كما هو متوقع، وما إن تواردت أنباء التفجير الانتحاري في منطقة القطيف شرقي السعودية، حتى خرج حزب الله يحمّل وزر الجريمة للنظام السعودي الذي لا يقول عاقل -لديه الحد الأدنى من الحس السياسي- إن العملية لم تكن مسيئة له بكل المقاييس.
سيقال إن المسؤولية هنا لا تعني المشاركة في الجريمة أو تسهيلها (ينطبق ذلك على التفجير التالي في الدمام)، بل في صناعة أجواء الحشد المذهبي التي مهدت لتنفيذها، وهنا تحديدا سنكون إزاء وقفة ضرورية لكشف حقيقة المسؤول عن هذه الأجواء التي صنعت هذا اللون من العنف المذهبي الذي يطل برأسه في عدد من المناطق، وينذر بحريق أكبر إذا لم يتم التوقف مليا من أجل التوصل إلى تسوية توقفه، في حين يدرك العقلاء أنه ما من حرب أكثر تدميرا من الحروب الدينية والمذهبية.
ما إن وقعت جريمة القطيف -وغالبية الأمة تراها كذلك، حتى أولئك الذين يرون الشيعة كفارا، لأن سبب إعلان الحرب حسبما أجمعت غالبية العلماء ليس الكفر، وإنما العدوان- حتى بدأ إعلام التحالف الإيراني في التذكير بحكايات الوهابية وابن تيمية، والدعاة والعلماء الذين يكفرون “الروافض”، كسبب لما جرى.
وهنا ينبغي القول -كما نردد دائما- إن العنف المسلح ليس ظاهرة فكرية، ولم يكن كذلك يوما من الأيام، وما تفعله الأفكار هو البحث عن تبريرات له، أو مسوغات تقوي إيمان أصحابه بقضيتهم، وإلا فهل كان الفكر الوهابي وليد اللحظة، أم خرج ابن تيمية في الألفية الجديدة؟!
الحق أن كل المبررات التي تساق في سبيل تبرير هذا اللون من الأعمال التي تجري في مناطق عديدة، كانت وستبقى موجودة في بطون الكتب وآراء العلماء، لكن ما أخرجها من سياق التنظير إلى الفعل راهنا هو الظرف الموضوعي الذي وفر لها الأجواء المناسبة.
هنا، لن نتردد في القول إن إيران هي المسؤول الأكبر عن تصعيد أجواء الحشد المذهبي في المنطقة، والتي تولّد هذا اللون من العنف الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة عشية انطلاق الربيع العربي، بدليل تنظيرات أسامة بن لادنالأخيرة كما كشفتها وثائق “أبت آباد”.
ما أعاد الوضع إلى هذا البؤس هو:
أولا- دعم طائفية المالكي في العراق التي أعادت العرب السنة إلى تنظيم الدولة بعدما انفضوا من حوله وذهبوا إلى العملية السياسية عام 2010، ثم إلى النضال السلمي بعد ذلك، والذي رد عليه المالكي بالسلاح والقتل.
ثانيا- دعم دموية بشار الأسد ضد شعبه، رغم أنه ثار كجزء من ثورات الربيع العربي وليس على أساس طائفي، ومن ثم استجلاب المليشيات الشيعية من كل أصقاع الأرض لنصرة النظام السوري، وتدخل حزب الله في المعركة.
ثالثا- وهو الأسوأ، ويمتثل في دعم -وربما تشجيع- عدوان الأقلية الحوثية على الشعب اليمني بالتعاون مع الطاغية الذي ثار الناس ضده، ومع ذلك كله وإلى جانبه تلك التصريحات اليومية المدججة بالغطرسة وغرور القوة عن سيطرة إيران على أربع عواصم عربية.
هذه هي الحقيقة، وما عدا ذلك فهو كلام بلا قيمة، بما في ذلك الحديث عن التنظيرات والفتاوى التي ينبغي للرد عليها التذكير بأن التكفير في الفضاء الشيعي يبدو أكثر منه في الفضاء السني، مع العلم بأن معظم الأديان والمذاهب يكفر بعضها بعضا، لكن الحروب لها سياق آخر، ويمكن للشيعة والسنة أن يروا بعضهم كفارا دون أن يؤدي ذلك إلى حروب دموية، بدليل أن أقليات كثيرة كانت تتعايش في المنطقة وهي يكفر بعضها بعضا على الصعيد الديني النظري.
أليس لافتا أن غالبية الشيعة العرب تؤيد بشار الأسد، ومليشيات الحشد الطائفي في العراق، وعدوان الحوثي، بينما لم يقف سوى القلة من أبناء الغالبية السنية إلى جانب عمليات القتل على الهوية في أي مكان من العالم العربي؟!
إنه الوضع الطبيعي، لأن السنة ليسوا طائفة ولم ينظروا إلى أنفسهم كطائفة في يوم من الأيام، وليسوا بحاجة إلى شن حرب على الأقليات لتأكيد وجودهم، وبوسعهم أن يتعايشوا معها، وقد فعلوا ذلك طويلا، بينما يعتقد الطرف الآخر أنه في حرب وجود يخوضها الولي الفقيه، ويجب الانسجام معه.
لا مبدأ ولا أخلاق في نصرة طاغية يقتل شعبه في سوريا، ولا في دعم عدوان أقلية في اليمن، ولا الدفاع عن طائفية المالكي التي أقر بها الجميع، وهنا الفارق الكبير بين المعسكرين.
وإذا لم يعد رأس المعسكر الآخر إلى رشده، فإن الحريق سيتواصل، لا سيما أن الغالبية من شيعة العرب (نكرر الغالبية لأن هناك أصواتا خالفت السائد) تقف مع إيران مهما فعلت، وهو حريق مدمر للجميع من دون شك، ولا يصب إلا في صالح الكيان الصهيوني.
المقال يعبر عن رأي كاتبه