غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

على حافة الجوع وتحت رماد القصف

"ابتسامة بين الركام".. غزة تنتظر المساعدات وتعيش على الامل!

تكية رز وحليب 1.jfif
شمس نيوز - حنين الجاجة

على ركام شارع مهجور في قلب غزة، تسير امرأة تحت لهيب الشمس الحارقة، تحمل على رأسها صفيحة ماء نصف ممتلئة، يتبعها طفل صغير يجرّ قدمه اليمنى التي فقد حذاءها منذ أيام. لا أحد هنا يعرف موعدًا دقيقًا لوصول المساعدات، ولا أحد يضمن إن كانت ستكفي إذا دخلت. الجميع يعلق آماله على السماء، وعلى كل شاحنة تمرّ من بعيد كأنها قد تحمل الحياة.

منذ شهور، يخوض القطاع المحاصر أصعب فصوله: الجوع، العطش، العراء، القلق، والنزوح بلا أفق. تنتشر المخيمات في كل مكان وكأنها نبتت فجأة من باطن الأرض. خيام بيضاء رقيقة لا تصدّ الحرّ ولا تحمي من قسوة الواقع. ينتظر الناس السلال الإغاثية كمن ينتظر نبض قلبٍ توقف فجأة. البعض يقطع مسافات طويلة فقط ليطرح سؤالًا واحدًا: "هل وصلت المساعدات؟" والجواب دائمًا يتكرر: "لسّا.. استنوا".

عند مفترق شارع حيث يلتقي الانتظار بالألم، رأيت رجلاً في الخمسين من عمره يحمل على ظهره كرتونة مساعدات. وجهه يلمع بالعرق والتراب، لكن ابتسامته كانت أكثر ما لفت انتباهي. رفع رأسه نحو السماء وقال: "الحمد لله.. لقيت إشي أطعم فيه أولادي.. شكراً يا رب."

لم يكن ذلك الطرد طعامًا يكفي أسرة كبيرة، لكنه كان كافيًا ليزرع في قلبه بعض الفرح، ويكسر ولو مؤقتًا دائرة الحرمان.

داخل أحد مراكز الإيواء في غرب المدينة، يتزاحم الأطفال حول صنبور ماء تخرج منه قطرات بطيئة. في ركن بعيد، تجلس أم ترضع رضيعها وتحاول تهدئته من حرارة الجو اللاهبة، تقول لي: "ما بطلب غير الحليب إله.. ومي باردة.. والباقي بنتحمّل."

لا يمكن لأي تقرير أن يختزل حجم المعاناة هنا. فغزة اليوم ليست مجرد مدينة تنتظر المعونة، بل روح تصارع الانطفاء، تحاول أن تبقى حيّة بحبة تمر، بابتسامة رجل، بدعاء أم، وبأمل طفل يسأل: "إيمتى رح نرجع عبيتنا؟"

وبينما العالم مشغول بأرقامه، لا تزال غزة تحصي آلامها بصمت، تنتظر أن يُفتح لها المعبر، أن يدخل كيس طحين، أن تشتعل الكهرباء، أن يعود الليل للنوم بدل البكاء، وأن يأتي الغد محملاً بما يكفي من الحياة لمن بقي.