساعدات الخارجية والمنظمات غير الحكومية الدولية. وعلاوة على ذلك، تذهب عوائد النموذج الاقتصادي إلى رام الله إلى حد كبير ،حيث مقر حكومة السلطة الفلسطينية، مشكلةً ما يعرف في الضفة الغربية باسم ‘فقاعة رام الله‘ كما توضح الدكتورة حنان شحاتة ، أستاذة القانون وصحفية سابقة بمدل إيست مونيتور.
وفي الوقت الذي قد يتحرك فيه أولئك الموجودون في رام الله حاليًا في جميع أنحاء هذه المدينة الصغيرة دون عوائق نسبيًا، يتعرض الفلسطينيون الموجودون في باقي المنطقة للإذلال اليومي عند حواجز الطرق ونقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية، كما يواجهون أيضًا الاعتقالات العشوائية والاستجوابات غير المبررة التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى التعذيب وأحيانًا إلى الموت. وفي حين يمكن لسكان رام الله الذهاب إلى العمل في يوم آمن بشكل معقول مع العلم بأنهم سوف يعودون إلى منازلهم في المساء لتناول وجبة ساخنة والاستراحة مع أعضاء الأسرة، يترك الفلسطينيون الآخرون منازلهم ولا يعلمون ما إذا كانت منازلهم سوف تظل قائمة عند عودتهم أم سيتم هدمها بواسطة الجرافات الإسرائيلية من أجل إفساح المجال لبناء مستوطنات إسرائيلية جديدة.
وبعبارة أخرى، إذا ما تعاونت السلطة الفلسطينية ومؤيدوها مع المستعمرين الإسرائيليين، فسوف يتلقون امتيازات اقتصادية وسوف يكونون بمنأى عن الممارسات الوحشية المفرطة للجيش الإسرائيلي. ولكن أولئك الذين يصرون على مقاومة المستعمرين بنشاط سوف يتحملون القوة الكاملة للعدوان الإسرائيلي. وليس بأمر مدهش بالنسبة للكثير من الفلسطينيين أن السلطة الفلسطينية قد بيعت للمستعمرين بالتواطؤ مع إسرائيل والولايات المتحدة لتحقيق ‘سلام اقتصادي‘ على حساب التحرر الوطني.
وقد أصبح السخط المتزايد على السلطة الفلسطينية واضحًا في الانتخابات العامة لعام 2006 حيث تم هزيمة فتح بسهولة بواسطة حماس. وبعد إجراء الانتخابات، رفضت فتح تسليم السلطة في الضفة الغربية واستمرت بدعم من ‘سرائيل والدول الغربية في الحكم على مدار السنوات التسع الماضية كحكومة غير منتخبة، في حين حكمت حماس قطاع غزة.
وأصبحت الجامعات هي المكان الوحيد المسموح فيه بإجراء انتخاباتن ويتم النظر إليها على أنها مقياس يعكس وجهات النظر السياسية لعموم الشعب الفلسطيني. وفي الانتخابات الطلابية بجامعة بيرزيت برام الله الشهر الماضي، هزمت الكتلة الإسلامية التابعة لحركة حماس الحزب الطلابي لحركة فتح، حيث فازت بأغلبية المقاعد. وأوضحت نادين سليمان، طالبة الإدارة العامة بالسنة الرابعة، سبب تصويتها لحماس قائلة: “أكره فساد السلطة الفلسطينية، وينطوي تنسيقهم الأمني مع إسرائيل على اعتقال وقتل الفلسطينيين الموجودين على قائمة المطلوبين لإسرائيل، في حين يحصل الفلسطينيون في المقابل على لا شيء. السلطة الفلسطينية تهتم فقط بالحفاظ على ثروتها وامتيازاتها“.
