تنهمك دكتورة الأطفال في مستشفى ناصر الطبي في خانيونس جنوب قطاع غزة آلاء النجار بمتابعة وعلاج مرضاها في قسم الأطفال، وفجأة تلقت اتصالا هاتفًا صادمًا: "آلاء تم استهداف منزلكم قبل قليل"، شهقت من قوة الصدمة ليسقط ما بين أناملها من علاجات وأوراق للمرضى على الأرض.
ارتسمت علامات الصدمة والاستغراب بين عينيها لتصرخ بصوت مرتفع: "وقتيش قصفوا الدار؟، مين كان هناك؟ ايش الي صار؟"، لكن آلاء لم تنتظر الإجابة على تساؤلاتها فهرعت صوب قسم الاستقبال والطوارئ في مستشفى ناصر لتتأكد من الخبر.
لم تكن جريمة استهداف الاحتلال الإسرائيلي لعائلة الدكتورة آلاء النجار في قيزان النجار جنوب مدينة خانيونس هي الجريمة الأولى بحق الكوادر الطبية، ولن تكون الأخيرة في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية التي يقودها بنيامين نتنياهو وفريقه المجرم الذي انتزع من قلوبهم الرحمة والإنسانية والكرامة والأخلاق.
صوت فانوس الإسعاف كان مرتفعًا جدًا، إذ وصل إلى قسم الاستقبال والطوارئ في ساعات متأخرة من مساء الجمعة، هناك تجمع عدد من الأطباء بينهم الدكتور آلاء التي أحضرت معها ثلاثة أسرة لنقل الجرحى، لكن المفاجأة كانت صادمة والمشهد كان في حقيقته مرعبًا.
وفي داخل سيارات الإسعاف كان رجال الإسعاف والطوارئ يحملون بين ذراعيهم أكفانًا وأكياس ممتلئة بأشلاء الأطفال، حينها انهارت الدكتورة آلاء وصرخت: "أين أولادي؟ أن زوجي؟"، لم يستطع أحد أن يخبرها أن أولادها تفحموا وجمعت أشلائهم في أكياس الموتى".
سبعة أطفال (يحيى – ركان – رسلان – جبران – إيف – ريفان – سيدين) جميعهم تحولوا إلى أشلاء ممزقة بفعل صواريخ الاحتلال الإسرائيلي التي استهدفت منزلهم في قيزان النجار جنوب خانيونس، بينما ما زال والدهم (الدكتور حمدي) على قيد الحياة إلا أنه أصيب بجروح خطيرة.
تبحث الدكتور آلاء بين جثامين أطفالها وتقول بصوت مرتفع: "ما زال طفل ثامن"، أجابها أحد رجال الدفاع المدني وعينيه تنهمر من البكاء وبصوت مليء بالأسى والحزن: "ما زال طفل يبلغ من العمر 6 أشهر عالقًا تحت الركام، ولا نملك أي قدرة أو أمكانيات لانتشال جثمانه".
فورًا تجمع زملاء مهنة الطب حول الدكتورة آلاء النجار لمواساتها باستشهاد جميع أطفالها، فما شهدته مستشفى ناصر الطبي في خانيونس مساء الجمعة من استشهاد أبناء تشهده جميع المستشفيات في قطاع غزة منذ بداية حرب الإبادة الجماعية التي تشنها "إسرائيل" ضد المدنيين في القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023.
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
في هذا السياق، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، في بيان رسمي عبر قناتها على تلغرام، أن أكثر من 1400 من الكوادر الطبية استُشهدوا نتيجة العدوان الإسرائيلي على القطاع منذ الـ 7 من أكتوبر 2023، ومن بين هؤلاء الشهداء (أطباء – ممرضون – مسعفون - سائقو إسعاف - عمال صيانة وأمن في المستشفيات) هؤلاء كانوا في مواقع عملهم، يؤدون واجبهم الإنساني، عندما طالهم القصف الإسرائيلي.
لم يكن استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي، للكوادر الطبية عشوائيًا إنما كان استهدافًا مقصودًا ومتعمدًا؛ لتتفاقم أزمات القطاع الصحي في غزة، وألا يجد الجريح ومريض من يداويه ويخفف آلامه، في سياسة "إسرائيلية" ممنهجة لدفع السكان للهجرة ما يدلل على فقدان جيش الاحتلال لأي أخلاق إنسانية.
