غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

الطفل "صهيب خزيق".. ساقيَّ لا تذهبان حيث تطير العصافير!

شمس نيوز - وليد المصري

كان كل ما يحلم به الطفل صهيب خزيق (4 أعوام)، هو أن يجري وراء عصفورٍ أو حمامة في ساحة منزلهم أو في الشارع، أو يتعثر عند اللعب مع أقرانه بحجر صغير، ثم يبكي قليلاً قبل أن تهرع إليه أمه لتطبع قبلةً حنونة على خده، ولم يكن في حسبانه مُطلقاً أن يفقد ساقه اليمنى، في استهداف غاشم ضمن حرب الإبادة الجماعية التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023م، والتي لم يُشهد لها مثيل في التاريخ الحديث.  

القصة المؤلمة بدأت في السادس من أبريل 2024م، حين ظنَّت عائلة خزيق أنها نزحت إلى مكان "آمن" من حي تل الهوا، ولكن لم تمضِ بضعة دقائق على استقرارهم في منزل أحد أقاربهم شرقي حي التفاح بمدينة غزة، حتى بدَّد صوت صاروخ إسرائيلي ذلك الاستقرار، وزلزل المنطقة؛ ليُصاب الطفل صهيب (الذي لم يتجاوز عمره آنذاك 3 أعوام و3 شهور) بشظايا الصاروخ الغاشم، ما أسفر عن بتر قدمه اليمنى من فوق الركبة بشكل فوري.

صهيب خزيق.png

يقول "علي خزيق"، وهو والد الطفل "صهيب"، بعد أن رجع بشريط ذاكرته إلى ذلك اليوم "المؤلم": "بعد نزوحنا إلى حي التفاح حصل استهداف بجانب المكان الذي كنا نازحين فيه، وأصابتنا الشظايا في نفس المكان الذي كنا جالسين فيه، وابني صهيب كان يجلس بجانبي، وكانت الإصابة له بشكل مباشر، وأُدخل على إثرها إلى مستشفى الشفاء، حيث خضع لعملية بتر عاجلة"، ليكون "صهيب" بذلك قد دخل غرفة العمليات بطفولة كاملة، وخرج بنصفها.

وأضاف "خزيق"، لمراسل "شمس نيوز"، وهو يحتضن طفله، ويُمعن النظر في قدمه المبتورة: "لم يكن صهيب يبلغ من العمر حينها سوى ثلاث سنوات وثلاثة شهور، ولم يكن قد بدأ مرحلة التعليم بعد"، مؤكداً أن الإصابة حرمته من اللعب، والمشي، والتفاعل الطبيعي مع إخوته، وغيّرت مجرى حياته بالكامل.

وُلد الطفل "صهيب" بعد انتظار طويل لوالديه مدة تزيد عن 10 سنوات، يقول والده، بعد أن أغرقت الدموع عينيه: "كنتُ أقف في كل صلاة، وأرفع يدي في جوف الليل، أدعو الله بأن يرزقني طفلاً يملأ قلبي وحياتي، حتى أكرمتي الله بصهيب بعد 10 سنوات من الشوق، لكن هذه الفرحة لم تكتمل بسبب صواريخ الاحتلال الغادرة".

إصابة الطفل "خزيق"، لم تفقده قدمه فحسب، كما يوضح والده، بل " فقد طفولته وحياته الطبيعية، ولم يعد قادراً على الحركة، أو مرافقتي كما كان يفعل سابقاً إلى المسجد أو السوق".

والد الطفل صهيب خزيق.png

وأضاف أن وضع طفله النفسي متدهور، حيث يعاني من اضطرابات نفسية واضحة، من بينها العصبية والشعور بالنقص عند رؤية أقرانه من الأطفال يلعبون ويمشون أمامه.

وتابع بصوت ممزوج بالقهر والغضب: "أنا إنسان عادي، وابني طفل لا نُشكل أي خطر على أي أحد، لم نكن نتوقع ولو بنسبة 1% أن نكون بنكاً لأهداف الاحتلال"، متسائلاً بحرقة: "ما ذنب صهيب؟ عمره ثلاث سنوات ونصف، ما الذي فعله لتُبتر قدمه؟ ما ذنبنا؟ لماذا توقفت حياته؟ حُرم من المشي، حُرم من اللعب، حُرم من التعليم، حُرم من اللعب مع إخوته!".

وأكمل: "أكثر ما يؤلمني أنه لا يفهم ما حدث.. يسألني كل يوم عن حذاءه الثاني، ويبكي إذا رأى طفلاً يركض، لا أعلم كيف أشرح له أن قدمه لن تعود؟".