وقد ردت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية والتي تمولها الولايات المتحدة بسرعة على نتائج انتخابات جامعة بيرزيت باعتقال أربعة طلاب ينتمون إلى الحزب الفائز بالانتخابات ومن ثم استجوابهم وضربهم. وقد تم اعتقال 25 طالبًا في جميع أنحاء الضفة الغربية، وتم تأجيل الانتخابات المزمع عقدها في جامعة النجاح الوطنية وجامعة الخليل. وبحسب منظمة هيومان رايتس ووتش، “فإنه أمر مقلق للغاية أن يتم اعتقال الطلاب بواسطة القوات الفلسطينية بدون سبب واضح سواء علاقتهم بحماس أو آرائهم“.
وفي غضون ذلك، تحدت السلطة الفلسطينية إسرائيل على الساحة الدولية من خلال حصولها على عضوية محكمة الجنايات الدولية، بينما على أرض الواقع في الضفة الغربية تقوم السلطة الفلسطينية بانتظام باعتقال واستجواب وسجن وتعذيب الفلسطينيين الذين ينظر إليهم على أنهم متعاطفون مع حماس أو الذين يتحدون الاحتلال الإسرائيلي بقوة في سبيلهم من أجل التحرر. وكنتيجة لفشلها في الدعوة إلى عقد انتخابات جديدة، وفسادها فيما يتعلق بتلقي المساعدات الأجنبية والتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي، لم يعد الكثير من الفلسطينيين ينظرون إلى حكومة السلطة الفلسطينية كحكومة شرعية.
وفي المقابل، يتم النظر إلى حماس من قبل الكثير من الفلسطينيين كمقاومة قوية لإسرائيل، وهذا هو التصور –بالإضافة إلى نقص فسادها النسبي- الذي يكمن في جذور الدعم الشعبي لها. وقد قادت هذه المقاومة إسرائيل أيضًا إلى شن ثلاثة اعتداءات عسكرية واسعة النطاق ضد قطاع غزة خلال السنوات السبع الماضية (2008 و2012 و2014). وبحسب الأمم المتحدة، فإن عدوان الجيش الإسرائيلي على غزة لمدة سبعة أسابيع العام الماضي أسفر عن مقتل 2025 فلسطينيًا من بينهم 1483 مدنياً و521 طفلًا. وفي الوقت نفسه، توفي 71 إسرائيليًا، من بينهم 66 جنديًا. وبالإضافة إلى ذلك، نزح أكثر من نصف مليون فلسطيني قسرًا من منازلهم بسبب العدوان.
حل الدولة الواحدة
قبلت السلطة الفلسطينية مقترح حل الدولتين كجزء من عملية أوسلو للسلام. وتكمن الفكرة الأساسية لهذا المقترح في أن تشكل الضفة الغربية وقطاع غزة دولة فلسطينية ]23% من مساحة فلسطين[ والباقي لإسرائيل. ولكن دعم السلطة الفلسطينية لحل الدولتين يأتي مخالفًا لرغبات غالبية الفلسطينييين. وفي استطلاع رأي تم العام الماضي، يؤيد 60% من الفلسطينيين حل الدولة الواحدة، في حين يدعم 27% فقط خيار الدولتين.
وحل الدولتين الذي يوصف باستمرار من قبل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، والمدعوم من السلطة الفلسطينية، هو حل لا يمت بصلة تمامًا للواقع في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وبحسب طارق دعنا، أستاذ بجامعة بيرزيت برام الله، فإن “حل الدولتين غير ممكن. وهو غير قابل للتطبيق بالنظر إلى الحقيقة على أرض الواقع“.
ويتمثل الواقع الذي يشير إليه دعنا في التوسع المستمر للمستوطنات اليهودية غير الشرعية والتي تعد الآن مأوى لنحو نصف مليون يهودي. وتغطي المستوطنات الآن أكثر من 40% من الضفة الغربية، التي يوجد بها أفضل الأراضي الزراعية وإمكانية الوصول إلى إمدادات المياه الرئيسة في المنطقة. وكما اعترفت دانيلا وايس قبل عدة سنوات ،عمدة صهيونية سابقة لمستوطنة يهودية في الضفة الغربية، قائلة: “أعتقد أن المستوطنات تمنع قيام دولة فلسطينية على أرض إسرائيل. هذا هو الهدف. وهذا هو الواقع“. ومن الواضح أن حل الدولتين الذي يسمح بتأسيس الدولة الفلسطينية سوف يتطلب تفكيك هذه المستوطنات وترحيل المستوطنين من الأرض التي يعتبرها الصهاينة أنها أرضهم المقدسة.
وبعيدًا عن تفكيك المستوطنات، وسياسات إسرائيل التي ترسخها. فمع بناء إسرائيل للجدار العازل، فإن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى ضم المستوطنات إلى الدولة الإسرائيلية، مما يعني أن يُترك الفلسطينيون في ثلاث قطع من الأراضي الصغيرة القاحلة الصخرية غير المترابطة والتي تفتقر إلى إمدادات المياه الأساسية. ومثل هذه النتيجة لن تشكل دولة فلسطينية قابلة للبقاء.
ويؤيد الكثير من الفلسطينيين إقامة دولة فلسطينية واحدة يمتلك فيها العرب واليهود حقوقًا متساوية. وتعارض الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ثاني أكبر عضو بمنظمة التحرير الفلسطينية بعد فتح -جماعة إرهابية من وجهة نظر الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي لأنها تحرض على الكفاح المسلح-، كلا من حكومة السلطة الفلسطينية وحل الدولتين.
وحركة التحرير الفلسطينية ليست حركة عنصرية ذات نوايا عدوانية ضد اليهود. وليست موجهة ضد اليهود، وهدف حركة التحرير الفلسطينية هو إقامة دولة ديمقراطية وطنية في فلسطين يعيش فيها كلا من العرب واليهود كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات والتي سوف تشكل جزءًا مكملًا للوجود العربي الديمقراطي التقدمي الوطني الذي يعيش بسلام مع جميع قوى التقدم في العالم.
وتنظر حماس إلى حل الدولة الواحدة باعتباره الحل الوحيد، وإن كانت دولة إسلامية تُحمى فيها حقوق اليهود. ولكن قيام دولة فلسطينية إسلامية سوف يكون ببساطة استبدال دولة دينية (إسرائيل) بأخرى. وبالنظر إلى أن فلسطين هي الأرض المقدسة للديانات الثلاث (الإسلام واليهودية والمسيحية) والحقيقة القائلة بأن الجزء الكبير من الشعب الفلسطيني يؤيد وجود دولة علمانية، فإن حل هذا الصراع العسير على ما يبدو يمكن أن يكون استبدال الدولة الصهيونية بدولة ديمقراطية علمانية يتمتع فيها جميع المواطنين –بالدينات الثلاث- بحقوق ومسؤوليات متساوية.
الخلاصة
لم يكن إنشاء دولة صهيونية في قلب العالم العربي للمهاجرين اليهود من أوروبا ممكنًا إلا بفضل دعم القوى الامبريالية الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا. ويشكل الوجود الإسرائيلي والتوسع المستمر للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والقدس الشرقية استمرارًا للاستعمار الأوروبي في القرن الـ21 على حساب الشعب الفلسطيني الذي عاش هناك لمدة ألفي عام.
وبالنظر إلى هذا الواقع، فإن دولة إسرائيل اليهودية يجب أن يتم النظر إليها على أنها غير شرعية ونتيجة مفجعة للإمبريالية الغربية على حد سواء. والحل العادل الوحيد لهذا الصراع المتجذر هو السماح في النهاية للفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة، وهذا ما كان ينبغي أن يحصلوا عليه في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والسماح بعودة جميع اللاجئين. وبعبارة أخرى، دولة فلسطينية علمانية واحدة يتشارك فيها اليهود مع المسيحيين والمسلمين جميعهم بحقوق متساوية. ومثل هذا الحل لدولة واحدة ليس معاديًا للسامية، بل هو الحل المعقول.