ويشير إلى أن طفله "صهيب" يحتاج الآن إلى "عناية خاصة، وجو خاص، ونظام صحي دقيق، ويحتاج إلى أشياء كثيرة، من أكل، وشرب، وأساسيات، وأدوية، وعلاج طبيعي، وهذه كلها شبه معدومة في غزة".

ويناشد "خزيق"، الجهات الطبية كمنظمة الصحة العالمية والإنسانية كالصليب الأحمر والمجتمع الدولي بالعمل على تسهيل سفر طفله إلى الخارج من أجل استكمال علاجه وتلقي الرعاية المناسبة، وتركيب طرف صناعي.

لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام

حالياً، يتلقى الطفل صهيب العلاج النفسي والعلاج الطبيعي في مركز الأطراف الصناعية وسط مدينة غزة، في ظل إمكانيات صحية محدودة وظروف إنسانية صعبة، خصوصاً مع الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع وإغلاق المعابر، وشح الإمكانيات الطبية.

وفي مركز الأطراف الصناعية الذي يُعد الوحيد من نوعه في قطاع غزة، يحاول الأطباء والمختصون من خلال جلسات الدعم النفسي والعلاج الطبيعي، ترميمَ جرح فَقْدِ الطفل "صهيب" لقدمه، وهو واحدٌ من آلاف الحالات في صفوف الأطفال الذين بُترت أقدامهم بفعل عدوان الاحتلال على قطاع غزة.  

الطبيبة الحداد.png

وأفادت الدكتورة إيمان الحداد، رئيس قسم العلاج الطبيعي وأخصائية العلاج الطبيعي في مركز الأطراف الصناعية بمدينة غزة، أن حالات البتر في القطاع تشهد ازدياداً ملحوظاً منذ سنوات، نتيجة الحروب المتكررة، وآخرها حرب الإبادة المستمرة التي خلّفت آلاف المصابين.

وأضافت الحداد، لمراسل "شمس نيوز"، أن آخر الإحصاءات تشير إلى تجاوز عدد حالات البتر حاجز الخمسة آلاف حالة منذ بداية الحرب، وهو ما يُمثل تحدياً ضخماً أمام قدرة المركز التشغيلية، خاصة مع نزوح بعض الطواقم الطبية بسبب الحرب.

وأشارت الحداد إلى أن الأطفال يحظون بالأولوية القصوى داخل المركز، نظراً لحساسيتهم النفسية، واحتياجهم لرعاية خاصة تُراعي سنهم ومشاعرهم، مشيرةً إلى أن التعامل مع الأطفال يتم من خلال جلسات علاجية باللعب، إضافةً إلى الدعم النفسي من المختصين، مع إشراك الأهل في إعداد الطفل نفسياً لتقبّل الطرف الصناعي.

ويقدم مركز الأطراف الصناعية الذي تأسس في العام 1974م، خدمات متكاملة تشمل التقييم الطبي، والعلاج الطبيعي، والصحة النفسية، وتصنيع الأطراف الصناعية، والأجهزة التعويضية، -كما توضح الدكتورة الحداد-، إلا أن التحدي الأكبر يتمثل في شحّ المواد الخام اللازمة للأطراف الصناعية والتي تمنع قوات الاحتلال من دخولها إلى غزة، ما يعوق تصنيع الأطراف اللازمة، خاصة للأطفال الذين يحتاجون إلى مقاسات وخامات خاصة، كما أن المركز يعمل بطاقم محدود بفعل النزوح والاستهداف، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تأخير تقديم الخدمات الحيوية للمرضى، وخصوصاً الأطفال.

أما بخصوص الطفل "صهيب خزيق"، نبَّهت د. الحداد، إلى إن "حالة صهيب واحدة من مئات الحالات التي وصلت إلينا، حيث كان يبكي كثيراً، ويرفض رؤية قدمه المبتورة، ويرفض اللعب، أو الكلام، لكننا بدأنا معه عبر اللعب والعلاج النفسي التدريجي".

الدعم النفسي.png

وأضافت: "اليوم كان نقطة تحول، لأن صهيب ولأول مرة، لم يبكِ خلال الجلسة، وتفاعل مع الطاقم، ونعتبر أن ذلك إنجازًا مهماً في علاجه، لكنه يبقى ناقصاً، لأننا لا نملك المواد اللازمة لصنع طرف صناعي مناسب له."

وأوضحت أن الأطراف الخاصة بالأطفال تتطلب مقاسات دقيقة ومواد نوعية لا تتوفر حاليًا داخل غزة.

وختمت حديثها: "رغم كل هذه التحديات، نواصل عملنا بكل ما أوتينا من طاقة وإصرار، لكننا بحاجة إلى دعم عاجل لتوفير المواد الضرورية، وتمكين الأطفال مثل صهيب من العودة إلى حياتهم الطبيعية".